الموت يسلبنا القدرة على الاعتذار …

قحطان الفرج الله
2024 / 9 / 1

قحطان الفرج الله/ الحوار المتمدن ( مهدى إلى روح عمتي الطيبة أم حُسين)
الموت الذي قهر كلّ الوجود، يُفقدنا القدرة على الإعتذار لمن يرحلون، نمني النفس بالزمن المباح الغزير المتدفق الذي يمضي ولا نعيره أهمية…الموت، تلك القوة القاهرة التي تحمل جبالا من الخزن ينثرها على كل المشاعر بلا شفقة.
نعيش حياتنا ونحن مطمئنون بتدفق الزمن أمامنا، نعتقد أن الأيام متاحة بلا حدود، لكنها تنسل من بين أيدينا دون أن نشعر، وكأن الزمن مجرد نهر يتدفق بلا نهاية. نجهل متى سيتوقف هذا التدفق، وعندما يفاجئنا التوقف، نجد أنفسنا أمام صدمة تتكرر ولكنها لا تفقد حدتها أبدًا، لا تذبل دهشتها الفائقة، كأننا نشهد مشهد الموت للمرة الأولى، رغم أننا عايشناه وسمعنا عنه مئات المرات.
في اللحظة التي يصلنا فيها نبأ رحيل أحدهم، يكون الأمر كما لو أن عالمًا بأكمله قد انهار. هنا، ينقطع الحوار ، وينبثق حوار جديد من نوع آخر... إنه حوار الصمت. صمت يملأ المكان، وضجيج يملأ الذاكرة، بصور وأصوات لا يمكن إسكاتها. الذكريات تطفو على سطح الذاكرة، تتسابق في الظهور، وتعيدنا إلى لحظات كانت تحمل في طياتها أملًا، حبًا، وربما بعض من الحزن الذي لم نعبر عنه.
الحزن الدفين الذي يولده الموت ليس مجرد حزن عابر. إنه شعور ثقيل، يتغلغل في أعماق النفس، ويستقر هناك كضيف غير مرغوب فيه. قد نحاول تجاهله، لكننا نجد أنفسنا محاطين به في كل لحظة صمت.
هذا الصمت ليس مجرد غياب للكلمات، بل هو حضور طاغٍ للغياب. إنه شعور بالفقد، بالفراق الذي لا عودة منه، وبالأشياء التي لم تُقل ولم تُفعل.
صمت الأموات هو صمت حزين، لكنه أيضًا صمت يحمل في طياته ثقل الأسئلة التي لن تجد إجابة. ورحيلهم، ذلك الرحيل بلا وداع، بلا حقائب ولا تذاكر سفر، هو رحلة أبدية تحمل معها كل شيء دون رجعة. إنها رحلة ليست مُوجعة للأموات بقدر ما هي للأحياء الذين يبقون خلفهم، مثقلين بعبء الكلمات التي لم تُقل، والاعتذارات التي لم تُقدم.
وفي هذا الصمت الذي يخيم ، نجد أنفسنا محاصرين بأصوات داخلية تعذبنا. نجد أنفسنا غير قادرين على النوم، لأن الضجيج الذي يسببه الصمت في رؤوسنا لا يهدأ. يصبح النوم معركة مع الذات، حيث نغرق في بحر من الذكريات والأفكار والمشاعر التي لا سبيل للخلاص منها. وكأننا نعيش في عالم الموتى، عالم الصمت، الذي يصبح فيه الموت واقعًا يصعب الهروب منه.
لعل (أوفلت) الشاعر الألماني أكثر من عبد عما أريد قوله : " الموت يجعلنا نشعر بغرائب العالم بواقعية أكثر، فينبغي أن يكون آخر شيء نستخدمه في العالم لجعل الحياة أكثر صعوبة لبعضنا البعض. لنحترم الموت كأوضح رمز لشراكتنا في الصمت، الرمز المعلق فوقنا جميعًا مثل مصير لا مفر منه."
الموت هو ذلك المصير الذي نتقبله بصعوبة، وندركه كحقيقة لا مفر منها، لكنه أيضًا يفتح لنا بابًا للتفكير في حياتنا، في علاقاتنا، وفي تأثيرنا على الآخرين. نوصي من يأتي بعدنا، إذا ما ذقنا الموت، أن لا يبحثوا عنا بين الضحايا، بل أن يبحثوا عنا في قلوب الناس... في الأماكن التي تركنا فيها أثرًا حقيقيًا. لأنه في تلك القلوب، نبقى أحياء، ولو بشكل مختلف. نحن نترك خلفنا ذكريات تعيش في تلك القلوب، وأثرًا يتجاوز حدود الزمان والمكان.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي