|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعيد الوجاني
2024 / 9 / 8
( 5 )
مؤتمرات " ا و ط م " عبر التاريخ .
مقدمة :
كانت المؤتمرات الطلابية التي عقدتها في تاريخها ، منظمة " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " ، " UNEM " ، " ا و ط م " ، منذ مؤتمرها التأسيسي بمدينة الرباط في 26 دجنبر 1956 ، حتى آخر مؤتمر عقد بنفس المدينة ( الرباط ) في 22 غشت 1981 ، تشكل كلها محطات بارزة في الصراع السياسي والايديولوجي الفصائلي " الأوطمي " " ا و ط م " ، بين مكونات الحركة الطلابية ، فكانت اغلبية المؤتمرين المنتمية لفصيل او لفصائل متحالفة تكوّن القيادة ، وكانت الأقلية ( شكليا ) تكون المعارضة التي كانت في غالب الأحيان تسيطر على الساحة الطلابية . وللإشارة فان الحركة الطلابية المغربية ، إضافة الى انها كانت تتفاعل مع مختلف الاحداث والمستجدات السياسية ، التي كان يزخر بها الحقل السياسي الوطني ، بقدر ما كانت تتأثر بالأحداث العالمية والعربية ، التي كانت تأثيراتها جلية في تكوين الخريطة التنظيمية لمختلف الفصائل داخل " ا و ط م. "
ان كل هذه الاحداث الوطنية والعربية والدولية ، شكلت منعطفا في رسم خطوط سياسية ، وإعادة صياغة ايديولوجيات يسارية جد تقدمية ، رغم انها كانت متطرفة في بعض الأحيان ، وكانت انعكاساتها واضحة في المسار السياسي الذي نهجته معظم الفصائل الطلابية ، وميولها نحو النزاعات اليسارية التي بدأت تجلياتها بشكل واضح ، في المؤتمر الوطني الثالث عشرة ( المؤتمر 13 ) ، والمؤتمر الوطني الخامس عشرة ( المؤتمر 15 ) ، والمؤتمر الوطني السابع عشرة ( المؤتمر 17 ) . فكان طبيعيا ان تنعكس كل هذه المشاكل ، على واقع المنظمة الطلابية ، والمساهمة أخيرا في هذا الوضع السلبي ، الذي توجد فيه الحركة الطلابية المغربية ، بدون وجود منظمة تمثلها .
الفصل الخامس .
المؤتمر الوطني السابع عشر ( المؤتمر 17 ) :
انعقد هذا المؤتمر بتاريخ 22 غشت 1981 بالرباط ، واستمر انعقاده من 22 غشت الى 05 شتنبر ، فتحول بذلك مقر انعقاد اشغال المؤتمر ، من المدرسة المحمدية للمهندسين EMI ، الى مقر المنظمة الطلابية " ا و ط م " ، بعد ان أقفلت وزارة الداخلية في وجه المؤتمرين أبواب المدرسة المذكورة .
ان استغراق انعقاد المؤتمر ، طيلة هذه المدة ، دون ان يتمكن من ضبط اشغاله ، كانت بسبب الصراع الذي اشتد داخل المؤتمر ، بسبب مجموعة من المشاكل السياسية والتنظيمية ، وحتى الفنية ، من جهة بين " الفصيل القاعدي " الماركسي الذي يحن للعصر الذهبي لمنظمة " الى الامام " ، وفصيل " رفاق الشهداء " ، مع وجود مجموعات ماركسية تدعي انها مستقلة ، ومن جهة بين فصيل " الاتحاد الاشتراكي ( للقوات الشعبية ) انصار ألْ " ك د ش / CDT " ، الموالين للمكتب السياسي للحزب المذكور . ان اول عرقلة تعرض لها المؤتمر ، هو حينما طرحت المعارضة مسألة الغلاف المالي الذي تخصصه وزارة التعليم / وزارة الداخلية للمؤتمر ، فتم التركيز على نقطة الاكل والمبيت كنقط أساسية . هكذا زج بالمؤتمر لمدة ثلاثة أيام لمناقشة مسائل ثانوية تافهة تفاهة أصحابها ، لا علاقة لها ب " ا و ط م " ، وبمصالح الحركة الطلابية .. ولابد من الإشارة كذلك ، الى ان قيادة المنظمة المنبثقة عن المؤتمر السادس عشر ( المؤتمر 16 ) ، خاصة طرفها الرئيسي " ا ش ق ش / USFP " ،عندما فشل في تشكيل اغلبية المؤتمرين في الانتخابات التي حسمت الأغلبية في المؤتمر لصالح المعارضة الماركسية " القاعديون " و " رفاق الشهداء / رفاق المهدي وعمر " ، عمد الحزب ( الاشتراكي ) الى التناور والمناورة ، واستعمال الأساليب اللاديمقراطية والمنحطة ، لخلق وضع مرتبك ، وفرضه في المؤتمر كأمر واقع ، امام المؤتمر لتدميره ، وبطبيعة الحال كان التوجيه والاستشارات من مصلحة المستندات بوزارة الداخلية ، بالتنسيق مع مديرية مراقبة التراب الوطني DST .. هكذا وبتوجيه السلطة ، مديرية الشؤون العامة DAG ، وحتى يكسب ( الاتحاد الاشتراكي ) موقع يرجع منه القوة الأولى في المؤتمر ، يضمن له السيطرة ، طبعا تحت نفود وزارة الداخلية وعيونها التي لا تنام ، ليصبح سيد المؤتمر ، وتصبح المنظمة الطلابية بين يديه كما حصل في المؤتمر 12 ، والمؤتمر 14 .. عمد أولا الى سحب بطائق المؤتمر حسب المؤسسات ، وليس حسب اللوائح . ان هذا الاجراء اللاديمقراطي الذي وقفت وراءه وزارة الداخلية ، كان الهدف منه محاولة التضييق على لائحة " رفاق الشهداء / المهدي وعمر " ، للوقوف امام محاولة ازدواج لوائح باسم الاتحاد الاشتراكي ، حتى لا يتم تكريس انشقاق الحزب ، ومن ثم الاعتراف باللائحة المعارضة ، ومن جهة أخرى محاولة امتصاص " قوة القاعديين " ، وبالتالي إعطاء صلاحيات مطلقة لقيادة مقطوعة الرجْلين في تحديد حجم الملاحظين داخل المؤتمر ، وهو الاجراء الذي تم التصدي له في حينه ، وبكل قوة من طرف المعارضة . لقد استمرت مشاكل المؤتمر في البروز ، عندما رفض الاتحاد الاشتراكي بشكل رسمي ، وجود لائحة معارضة للحزب هي " الاتحاد الاشتراكي رفاق الشهداء / رفاق المهدي وعمر " ، في لجنة رئاسة المؤتمر ، التي تتجمع لديها صلاحيات كثيرة وكبيرة ، في تسيير اشغال المؤتمر، وتحت تبرير انه لا يوجد سوى اتحاد اشتراكي واحد ، وليس اثنان .
واذا كان يمكن تفهم موقف الحزب في ذاك الوقت ، وخاصة موقف قيادته ، خصوصا وان الحزب تعرض لحملة قمع منظمة ، وشملته اعتقالات واسعة على اثر انتفاضة 20 يونيو 1981 ، فان موقف قيادة الحزب الرافض لهذه الازدواجية في التمثيلية المكرسة للانشقاق التنظيمي ، باسم الاتحاد الاشتراكي ، كانت تفرضه اعتبارات دقيقة ، ذلك ، انّ الاعتراف بلائحة تحمل اسم الاتحاد الاشتراكي ، معناه ترسيم الصراع ، وتزكية الانشقاق . معناه ان يبتز الاخرون اعترافا سياسيا بهم كمعارضة ، وسيكون هذا سابقة خطيرة في تاريخ الصراع داخل الحزب . معناه أيضا تحويل المنظمات الجماهيرية الى منابر يتحدث من خلالها الاخرون ، في وضع لا يسمح لهم فيه داخل الحزب ، ومن خلال منابره الرئيسية ان يتكلموا .
لقد كان الوضع حرجا بالنسبة للحزب كحزب ، يعتبر لوحده لا لغيره ممثل الاتجاه الاشتراكي في المغرب . ان التعبير عن الحزب في المؤتمر بلائحتين معناه ، ظهور الحزب امام النظام البوليسي المخزني ، بالحزب الضعيف المشتت ، في الوقت الذي يتطلب وحدة جدية وصلبة .. وفي نظرنا ، فان القول بهذا التبرير الساذج ، يتم عن قصور عقلية أصحابه ، وكأن بوليس وسلطة النظام ، لا تعرف حقيقة الحزب ، وتجهل مشاكله ، وهي المتحكمة في دولاب الأحزاب السياسية ( المعارضة ) ، تسيرها كما تريد .. ان السلطة هي التي خلقت الأحزاب السياسية ، وليس العكس . والسلطة هي التي نصت على التعددية الحزبية في الدستور ، لغرض محاربة الحزب الوحيد ، وليس الأحزاب هي التي فرضت ذلك . وهذه قوة تقوت اليوم مع نظام محمد السادس ، اذ تم ذبح الأحزاب ( المعارضة ) من الوريد الى الوريد .. فما يوجد في الساحة ، القصر لا غيره ..
ان جميع الانشقاقات التي تعرضت لها الأحزاب السياسوية ، كانت بفعل توجه القيادة التي تقوم بترتيب الأوضاع السياسية ، لخدمة أغراض واهداف سياسية آنية ومستقبلية ، ولم يسبق ان كانت الانشقاقات أيديولوجية وتنظيمية . ويكفي ان نستدل بأمثلة عن الاحزاب التي انشأتها السلطة ك " جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية " FDIC ، الحركة الشعبية بامتداداتها المتنوعة ، حزب التجمع الوطني للأحرار ، الاتحاد الدستوري ، الحزب الوطني الديمقراطي ، الحزب الاشتراكي – مجموعة فندق حسان ، جبهة القوى الديمقراطية .. .. تفضل الحسن الثاني بإطلاق تسمية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وحرصه واشرافه بعقد المؤتمر الاستثنائي / يناير 1974 .. فحتى خروج بعض الجماعات كحزب الطليعة ، لم يكن أيديولوجيا وتنظيميا ، بل كان سياسيا بالتركيز على مقررات الحزب ، خاصة بالنسبة لأحداث 8 مايو 1983 ، وهو نفسه السبب السياسي عند خروج " جمعية الوفاء للديمقراطية " ، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ... ( هناك منظمات وأحزاب كان سبب حصول انشقاق في تنظيماتها ، هي اليسار الجديد الذي هو الأول من طرح الصراع الأيديولوجي ، وليس صراع المقاعد البرلمانية والمناصب الوزارية ) .
هكذا اذن ، وبشكل مفاجئ ، انسحب الاتحاد الاشتراكي من المؤتمر ، مفضلا سياسة الهروب ، عن مواجهة الحقائق المجردة والدامغة . فدخل المؤتمر بفضل هذا الانسحاب المفاجئ ، في متاهات سياسية وتنظيمية مع وجود دفع أيديولوجي ، بسبب حسابات ضيقة ، اعتبرها البعض الاخر ، فرصة سانحة لا تعوض ، لتشكيل قيادة انتهازية ، طالما حلموا بها ، وملوحين في ذلك بورقة ضمان التغطية السياسية ل ( ا و ط م ) ( منظمة العمل الديمقراطي الشعبي OADP ، وحزب التقدم والاشتراكية PPS ) . لقد كانت المنظمة الطلابية خلال المؤتمر الوطني السابع عشرة ( المؤتمر 17 ) ، على حافة الانفجار والتلاشي . ان هذه الأسباب وغيرها كثير ، وحتى مطلع التسعينات ، هي التي عصفت بالاطار النقابي ، وادخلته في دوامة زاد استفحالها ، ظهور معارضة قوية ، وفصائل جديدة غطت جميع المواقع الجامعية ، تمثلت بمنظمات وأحزاب الإسلام السياسي ، وعلى رأسه " جماعة العدل والإحسان " ، التي نجحت ، وفي ظرف وجيز ، من احتلال اغلبية مواقع اليسار العلماني الماركسي الذي انتهى به المطاف ان اصبح يعيش على الذاكرة المنخورة وثقوب الماضي .. لكن يجب الإشارة ، ان سيطرة الإسلام السياسي ، على ( ا و ط م ) لم يحل إشكالية التنظيم ، واشكالية العقيدة / الأيديولوجية ، ولا حل مشاكل الحركة الطلابية التي زادت استفحالا . فكان ظهوره في البداية بتلك القوة المفرطة ، واستعداده ممارسة العنف السياسي بمختلف اشكاله ، ووصلت الى القتل وبدم بارد لأطر اليسار الماركسي .. ان ساهم هذا الوضع في القتل النهائي لمنظمة ( ا و ط م ) UNEM ..
ان التوصية الوحيدة اليتيمة التي خرج بها المؤتمر الوطني السابع عشرة ( المؤتمر 17 ) الفاشل ، كانت تجديد الثقة في أعضاء اللجنة التنفيذية غير المنسحبين من المؤتمر ، وتحميلهم مسؤولية عقد مؤتمر وطني استثنائي ، الذي رغم جميع المحاولات التي بُذلتْ في هذا الشأن ، لم يتمكن حتى الان من الانعقاد ، بسبب سقوط فصيل الإسلام السياسي كمعارض لحلول لا ترضيه . سيما وان اليساريين الفاعلين في ( ا و ط م ) اصبحوا هرمين / شيوخ ، ومنهم من مات ، ومنهم من طلق ( ا و ط م ) منذ سنين .
والخلاصة ، انه الى جانب انسحاب لائحة ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – انصار " ك د ش " ) CDT ، وتراجع خط منظمة " الى الامام " ، وبروز يسار ماركسي باسم الماركسيين المستقلين ، وانقراض الاتحاد الاشتراكي مع ادريس لشكر ، وانقراض حزب عزيز بلال لحساب نبيل بن عبد الله ، والاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية اصبحا أسماء بدون مسمى ، وغياب جماعة " رفاق المهدي وعمر / رفقاء الشهداء " خاصة بعد 8 مايو 1983 ، وعجزه عن التجديد ، بل انخراطه في الاستحقاقات الملكية في ظل دستور هو دستور الملك ، وليس بدستور الجمعية التأسيسية .. والظهور المحتشم ل " جمعية الوفاء للديمقراطية " ، وفشل أحزاب الفدرالية في تحقيق الوحدة ، لانهم اجتمعوا على الانتخابات التي فشلوا فيها ، وخروج الحزب الاشتراكي الموحد او اليسار الموحد من جماعة الفدرالية ، بدخول نبيلة منيب الى برلمان الملك ومن دون تغطية سياسية شعبية .. وتوسع الامتداد النفودي لموجات الحركة الشوفينية البربرية ، الذي زاد في تعقيد الوضع داخل الجامعة ، لانه يعتبر نفسه ممثل البرابرة ضمن اطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، بل وظهور وحدات او فصائل صحراوية .... أصبحت إمكانية العودة الى ( ا و ط م ) ما قبل المؤتمر الوطني السادس عشرة من ضروب المستحيلات ..
اذن انفجر المؤتمر الوطني 17 بانسحاب الاتحاد الاشتراكي من المؤتمر ، وزاده انسحاب لائحة " رفاق الشهداء " بعد خلافهم مع الماركسيين اللينينيين " القاعديون " ، بسبب الموقف من الصحراء . ثم الانسحاب الغير معلن للائحة حزب التقدم والاشتراكية .. وغياب اكثر ¾ من المؤتمرين ، يعني انه بقي حاضرا اقل من مائة 100 مندوب من مجموع 416 .
اذن . كانت هذه الوضعية كافية الى تبني أطروحة التأجيل ، وعقد المؤتمر الوطني الاستثنائي الذي كانت ورائه لائحة " رفاق الشهداء " ....
( يتبع )