الصاروخ اليمني واعادة طرح الاسئلة

هاني الروسان
2024 / 9 / 15

هل يخرجنا الصاروخ اليمني الذي حط في محيط منطقة تل ابيب الكبرى بعد أن فشلت كل أنواع الدفاعات الجوية الإسرائيلية في اعتراضه او اكتشافه مبكرا رغم تحليقة لمدة ربع ساعة كاملة وقطعة لما هو ازيد من 2000 كم، من دائرة النقاشات المغلقة والاهتمام بحثيات وتداعيات يوميات الحرب الفاشية على قطاع غزة، ووضعنا امام حقيقة ان ما يجري في غزة والمنطقة عموما يتجاوز استئصال حركة حماس والقضاء عليها وعلى كل الفصائل المسلحة، وانه جزء من صراع دولي اوسع نطاقا وأن على نتائجه سيتوقف مصير المنطقة لفترة لا تقل عن تلك التي اعقبت اقامة دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية.
ورغم مرور اكثر من شهر على قصف ميناء الحديدة واغتيال كل من اسماعيل هنية وفؤاد شكر، وانسحاب ايزنهاور ومجموعتها القتالية من مياه المنطقة، غير ان شبح الرد الايراني والرد الحوثي لا زالا يخيمان على المنطقة، ليس لان اوستن أكد ذلك تعقيبا على الانسحابات البحرية الأمريكية من المتوسط، بل لأن احتمالات من هذا القبيل ستبقى مفتوحة على مدار الوقت لارتباطها وتداخلها مع عوامل تأثير، من شأن القوى الفاعلة على الصعيدين الدولي والاقليمي اعادة تفعيلها كأسباب قائمة في أوقات تختارها وفقا لمجريات الصراع الاشمل مساحة واهدافا. وان هذه الفواعل وفي إطار الاعداد للتعامل مع كل طارئ على تلك المجريات تجري الاستعدادات الحثيثة للعمل في الوقت المناسب.
وفي هذا السياق قد يبدو الأمر مستهجنا ان قلنا ان توقيت إطلاق هذا الصاروخ اليمني يأتي في ظل تصاعد التهديدات المتبادلة بين روسيا ودول حلف النيتو بقيادة واشنطن لاستهداف العمق الروسي بعد فشل الهجوم الاوكراني في منطقة كورسك او تراجع حدته مقارنة بزحمه الكبير الذي بدأه يوم 6 اوت/آب الماضي والذي كان من بين أهدافه الرئيسية وفقا للجنرال اوليكساندر سيرسكي القائد الاعلى للقوات الاوكرانية تحويل انتباه القوات الروسية عن مناطق أخرى، خصوصاً شرق أوكرانيا، لكن بدلاً من ذلك فإن القتال في منطقة دونباس - المناطق الصناعية في أوكرانيا دونيتسك ولوغانسك - اكتسب زخماً.
وفي التحليل الذي أجراه معهد دراسات الحرب الأميركي. يؤكد الخبير في السياسة الروسية، جرايم جيل، إن التوغل الأوكراني داخل الأراضي إذا وجه بهجوم روسي قوي فإن أوكرانيا ستواجه صعوبات في عديد قوتها البشرية وطائراتها بدون طيار ومدفعيتها. وان لا مقارنة بين قوة الطرفين..
وعلى الرغم من محدودية نتائج الهجوم الروسي المضاد على الأرض حيث لم تستعد القوات الروسية الا بضعة بلدات، غير انه وضع معادلة الأرض مقابل الأرض التي المح لها الرئيس زيلينسكي في معرض شرحه لأهداف التوغل الاوكراني داخل الأراضي الروسية موضع شك او انه قد اطاح بها، بل والارجح انه وضع بدايات فعلية لفشل هذا التوغل، الذي قد يعني هزيمة ساحقة للجيش الاوكراني على أكثر من جبهة، بدأ التخوف منها يعكس نفسه على التهديدات الغربية بالسماح لكييف باستهداف العمق الروسي، الذي فسرته موسكو بأنه سيكون حربا مباشرة من النيتو على روسيا كما جاء على لسان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي اعتبر أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" سيكون منخرطا في حرب مع موسكو إذا سمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد أراض روسية. وانه سيقابل برد حاسم.
فقد توعد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، بأن بلاده سترد عسكريا إذا تم السماح لأوكرانيا بتنفيذه هجمات على أراضيها بصواريخ غربية.
وفي معرض تعليقه على إمكانية سماح الدول الغربية لأوكرانيا بشن هجمات بصواريخ طويلة المدى على الأراضي الروسية، قال ريابكوف إن القرار المتعلق بهذا الشأن قد اتُخذ منذ فترة وأن الإشارات ذات الصلة أرسلت وتابع: "فليتخذوا أولا خطوة في هذا الاتجاه وسيتلقون ردًا شاملاً على الصعيد العسكري أيضا".
ولكن من الجانب الاخر فقد تعمد كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الحط من قيمة تهديدات بوتن هذه حيث قال الأول انه لا يفكر كثيرا في بوتين فيما وصف الثاني هذه التهديدات بالمعادة وانها لن تحول دون دعم أوكرانيا.
وعلى هذا المستوى يمكن لما اوردته صحيفة بوليتيكو ان يفسر هذا التجاهل الأمريكي البريطاني للتهديدات الروسية والذي يتفق مع ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي حيث أكدت هذه الصحيفة ان قرار السماح لاوكرانيا باستهداف العمق الروسي باسلحة غربية قد اتخذ فعلا وانه ينتظر الاخراج ليس اكثر وأن الزيارة المشتركة لوزيري خارجتي أمريكا وبريطانيا إلى كييف تندرج في هذا السياق.
والسؤال هنا هو ما الذي يجعل الولايات المتحدة على مثل هذه الدرجة العالية من الثقة بان روسيا لن ترد على هذه الخطوة بتوسيع نطاق الحرب لتشمل أوروبا اوا انها قد تلجأ للخيار النووي الذي تستبعده كافة الاوساط بما فيها الروسية في المرحلة الراهنة على أقل تقدير، رغم ان تقريرا حديثا لوكالة الاستخبارات الأمريكية يؤكد ان القوات الروسية تجري حاليا تدريبات حثيثية على استخدام صواريخ نووية تكتيكية في شرق اوكرانيا، وهو ايضا ما اكدته رويترز إلى اشارت من بين احتمالات متعددة للرد الروسي على الخطوة الغربية انهوسيكون اما بإجراء تجارب نوويه في بعض البلدان او باستخدام الصورايخ التكتيكية في اوكرانيا.
ولكن أيضا تطرح رويترز احتمال ما تسميه بشن حروب بالوكالة او التوسع بها وهنا تشير الى إمكانية تزويد روسيا للجماعة الحوثية باليمن بكميات كبيرة بما يسمى بالصواريخ الفرط صوتية وفقا لوول ستريت جورنال التي نقلت تخوفا غربية واسعا من احتمال من هذا القبيل، هذه الصواريخ التي لا يمكن اعتراصها خاصة من قبل القطع الحربية البحرية التي تحتاج للقيام بذلك إلى منظومات باتريت الغير متوفرة لمعظم القطع البحرية، وهو ما يفسر سبب انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية ايزنهاور من المنطقة بعد تصريحات متعددة من قبل الناطق العسكري باسم الجماعة الحوثية عن النية باستهداف حاملات الطائرات الأمريكية باسلحة نوعية.
وبغض النظر عما اذا كان الصاروخ اليمني الذي فشلت الدفاعات الإسرائيلية باكتشافه مبكرا او اعتراضه لاحقا هو واحد من هذه المنظومات التي تنوي روسيا تزويد الحوثي بها وفقا للمصادر الغربية، فإنه إلى جانب المشهد الدراماتيكي في العلاقات الروسية الايرانية والروسية الدولية الاخرى يؤكد على اهمية اعادة طرح الاسئلة مجددا حول ما يدور في المنطقة والعالم وعلى اهمية التفكير باعادة التموضع في المشهدين الإقليمي والدولي خاصة وان كل الاحتمالات واردة وأن نتنياهو يسابق الزمن لفرض وقائع جديدة على الارض
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي