التوتاليتارية بين القضاء والزعامة الدينية - ص

طلعت خيري
2024 / 10 / 1

طرح زعماء الأحزاب الدينية السياسية على القاعدة الجماهيرية المكية طرحا سياسيا يهدف الى بث الشك في اختيارية محمد للرسالة ، قالوا أأنزل عليه الذكر من بيننا ، الأبعاد السياسية للطرح للتشكيك بالذكر الذي خص المجتمع المكي، بل هم في شك من ذكري ، فمن أهداف الذكر تحذير المكذبين من عواقب التغير الشمولي القادم ، ولكن متى سيشعرون به لما يذوقوا عذاب التغير ، بل لما يذوقوا عذاب ، طلب الله من محمد الصبر على الادعاءات الباطلة التي أطلقها المكذبون الى الوقت الذي سيقلب الله به موازين الأحزاب الدينية السياسية بتغير شمولي لا رجعة فيه اصبر على ما يقولون

اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ

كان زعيم الطائفة الداوودية المنظم الى تحالف الأحزاب الدينية السياسية المكية، يحكم طائفته باسم خلافة داوود احد أنبياء ما قبل التاريخ ،مستمدا زعامته الدينية مما نقله التراث والتاريخ عنها ، فكان يفرض إرادته السياسية على الطائفة باسم دين الآباء ، فالتحالف السياسي المكي أشبه بمحفل ديني يظم كافة زعماء الأحزاب الدينية السياسية ،وزعماء الاعتقادات الاسترولوجية والكسمولوجية ، وبالرغم من اختلاف العقائد إلا ان الزعماء متفقون على المصالح السياسية والاقتصادية والسلطوية المشتركة ، فرض زعيم الطائفة الداوودية توتاليتارية دينية شمولية على طائفته شملت الأصعدة الصناعية والزراعية والثروة الحيوانية والإدارة والقضاء،على اعتقاد ان داوود لم يصبح ملكا أو خليفة حتى فرض شمولية سلطوية دينية طالت الجبال والطيور والحديد ، خلافة داوود لم تكن خلافة سلطوية منبثقة عن تحالف سياسي فرض بالقوة العسكرية كما نقله الدين السياسي للطائفة،إنما خلافة خصوصية زمنية تقوم على بعض المسخرات لتوسيع ملكه

توجه الذَّكر في سورة ص الى القاعدة الجماهيرية المكية لتصحيح ما نقله التراث والتاريخ الرجعي للآباء عن خلافة داوود، فالدين السياسي للطائفة أعطى لداوود إلوهية لفرض الشمولية على كافة المفاصل والأصعدة ، ولكي يبطل الله إلوهية داوود عرفهم بماهيته قائلا ، وذكر يا محمد عبدنا داوود ذا الأيد ، الأيد تعني العمل اليدوي الصناعي، انه أواب كثير الرجوع الى الله ، إذا اخفق في امرأ قضائيا أو إداريا

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ{17}

الشمولية استبداد سلطوي سياسي يفرضه الزعيم وفقا لإرادته السياسية ، وقد ينفرد بقرارات أحادية الجانب تصب في مصالح الطبقة الرأسمالية أو فئات اجتماعية أخرى ، فيسخر لها بعض الأنشطة الاقتصادية أو القضاء مقابل الدعم السياسي ، وهذا ما وقع به داوود ، في كل الأحوال الزعامة تحتاج الى شعب متكامل زراعيا وصناعيا واقتصاديا ، بما ان ملكية داوود تفتقر الى الكثير من مقومات الخلافة ، لذا شدد الله ملكه ببعض المسخرات فقال، أنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، والطير محشورة كل له أواب،وشددنا ملكه، واتيناه الحكمة وفصل الخطاب ، الفصل هو كلام يوضح فيه قضية معلقة أو مشكلة يكون حكما فيها، أما الخطاب كلام يحمل شكوى يقدمها الفرد لإثارة انتباه المسئول

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ{18} وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ{19} وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ{20}

لم ينقل الدين السياسي للطائفة الداوودية الجانب الإيماني عن خلافة داوود ، إنما نقل الجانب السلبي لتلبيه أهواء ورغبات الطائفة التي ترغب في تسييس القضاء للمصالح السياسية والاقتصادية ، وذلك عن طريق بلورة أيديولوجية جيوثقافية قادرة على إنتاج توتاليتارية الزعيم الديني لهذا الغرض ، فالسلبية التي وقع بها داوود انه انحاز الى احد الرأسماليين، لا لتحقيق العدالة القضائية إنما لتحقيق رغبته السياسية في دعم الخلافة ، فبعث الله الخصم لتنبيهه على السلبية التي وقع بها قائلا ، وهل أتاك نبأ الخصم اذ تسوروا ، تسوروا تسلقوا المحراب محراب داوود، اذ دخلوا على داوود ففزع منهم، لأنهم دخلوا بطريقة غير مشروعة ، قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ، ولا تنحاز الى احدنا لتسويف العدالة ، وأهدنا الى سواء الصراط

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ{21} إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ{22}

الخصم الذين دخلوا على داوود في محرابه، فئة غير معروفة اجتماعيا ، فليس من مصلحته السياسية تسويف العدالة في قضيتهم ، لذا حكم بينهم بالعدل ، فحادثة الخصم بمثابة تصحيح للسلبية القضائية التي انحاز بها داوود الى الرأسمالي على حساب الفقير، قال احدهم ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة،المقصود الرأسمالي ، وقال الأخر ولي نعجة واحدة ، المقصود الفقير ، قال الرأسمالي أكفلنيها بمعنى أعطني أيها لاضمها الى نعاجي، وعزني بالخطاب وعزني تعني تغلب علي بالخطاب أي بشكوى قدمها الى القضاء، عبارة وعزني بالخطاب ضربة في صميم سلبية داوود فانتبه إليها وعلى الفور اصدر أمره القضائي قائلا ، لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه، وان كثيرا من الخلطاء، الخلطاء جاءت من الاختلاط وتعني اختلاط المصالح بين الناس ليبغي بعضهم على بعض، ليعتدي بعضهم على بعض بسبب الأطماع والمصالح، استثنى الله منهم إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات، وقليل ما هم ، هم قليلون، علم داوود ان حادثة الخصم قصدته ، وظن داوود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب

إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ{23} قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ{24}

لا نبي ولا رسول ولا أي إنسان معصوم عن الخطأ ، فالأخطاء واردة في حياة البشر، علاجها العقائدي الاستغفار والرجوع الى الله، استغفر داوود ربه فغفر له ، فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب ، خاطب الله داوود خطابا عقائديا شموليا بعيدا عن التوتاليتارية القضائية مشددا على تطبق العدالة المطلقة بين الناس، والابتعاد عن التمايز القضائي بين الطبقات الاجتماعية المسوف للعدالة قائلا ، يا داوود أنا جعلناك خلفية في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى، الهوى ما تهواه النفس بالحصول على أطماعها ورغباتها الدنيوية على حساب الآخرين، في دعوة أخروية مهددة بالعذاب الدنيوي ، ومحذرة من عاقبة يوم الحساب ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله، لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب

فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ{25} يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{26}

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي