|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
رحيم فرحان صدام
2024 / 9 / 7
أكد ابن أبي الحديد إن معاوية مطعون في دينه عند شيوخ المعتزلة ، منسوب إلى الالحاد ، وروى عنه أبو عبد الله البصري وهو الحسين بن علي بن إبراهيم المتكلم المعتزلي (ت 367هـ / 978 م) في كتاب (نقض السفيانية) على الجاحظ ، أخبارا كثيرة تدل على ذلك ، وقد ذكر ذلك أيضاً ابن ابي الحديد في كتابه نقض السفيانية(1) – المفقود- الذي رد فيه على كتاب السفيانية للجاحظ .
وقد روى علماء الكلام من المعتزلة في كتبهم الكلامية: " ... عنه من الإلحاد والتعرض لرسول الله ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ، ولو لم يكن شيء من ذلك ، لكان في محاربته الإمام ما يكفي في فساد حاله ، لا سيما على قواعد أصحابنا ، وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها إن لم تكفرها التوبة ..."(2)ـ وكذلك قال : "و معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد قد طعن فيه صلى الله عليه وآله " . (3)
وقد روى أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور (ت 280هـ/ 988م) في كتاب أخبار الملوك :" إن معاوية سمع المؤذن يقول : " أشهد أن لا إله إلا الله فقالها ثلاثا فقال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال: لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم رب العالمين . " (4)
ونظراً لذلك طعن كثير من المعتزلة في دين معاوية و لم يقتصروا على تفسيقه و قالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك . (5)
وروى الزبير بن بكار في كتاب الأخبار الموفقيات أن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال " دخلت مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و عقله و يعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما فإن فانتظرته ساعة و ظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أكفر الناس و أخبثهم قلت وما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو أظهرت عدلا وبسطت خيرا فإن ك قد كبرت ، و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي ء تخافه، و إن ذلك مما يبقى لك ذكره و ثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل ، و فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول ، قائل أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول، قائل عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا والله إلا دفناً دفناً "(6) .
فهذه النصوص توضح لنا إن معاوية يعد ذكر رسول الله في الأذان إنما هو من صنيعه نفسه .
أما أن يكون ذلك بوحي من الله فذلك آخر ما يفكر أو يعترف به معاوية .
ومن خلال الإطلاع على النصوص السابقة يتضح إن ابن أبي الحديد نقل هذه الروايات من مصادر متنوعة يأتي في مقدمتها كتاب أخبار الملوك لابن طيفور وهو من كتبه المفقودة والتي حفظ ابن أبي الحديد بعض رواياتها.
أما المصدر الثاني فهو كتاب الإخبار الموفقيات للزبير بن بكار وقد حفظ ابن أبي الحديد كثيراً من رواياته ومنها هذه الرواية وقد سبقه المسعودي في روايتها.
إن تنوع مصادر هذه النصوص والروايات ، واختلاف اتجاهات وميول مؤلفيها ورواتها فضلاً عن اشتراك المسعودي مع ابن أبي الحديد في رواية بعضها عن كتاب الإخبار الموفقيات للزبير بن بكار يعطي الأطمئنان بصحة هذه الروايات التي أكدت تعرض معاوية لرسول الله ، وانتقاده مما جعل إعلام المعتزلة يتهمونه بالألحاد والكفر والزندقة، وروى ابن أبي الحديد عن الجعل الكاغدي-وهو الحسين بن علي بن إبراهيم أبو عبد الله البصري المتوفى سنة (367هـ / 978م) المتكلم المعتزلي - حول طعن رسول الله بأبي سفيان ومعاوية ولعنه لهم وتنبؤه بتسلط ع معاوية على الأمة على حد روايته إذ قال ابن أبي الحديد ما نصه :" وروى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم عن نصر بن عاصم الليثي(7) عن أبيه قال أتيت مسجد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ( لعن الله التابع والمتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه ) ." (8)
ولم يذكر ابن أبي الحديد الكتاب الذين نقل منه هذه الرواية مكتفياً بذكر مؤلفه ابو عبد الله البصري ، ويبدو انه كتاب نقض السفيانية لأنه نقل عنه رواية أخرى والكتاب ألف للطعن في آل أبي سفيان عامة ومعاوية خاصة (9).
يعود الفضل لابن ابي الحديد في وصول هذا الحديث الينا بصورة صحيحة ؛ لان كتاب نقض السفيانية من الكتب الضائعة ؛ ولان أقدم كتاب نقل هذه الرواية هو الطبقات الكبرى لابن سعد ولكنه اخفى نص الحديث وذكر الرواية بصورة مبتورة فقال ما نصه :" عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَغَضَبِ رَسُولِهِ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: مُعَاوِيَةُ مَرَّ قُبَيْلَ أَخَذَ بِيَدِ أَبِيهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ - يَخْرُجَانِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِيهِمَا قَوْلًا "(10) .
وكما نلاحظ فإن ابن سعد وان ذكر اسم معاوية في الرواية الا انه بترها ولم يذكر نص الحديث النبوي ، وأبدلها بقوله :" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِيهِمَا قَوْلًا " ولم يبين قول النبي في معاوية وأبيه أبي سفيان ؛ والسبب في ذلك ان ابن سعد بصري النشأة والمسكن ، عثماني الهوى ، اموي النفس، وفيه انحراف عن الامام عليه السلام فلم يرغب ان يمس معاوية وابي سفيان؛ ولذلك اخفى نص الحديث حفاظاً على كرامة معاوية بن ابي سفيان.
وكذلك روى الحديث ابن أبي عاصم في كتابه الآحاد والمثاني ولكنه حرف الحديث بحذف قصة خروج ابي سفيان ومعاوية من المسجد النبوي وحذف القسم الثاني من الحديث الذي يتضمن لعن النبي لابي سفيان ومعاوية وذكر من الحديث قوله « لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ بِهِ».(11)
وكذلك روى الطبراني الحديث فقال ما نصه : " عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَإِذَا النَّاسُ يَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضِبِ اللهِ وَغَضِبِ رَسُولِهِ قَالَ: قُلْتُ: مَاذَا قَالُوا؟ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِهِ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ وَيْلٌ لِهَذِهِ يَوْمًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ فُلَانٍ ذِي الِاسْتَاهِ»(12) .
نلاحظ ان الطبراني ذكر نص الحديث بصورة كاملة الا انه حرف اسم معاوية وابدله بكلمة فلان ؛ كما حرف اسم ابي سفيان وابنه معاوية فقال: " فَقَامَ رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِ ابْنِهِ " وسبب ذلك انه شامي النشأة والمسكن، اموي الهوى ، وقد تابع عدد من المحدثين الطبراني في روايته الحديث بصيغته المحرفة .(13)
خلاصة القول ان الحديث ورد من طريق رجاله ثقات وقد رواه الجعل الكاغدي في كتابه نقض العثمانية بصيغة صحيحة ؛ لأنه ينتمي الى مدرسة الاعتزال وبما ان الكتاب ضائع فقد حفظه لنا ابن ابي الحديد من دون تحريف لنفس السبب ، كذلك روى أبي الفتح الكراجكي: محمد بن علي بن عثمان المتوفى سنة (449 هـ / 1057 م) في كتابه ( التعجب من أغلاط العامة) الحديث بصورة صحيحة من دون تحريف فقال :" فمما روي في ذلك : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قام يخطب أخذ معاوية بيد أبيه ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " لعن الله القائد والمقود "، أي يوم يكون لهذه الأمة من معاوية ذي الأستاه ؟ " (14).
اما علماء الحديث فأغلبهم ينتمي الى المدرسة العثمانية الاموية التي تتميز بقلة الامانة في النقل وتحريف الكلم عن مواضعه ؛ ولذا اخفى بعضهم نص الحديث وذكر اسم معاوية كابن سعد ، وبعضهم الآخر ذكر نص الحديث وأبهم الاسم كالإمام الطبراني ؛ كل ذلك حفاظاً على سمعة معاوية وابيه ؛ ولذلك يجدر الحذر من روايات علماء الحديث ويجب الموازنة بين رواياتهم مع بعضهم ، وكذلك مع روايات مدرسة المعتزلة وأهل البيت عليهم السلام .
الهوامش
(1) يبدو ان الكتاب هو (تلخيص نقض السفيانية ) لابي عبد الله البصري ؛ لان ابن ابي الحديد ذكره بهذا الاسم في موضع اخر. ينظر: ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656هـ/1263م)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري ، دار الكتب العلمية، ( بيروت - 2003 م). (4/ 80).
(2) شرح نهج البلاغة، ج 5 ، ص 71 ؛ وللمزيد ينظر : ابن بكار، الزبير بن بكار بن عبد الله الاسدي (ت256هـ/869 م)، الأخبار الموفقيات ، تحقيق: د. سامي مكي العاني، مطبعة العاني، (بغداد ـ 1972).: ص375 ،576-577 ؛ المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين (ت 346هـ/953م)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، (بيروت - 2009)، ج 3 ، ص 454.
(3) شرح نهج البلاغة، ج 5 ، ص 71 ؛ وللمزيد ينظر : الزبير بن بكار : الأخبار الموفقيات: ص375 ،576-577 ؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 3 ، ص 454.
(4) شرح نهج البلاغة، ج 5 ، ص 71 ؛ وللمزيد ينظر : الزبير بن بكار : الأخبار الموفقيات: ص375 ،576-577 ؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 3 ، ص 454.
(5) شرح نهج البلاغة، ج 5 ، ص 71 ؛ وللمزيد ينظر : الزبير بن بكار : الأخبار الموفقيات: ص375 ،576-577 ؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 3 ، ص 454.
(6) شرح نهج البلاغة، ج 5 ، ص 71 ؛ وللمزيد ينظر : الزبير بن بكار : الأخبار الموفقيات: ص375 ،576-577 ؛ المسعودي: مروج الذهب، ج 3 ، ص 454.
(7) نصر بن عاصم الليثي: من أوائل واضعي علم النحو ،توفي سنة (89 هـ/ 708م). ينظر: ابن خلكان، شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد ، (ت 681هـ/ 1287هـ)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، ط4، (بيروت ـ 2005).ج 2 ص32.
(8) قال ابن أبي الحديد: " ذي الأستاه قالوا يعني الكبير العجز " ينظر : شرح نهج البلاغة، ج4، ص33 .
(9) شرح نهج البلاغة ج 10 ص33.
(10) ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري مولاهم (ت 230هـ/837م)، الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس ، دار صادر، (بيروت ـ د.ت). ج 7 ص78 .
(11) ابن أبي عاصم، أبو بكر احمد بن عمرو بن الضحاك (ت:287ه/891 م) ،الاحاد والمثاني، دار الراية، ط1، الرياض-1991م .(2/ 192).
(12) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، (ت 360هـ/966م)، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط2، مكتبة العلوم والحكم، ( الموصل -1983م ). ج17 ص176 .
(13) أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد الهاشمي بالولاء (ت 430هـ/1036م)، معرفة الصحابة ، تحقيق : عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن ، الطبعة الأولى، ( الرياض -1419 هـ/ 1998 م) ج4 ص21 ؛ قال الهيثمي: " رواه الطبراني ورجاله ثقات "؛ ينظر: الهيثمي : علي بن أبو بكر ( ت 807 هـ / 1404 م) . مجمع الزوائد مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، دار الريان للتراث ،( القاهرة -1407هـ) ، ج 5 ، ص2؛ ابن حجر العسقلاني : الإصابة ج3 ص574 .
(14) الكراجكي : أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449 هـ / 1057 م) ، التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة، تحقيق : فارس حسون كريم، ص 107.