|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2024 / 9 / 13
تتحدث التوراة عن رب يُعرف بإسم "إيل"، ما يزال مقطعاً ثابتاً في أسماء متداولة كثيرة، بعضها يباطن رمزية دينية مثل، جبرائيل واسماعيل وميكائيل واسرائيل. حسب التوراة، يتخذ الرب "إيل" النبي إبراهيم خليلاً(خل-إيل)، ثم أقطعه ونسله من بعده أرض كنعان (فلسطين). في سفر التكوين (13:14:15) نقرأ: "وقال الرب لإبرام: ارفع عينيك وانظر الى الموضع الذي أنت فيه، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، لأن جميع الأرض لك أعطيها، ولنسلك إلى الأبد". وفي نص توراتي آخر نقرأ:"وأُعطي لك ولنسلك من بعدك "أرض غربتك"، كل أرض كنعان مُلكاً أبدياً، وأكون إلههم"(سفر التكوين: 8:16). وفي نص توراتي ثالث، نجد الرب "إيل" يوسع كرمه على خليله "إبرام" ويضاعف مساحات الأرض "الممنوحة" له ولنسله من بعده، بل ويعيِّن حدودها:"لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر، إلى النهر الكبير نهر الفرات"(سفر التكوين: 18:15)
يا له من رب بارع في تجارة الأراضي والاستحواذ عليها، ثم منحها لمن يشاء وحرمان من يشاء منها !!!
ولربما قليلون هم الذين خارج دائرة الإختصاص يعلمون أن "إيل"، هو كبير آلهة الكنعانيين.
ويحظى النبي ابراهيم، بمكانة كبيرة في الديانات السامية الكبرى الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام. في التوراة، إبراهيم أب العبرانيين. وتؤكد التوراة أن إبراهيم من نسل "أرفكشد بن سام بن نوح". وفي المسيحية، يقرر إنجيل متى أن ابراهيم هو الجد الأعلى ليسوع المسيح. هنا، يتساءل المفكر الكبير الراحل، سيد القمني، ونتساءل معه أيضاً:"كيف يتفق أن يكون المسيح من نسل ابراهيم، مع جوهر الاعتقاد المسيحي، وأساسه الأول، والمعلوم أن المسيحية تعتبر المسيح إلهاً ليس له أب بشري؟!
في الإسلام، ابراهيم، خليل الرحمن، وأبُ الأنبياء(وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب)(العنكبوت: 27).(وأتخذ الله ابراهيم خليلاً)(النساء:125). يضاف إلى ذلك، أنه المؤسس الأول لملَّة الاسلام(ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين)(آل عمران: 67). الحنيف لغة، المائل عن الأديان كلها إلى الدين المستقيم. في السياق، يتفق الإخباريون المسلمون مع قصص التوراة حول موطن ابراهيم الأصلي، التي تقول:"إنه هاجر من موطنه الأصلي في بلاد الرافدين إلى فلسطين وأنه زار مصر..."(المرجع: سيد القمني: النبي ابراهيم والتاريخ المجهول، مؤسسة هنداوي 2017، ص 19). هذا على صعيد الأديان، حيث الحضور الكثيف للنبي ابراهيم، ولكن ماذا يقول العلم وبحوثه؟! نشير بداية إلى اختلاف الباحثين بخصوص المقصود ب"أرض كنعان". وفق التوراة، أرض كنعان هي فلسطين، وتصفها بأنها "أرض اللبن والعسل". أما الباحث الدكتور كمال الصليبي، على سبيل المثال لا الحصر، فيرى بناءً على بحوثه أن اليهود لم تقم لهم دولة في فلسطين، بل في عسير. بخصوص النبي ابراهيم ، تؤكد مصادر اسلامية أن لسانه لم يكن عربياً. يقول ابن هشام في السيرة، إن لسانه كان سريانياً (لسان شمال بلاد الشام في أزمنة غابرة). وتختلف البحوث العلمية بخصوص خروج ابراهيم من بلاد الرافدين قاصداً "أرض كنعان" المختلف بشأنها.
ونختم برأي العلم وبحوثه حتى اللحظة، يطلعنا عليه المفكر الفذ، سيد القمني رحمه الله، إذ يؤكد بثقة:"لم يُعثر حتى الآن على أي دليل آثاري، سواء كان كتابة أو نقشاً، أو حتى نقش يقبل التفسير، أو في نصوص تقبل -حتى- التأويل يمكن أن يشير إلى النبي ابراهيم وقصته سواء في آثار وادي النيل، أو آثار وادي الرافدين، على كثرة ما اكتشف فيهما من تفاصيل ووثائق"(التاريخ المجهول، ص19).
هنا نتساءل، إذا علم التاريخ لا يعترف بوجود النبي إبراهيم نفسه، أي أنه شخصية دينية وليست تاريخية، فهذا يعني أن "وعد الرب" بمنحه فلسطين هو مجرد أسطورة توراتية مصدرها خيال كتبة التوراة !