|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أحمد فاروق عباس
2024 / 9 / 27
أختلف مع كل تيار الاسلام السياسي، بشقيه السني ( الإخوان والسلفيين وباقي التنظيمات التي علي شاكلتهم ) والشيعي ( انصار مذهب ولاية الفقيه ، والتي علي أساسها يقوم النظام السياسي في إيران ) ..
ولكن الاختلاف السياسي شئ والوقوف علي الحياد - فضلا عن الشماتة - فيما تفعله اسرائيل بهم شئ آخر تماما ...
لذا أشعر بحزن كبير مما تفعله اسرائيل منذ شهور ، وزاد الحزن وفاض مما فعلته في العشرة أيام الماضية في لبنان ...
وطوال الشهور الماضية طالما انتقدت حركة حماس ، والي حد أقل انتقدت حزب الله ...
وكانت النقطة الرئيسية في انتقادي ان حماس وحزب الله لم يفهما علي وجه صحيح المتغيرات علي الساحة العالمية ، وخصوصا بعد حرب الغرب مع روسيا علي أرض اوكرانيا ، وقبلها الحرب الفيروسية التي شنتها أمريكا علي العالم ( فيروس كورونا ) وقبلها مباشرة الحرب التجارية والاقتصادية الهائلة التي قامت بها الولايات المتحدة ضد الصين ...
كل ذلك يقول لنا شيئا واحدا ان الغرب قرر الهجوم ، والهجوم بضراوة ، واحيانا بوحشية ، وهو لم يراع في هجومه دول كبري او حتي عظمي .. اقتصاديا وعسكريا ، وان هناك تفويض مفتوح لوكلائه في أقاليم العالم المختلفة ( ومنها اسرائيل وكيله الاقليمي في الشرق الاوسط ) بالتصرف ...
ومن هنا فقد اختارت حماس واختار حزب الله والمحور الايراني كله اسوأ لحظة للفعل والتحرك ، اللحظة التي وصل فيها استنفار القوة الامريكية الي مداه ، واللحظة التي أعطت فيها لوكلائها تفويضا مفتوحا بالتصرف وحتي بالقتل ...
وامريكا تشعر من سنوات ان البساط يسحب من تحت قدميها .. بهدوء وذكاء ..
فالصين تخطو حثيثا الي قمة العالم اقتصاديا ..
وروسيا تعيد بناء نفسها سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، بعد سنوات يلتسين التي ضاعت فيها هيبة الدولة الروسية وكادت ان تضيع فيها وحدتها وكيانها ذاته ...
وعرش الدولار تهتز قوائمه منذ فترة ، بعد ان انخفض حجم التعامل به الي نصف التعاملات الدولية تقريبا او أكثر قليلا ، ومعني ذلك ببساطة أن الاقتصاد الامريكي أصبح في مهب الريح ، فقوة الولايات المتحدة الاقتصادية في جزء كبير منها راجع الي تحكمها في طباعة الدولار وفرضه علي العالم كعملة التداول الرئيسية ، اي ان امريكا تشتري من العالم سلع وخدمات وتقدم له في المقابل رزم من الورق تتحكم هي في طباعتها ..
واذا فقد الدولار مكانته كعملة التداول الدولية - كما تسعي دول البريكس - واذا قررت دول العالم الدائنة للولايات المتحدة مطالبتها بتسديد ديونها لديها - وامريكا أكبر دولة مدينة في التاريخ - بعملة غير الدولار فمعني ذلك دخول الولايات المتحدة في مأزق لا احد يعرف - لا في امريكا ولا خارجها - كيفية التعامل معه !!
ومشاكل الاقتصاد الامريكي معروفة ، وخلاصتها ان أمريكا تتراجع بانتظام في حين ان قوي أخري - الصين وبعدها الهند - تتقدم بثقة ..
وحتي لا تواجه امريكا ذلك المأزق الذي لا تعرف كيفية التعامل معه قررت أخذ المبادرة بالتصرف ... بالهجوم ... والهجوم بضراوة .. واحيانا بوحشية ...
حتي تقصقص ريش الحلف المعادي لها .. والحلف المعادي لها ليست دولة معينة بل اطار معين وفكرة معينة ، وهو مكون في المقام الاول من الدول القومية الكبيرة حول العالم - روسيا والصين في المقام الاول - ثم الدول القومية الاقليمية الرئيسية في اقاليم العالم ، البرازيل وفنزويلا في امريكا اللاتينية ، ومصر وتركيا وايران والسعودية والجزائر في الشرق الاوسط ، والهند وفيتنام مثلا في أسيا ...
وقد قلت " الدول القومية " ولم اقل دولة محددة بالذات ، وبغض النظر عن انظمتها الحاكمة ، ففكرة السوق العالمي ، وهذه المرحلة من تطور الرأسمالية - الرأسمالية في مرحلتها الكوكبية - لا تريد في العالم وجود أو حتي مجرد فكرة الدولة القومية ...
والدولة القومية هي تلك الدولة التي تحوي شعبا معينا علي رقعة محددة ، تمارس فيها سيادتها في أمور السياسة والاقتصاد والعسكرية وغيرها ..
وقد حاربت الرأسمالية فكرة الدولة القومية وسعت الي تفتيتها طوال العقود الماضية ، وقد مر ذلك بأكثر من مرحلة :
١ - مرحلة العولمة .. بادعاء ان العالم اصبح قرية واحدة ، وأن الحدود بين الدول قد تلاشت بتأثير التكنولوجيا وحرية تنقل رأس المال والعمل والسلع والخدمات .. وكان ذروة تلك الموجة في التسعينات من القرن العشرين ، وفي ذلك العقد ظهرت منظمة التجارة العالمية ، ومنظمة نافتا وهي اتفاقية للتجارة الحرة بين دول امريكا الشمالية ، وانطلق رأس المال الأمريكي حول العالم مستثمرا وباحثا عن الفرص ...
٢ - مرحلة تصعيد التنظيمات الأممية التي لا تؤمن بفكرة الدولة القومية ، وتري ان الحدود بين الدول مجرد اوهام ، وأنها عقبة في طريق هدف أهم وأعظم من وجهة نظرها ...
ومن هنا تم تصعيد تيارين رئيسيين ليست لديهما اي إيمان بمبدأ وفكرة الدولة من الاساس ، وليس لديهما أية حساسية او فهم تجاه الأمن القومي للدول ، وهذين التيارين هما :
أ - تيار الاسلام السياسي ، الذي لا يؤمن بفكرة الدولة بل بفكرة الامة ، ونظامها السياسي ممثلا في دولة الخلافة...
ب - والتيار الثاني هو التيار اليساري وخصوصا الجناح الماركسي منه ، الذي يؤمن بوحدة كفاح الطبقة العاملة حول العالم ، وأممية الثورة ، وليس بفكرة الدولة الوطنية او القومية ...
.. ومع فشل فكرة العولمة في زحزحة قوة ومكانة الدول القومية ، وخاصة العريقة وذات التاريخ القديم منها ، وكذلك مع ظهور حدود ما تستطيع التنظيمات الأممية - الاسلام السياسي والماركسية - فعله ، نحي الطرف الأصيل وكلاءه وقرر التصرف بنفسه ...
ومن هنا وصلنا الي ما يعيشه العالم من اربع سنوات ، حرب بالنار في أوربا ، وحرب بالاقتصاد في اسيا ، وحروب نفسية وفتن لا تنتهي ومحاولة اعادة صنع ثورات ملونة مرة أخري في الشرق الأوسط ...
وفي هذه اللحظة العالمية الملتبسة قررت حماس وحزب الله وورائهما ايران التصرف ...
وقدمت لأمريكا كل ما تتمناه وأكثر ..
قد يقول قائل ... كيف تقول ان الاسلام السياسي أحد اذرع الغرب ومع ذلك نري ونشاهد ان الغرب يحاربه من شهور !!!
والجواب بسيط ...
هناك وكلاء دائمون للغرب ، وهناك وكلاء حسب الحاجة وحسب المرحلة ...
ومن النوع الاول اسرائيل ...
ومن النوع الثاني رجال مثل شاه ايران وحسني مبارك وزين العابدين بن علي والملك فيصل وقادة تنظيمات الاسلام السياسي مثل أردوغان ومثل قادة ايران الذين كانوا مبرر امريكا لعسكرة الخليج وبيع مليارات الاسلحة لدول الخليج خوفا من رجال الدين الايرانيين ، خصوصا وان كتل كبيرة من سكان الخليج من الشيعة ...
هم رجال ونظم يستفيد الغرب منهم في سياسات معينة وفي مراحل معينة ثم يتخلص منهم عندما تنتهي فائدتهم ..
ويكفي أحيانا ان يتمرد أحدهم - الملك فيصل وموقفه بخصوص دور البترول العربي في الصراع والحرب مع اسرائيل - او يتصرف تصرفا لا يعجب القوي العظمي ، او ان يكون وجوده عائقا أمام خطط جديدة وفاعلين جدد اختارتهم أمريكا ، لتنحي امريكا جانبا الفاعلين القدامي وتختار وافدين جددا ، اي حصان جديد اكثر جموحا ونشاطا يستطيع الامريكان امتطاءه وتحقيق مصالحهم من استغلاله ...
وفي حالة الاسلام السياسي الذي يحارب الغرب بعض تنظيماته اليوم - حماس وحزب الله - فالغرب نفسه يتحالف مع تنظيمات اخري من نفس التيار ، مثل اخوان مصر ، الذين تفتح لهم لندن - وهي عاصمة رئيسية من عواصم الغرب - اذرعها لبث دعايتهم منها ، عبر قنوات فضائية ومنصات الكترونية ...
لقد حاربت أمريكا روسيا في افغانستان وكان سلاحها الرئيسي فيها تنظيمات الاسلام السياسي وخاصة حركة الاخوان المسلمين ، وحاولت امريكا بالثورات العربية عام ٢٠١١ وما بعده - وبواسطة نفس التيار وخاصة اكبر فصائله وهي حركة الاخوان المسلمين أيضا - تفتيت الشرق الاوسط ...
وفشل المشروع كله لحسن الحظ ...
الخلاصة ...
أن التناقض مع تيارات الاسلام السياسي ومع التيارات الماركسية كبير وعميق ، ولكن ذلك ليس مبررا علي الاطلاق وبأي وجه ان نناصر اسرائيل عليهما ..
فما بيننا وبين تلك التيارات تناقض ...
ولكن ما بيننا وبين اسرائيل عداء ...
وما تريده تلك التيارات هو ان تحكم بما في رؤوسها من افكار ، يراها كثيرون افكارا ضارة ومؤذية بل ومدمرة احيانا ..
ولكن اسرائيل تريد فناءنا أو علي الاقل ضياع دولنا وانهيار بلادنا واقامة حلمها التوراتي علي انقاضها ، وهو الثمن الذي تطلبه من الغرب نظير الخدمات التي تقدمها له ، ويبدو انه ليس لدي الغرب رفض لتلك الاحلام المجنونة ، فهو فيما يبدو لا يمانع ولكنه يتمنع ...
لكل ذلك فأنا اشعر بالحزن علي ما يحدث من شهور ، ومن صور الدمار في قطاع غزة وصور النازحين في لبنان ، وكنت اتمني ان تكون الاطراف العربية اكثر تعقلا واكثر ذكاء وأكثر فهما للمتغيرات والتيارات التي يموج بها العالم ، وطبيعة وصعوبة لحظته الراهنة ، وألا نعطي الفرصة لتلك الوحوش الهائمة بجنون في البرية لإيذائنا وقتلنا بدم بارد ...
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |