المُحتَجز رقم 62

كاظم فنجان الحمامي
2024 / 9 / 11

ما حدث معي قبل بضعة أيام يشبه الأعاصير العنيفة المفاجئة التي تأتي دون سابق إنذار خارج حسابات المتنبئين بالطقس. حيث تشتد الرياح على حين غرة. وتتراكم الغيوم، وتهبط درجات الحرارة، وترتفع أمواج البحر فتضرب السواحل والمدن الشاطئية. .
لم يخطر ببالي أبدا ان اصبح في تلك الليلة من المطلوبين دوليا بسبب تشابه الأسماء، فما ان لامست أقدامي ارض المطار حتى كان مصيري الاحتجاز مؤقتاً بانتظار مراجعة البيانات وتدقيقها، فالاسم المطلوب في لائحة الإنتربول مطابقا لاسمي الثلاثي. وربما كنت أنا المطلوب. . لا ادري ؟. فكان لابد من المبيت في الحجز الاحترازي حتى نهار اليوم التالي. .
وهكذا وصلت غرفة التوقيف في ساعة متأخرة. ووجدت نفسي وسط تشكيلة غير متجانسة من الشباب العرب والأوغنديين والنيجيريين والهنود والباكستانيين والأتراك والصينيين. خليط عجيب من القوميات والسحنات والعادات، يتوزعون في غرف ضيقة. تحيط بها جدران سميكة عالية. حولها أسلاك شائكة. .
اللافت للنظر انهم استقبلوني بوجوه مبتسمة، ربما اندهشوا من شيخوختي وبياض شعري، وشعروا بعجزي وحاجتي إلى الرعاية. .
صاح معظمهم بكل اللغات التي اعرفها أهلا وسهلا - مرحبا بالعم - يو آر ويلكم - خوش كالدنيز افندم. ولغات إفريقية لا اعرفها، ثم اصطحبوني إلى غرفة واسعة، واحضروا لي بطانية نظيفة ومخدة، وطبق من المرق والرز والدجاج والخبز. قالوا: لا شك انك لم تأكل. ارجو ان تشاركنا طعامنا يا شيخ. كان احدهم من هواة القتال الأعزل UFC. عرفته من الوشم الذي يلتف حول رقبته، وعرفت فيما بعد انه عراقي من السليمانية لكنه لا يجيد العربية وكان مميزا باخلاقه العالية، بينما احضر لي العملاق السوداني كوبا من الشاي الدافيء. .
فعلى الرغم من انزعاجي وحيرتي تلك الليلة شعرت براحة نفسية كبيرة بعدما غمروني بإحترامهم ورعايتهم لي. سألني احدهم وكان من تركيا : (Kaç yaşındasın amca) وتعني: كم عمرك يا عماه ؟. فقلت له: (Yetmişten fazla). اكثر من سبعين، فبدا عليهم الحزن والألم. .
كان النيجيريون يتكلمون بلغة رعدية صاخبة مدوية وكأنهم في معركة حامية الوطيس. يتبادلون الأحاديث بأصوات مرتفعة مصحوبة بقهقهات وضحكات هستيرية. .
سألت بعض المحتجزين عن عدد السجناء، فقالوا 61 لكننا اصبحنا الآن 62، انت الرقم 62. فكنت أنا المُحتَجز 62 . .
كلمة اخيرة: مؤلم جداً ان تسير بجانب الحائط مبتعدا عن المشاكل، فيسقط عليك الحائط نفسه. . هذه الحياة ليست مألوفة ولن تكون. .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي