|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ياسر جابر الجمَّال
2024 / 9 / 14
إن فكرة الشخصيات الوازنة في حياتنا بمثابة العقول الكبرى المؤسسة في الثقافة والفكر، التي يوكل إليها ريادة المشهد الثقافي وقيادته، سواء على المستوى التنظيري أو العملي، ذلك أنهم هم عماد الحياة وبناة الحضارة، ولا يمكن إغفال دورهم بحال من الأحوال.. وعلى هذا المنوال، ووفق ذلك السياق، يؤسس الكاتب الكبير السيد حافظ في الجزء الرابع من مذكراته المؤثرات الفارقة في المشهد الثقافي والبيئة الثقافية الحاضنة للمبدعين، وكيف تحولت إلى أشبه شيء بالعصابات والجماعات الأيديولوجية، والأرض الطاردة للكفاءات.. ورغم ذلك، فهم متدثرون بثوب الثقافة والإبداع، إلا أن حقيقة الأمر أنهم يغتالون معنويًا كل من خرج عن السياق المعد سلفًا وحاول التحليق عاليًا.
هذه الشخصيات الوازنة ليست في المشهد الثقافي فحسب، وإنما تمتد في كافة جوانب الحياة، خصوصًا لدى الأمم الحضارية التي تتطلع إلى الريادة والسبق المعرفي.
إن ما تتعرض له أمتنا من حملات الإقصاء والتهميش المتعمد في المجال الثقافي، وصعود التفاهة والتافهين، هو بمثابة حالة من التردي التي أوقع الأعداء الأمة فيها بغية إسقاطها وسيطرة السوقة والرعاع عليها في كافة المجالات والتصورات.
والسيد حافظ في هذا الجزء يرصد لنا مجموعة من المبدعين الذين تعرضوا لأحوال متشابهة من القتل المعنوي، الذي لا يقل حدة عن القتل الحسي.. إنه قتل باسم الثقافة والمثقفين، قتل باسم الإبداع والنقد، والتقييم الذي يحمل في طياته نقضًا وليس نقدًا، يحمل هذا النوع من القتل أمراضًا نفسية لا يمكن حصرها، يحاول الشخص المريض إسقاطها على الضحية المسكينة التي كانت تنظر إلى أمثال هذه الشخصيات على أنهم أنبياء للعلم والثقافة والمعرفة، بل قديسون للحق والصواب. وفي الحقيقة، تهاوت هذه التصورات عندما أوقفنا السيد حافظ على تلك الحقائق.
وفي المقابل نرى: "إن خطابات الرد الثقافي مارست أفعال المغايرة ضد التهميش الثقافي وتغييب الهوية الأصلانية؛ لأن المهمة التي وُجدت من أجلها هذه الخطابات هي إعادة بعث الحياة في هكذا أنواع ثقافية وأدبية وفنية، كان لها الأولوية في تأكيد الهوية الوطنية وإعادة الثقة للمواطن الأصلاني بمثل هذه الممارسات التي تعيد إليه روح الانتماء إلى تراثه ولغاته، فتكون بمثابة حلقة الوصل مع الجذور الثقافية. تجعل هذه الممارسات من التهميش الثقافي الداخلي والخارجي يقل في ضغوطه وممارساته على الهويات الوطنية.
وهنا يأتي دور خطابات الرد الثقافي لنظرية ما بعد الكولونيالية، التي تهتم بتقصي واقتراحات حول الأثر الثقافي للغزو الأوروبي على المجتمعات المستعمَرة، وطبيعة استجابات تلك المجتمعات، وتتعلق نظرية ما بعد الكولونيالية بمدى أوسع من الانشغالات الثقافية: أثر اللغات الإمبريالية على المجتمعات المستعمَرة، تأثير (الخطابات الكبرى) الأوروبية كالتاريخ والفلسفة، طبيعة وسياقات التعليم الكولونيالي، والروابط بين المعرفة الغربية والسلطة.. إنها تتعلق بالتحديد باستجابات المستعمرين والصراع للسيطرة على التمثيل الذاتي للشعوب المهمشة في ساحة الحضارة العالمية.
إذ سعت ما بعد الكولونيالية، من خلال خطاباتها، إلى البحث والتفتيش بين ثنايا الخطابات الكبرى الكولونيالية، من أجل زعزعة وتحريك تمركزها وتموضعاتها حول المبادئ الأساسية التي قام عليها اللوغوس الغربي في تدوين الصور النمطية للآخر المغاير على صفحات هذه الخطابات. كما عملت خطابات الرد المغايرة، فيما بعد الكولونيالية، على إيجاد تقابلات يستطيع الأصلاني من خلالها إعادة إنتاج هويته الأصلانية، ومعرفة مدى حركة التهميش التي وقعت عليه.. وبدأت حركة أخرى هي البحث في الفضاءات المهجنة التي عملت الثقافة العليا على إنتاجها وتذويب ما هو ذاتي ومحلي فيها لصالح الثقافة العليا المسيطرة."
إن العلاقة الوطيدة بين ما يُمارس علينا من تصورات وسلطات وافدة باسم الثقافة توضح لنا مدى التأثر الكبير الذي وقع على أمتنا، وأنتج لنا مجموعة من أشباه المثقفين الهجين. وفوق ذلك، نجد استعلاء تيار السفاهة والتفاهة والوضعاء على الأصلاء الحقيقيين، مع محاولات التهميش والإقصاء المتعمد والتغييب عن قصد.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |