|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
المنصور جعفر
2024 / 8 / 31
يعرض هذا التأثيل بعض الملامح رئيسة في خطابات الطبقة العاملة مبتدئاً من طبيعة تأثر اللغة بمرسلها ومستقبلها وناقلها وبيئة وثقافة حدوثها وإن لكل فئة وطبقة أسلوب في الكلام والتعبير السياسي عن حاجاتها وقدراتها والأزمات المواشجة لها وكيفية حلها.
فئات الكادحين وهم الزراع والرعاة والعمال والحرفيين والمهنيين لها صيغ وأساليب تعبير مختلفة وقد يجتمع بعضها في كلام أو نص واحد. وبالامكان تسمية بعض هذه الصيغ حسب نسب عناصر طبيعتها الداخلية أو حسب الهدف المتوخى بها.
لتسهيل فرز وجلب الخطاب البروليتاري إلى منضدة الفحص لغرض تأثيل وتمحيص مادته بالامكان تسمية سبعة أنواع من الأساليب والصيغ التي تسم الخطاب البروليتاري بصيغتها الثقافية مثلما تتسم كل صيغة منها عند استعمالها بسمات الكلام البروليتاري.
يرتكز تحديد وتسمية كل واحدة هذه الصيغ أو الأساليب السبعة على سمة عامة ظاهرة في عبارات خطابها تتجلى للباحث عندما يجد كثرة من علامات/معالم او كلمات معينة تجمع هذا أو ذاك الخطاب العمالي مع خطابات معينة أخرى في مجتمع وثقافة لغته. وبالتقريب حسب الشبه والإشتراك الكثير في بعض الكلمات أو أشكال التصور بالإمكان تبيان هذه الخطابات السبعة وهي:
1- خطاب وحشي:
وهو خطاب حاد يفرز الامور ضدين حربيين يواشج واحد منهما ويستعمل لنصرته أقسى العبارات ضد كل المختلفين معه، وفي عنفه هذا يجمع بين سمة التحدي والتهديد والصدام والتنكيل وكيل الضربات والأذى الجسيم على الخصوم لا يأبه لتنوعهم أو لاحتمال ان يكون مخطئا وظالماً لبعضهم فهو خطاب وحش وقتال شرس.
.
2- خطاب صوفي الأسلوب:
قوام تحليله تركيز على مثاني اختلاف أو اتساق "الظاهر والباطن" و"التجلي والغموض" وعلى مثاني"الحلول" أي حلول الفرد أو الجماعة في الذات العمالية وحلولها في المجتمع، وكذا مثاني "الصبر" و"الاخلاص في السعي" صبر على النضال أو عواقبه وإخلاص في السعي لتلبيته مع "الزهد" في دنياه و"الانعتاق" من فوانيه بل استمرار غي النضال كنوع من إخلاص "الكدح" لتيسير الرؤية.
3-خطاب ديني الاسلوب:
قائم على تقسيم الامور إلى خير وشرله قائمة شرور اولى يجب المهتدي به تجنبها بل والسعي إلى تغييرها وفق ما يراه حقاً من ثم هو اسلوب يحتكر الصواب ويعلن امكانات العفو وامكانات العقاب بمنطق الخير والشر والثواب والعقاب الملازم لهما،
4-خطاب عقلاني:
لا يميل إلى عنف أو خضوع او عطف بل يميل إلى تحديد وترتيب الحاجات والأهداف والقدرات اللازمة لتحقيقها وتقدير نوع أو مستوى أو تعداد المنافع والخسائر في كل موقف وقبل أو مع الحساب يواشج الاتعاظ بتاريخ كل منفعة وكل خسارة وتبين آثارها المستقبلية القريبة واثارها في المستقبل الذي يليه،
5- خطاب علمي الأسلوب:
يتسم باتباع كثرة من الإجراءات الموضوعية لرصد وفحص ظاهرة تشغله ومعرفة طبيعتها وأهم خصائصها وإمكانات الإفادة بها أو إمكانات نجنب أضرارها، ثم افتراض وجود أو تغير عامل مواشج لها، معيشي أو اقتصادي أو مجتمعي أو ثقافي وحساب آثار وجوده وحذفه وتغيره. كل ذلك مع تدقيق واختبار وتمحيص (اجتماعي سياسي ثقافي) لكل واحد من هذه الإجراءات والتحقق منه وتثبيته كأساس لتكوين وتحسين معرفة وأعمال جديدة تخص موضوع هذا النوع من خطابات الكادحين ونضالاتهم.
6- خطاب الوعي:
يستلهم دروس التاريخ والمعرفة العلمية واتساقات فلسفة العلوم الإجتماعية في تحديد معالم تناقضات الحاضر على أساس حساب الحاجات والقدرات والتصور الموضوعي لحاجات وأمور المستقبل. وهو يمتاز بالعمق والسبر المتواصل والارتفاع المضطرد وكذلك بالانتشار والانفتاح وبموسقة في مواشجة أو مسطرة الشؤون الطبيعية والإجتماعية والثقافية الثلاثة أي الشأن المادي والشأن الثقافي والشأن الجمالي وما اليهم وخواصه في تشبيه عام شبه للضوء والهواء والماء في حياة الناس وليست فيه نقطة بداية ملزمة أو نهاية معينة تتوقف عندها أمور التغيير إلى الأحسن.
7- خطاب أسلوب التأثيل:
التأثيل تمحيص واستشراف لتغيرات التعبير في الصراع بين طبقات المجتمع يؤدي مهمة تحرير بعض النصوص العامة من زيف الحياد ومن زيف الانحياز بين حيث بشكل نسبي يجمع في تمحيصه النصوص بين أساليب العقلانية والعلمية والوعي بصيغة تحليل لغوي سياسي لماضي ومستقبل استعمال بعض الاصطلاحات أو الصيغ في نص معين مناسبات معينة وهذا الأسلوب المتعدد العناصر والسمات أصبح منذ أكثر كم قرنين ونصف يستعمل بكثافة وتلقائية في نصوص الكادحين التي تحلل وتدحض كتابات وخطب خصومهم.
لا يحتاج باحث إلى منظار خاص ليتبين ان كثير من نصوص نفي آراء الخصوم وتفنيدها تضم بيسر الأسلوب الوحشي والأسلوب الصوفي والأسلوب الديني و الأساليب ذات المظهر والمخبر العقلاني والعلمي مع أسلوب الوعي وما التأثيل إلا عمارة جديدة نسقت بناء التمحيصات الطبقية بهذه الأساليب المعروفة في عوالم المحاججة والمحاققة منذ الزمان القديم قبل وبعد إعدام سقراط وقبل وبعد تنشيط فكرة التمحيص ومدارسه بواسطة الغزالي وديكارتيه وماركس ولينين ولوكاتش ثم ألتوسير وتلميذه فوكو وتلميذه دريدا وصنوهم مهدي عامل.
الصياغة النفسية:
لا تتوقف البلاغة البروليتارية على مجرد اتسام النص بالبساطة ووضوح شرح الأزمة والمطالب بل تشمل لذلك طبيعة مراعاة النص السيكولوجية وجرسه لشفرة مقام وعقول وثقافة المتعاملين معه وظروفهم المعيشية ومدى حاجتهم إلى نوع أو أنواع معينة من الصيغ والأساليب بما في ذلك مدى السياسة أو مدى الثورة في استعمال الصيغ والاصطلاحات.
حسب الظروف الموضوعية قد يأخذ النص شكل السياسة وينحو منحى سلمياً وله وجوه شتى منها وجه إقتصادي ومعيشي وجه ثقافي ووجه اجتماعي اضافة إلى وجهه السياسي بكينونته الحزبية أو النقابية أو بوجه نقابي بكينونة حزبية خاصة أو سياسية عمومية الشكل للنص حول قضايا "الحقوق" أو "الجمهورية" أو "السيادة الوطنية" أو "الديموقراطية".
أيضاً قد يتخذ نص الكادحين منحى صدامياً ضد سلطة غاشمة أو قد يتخذ منحى قتالياً حربياً كالذي اتخذته الخطابات البروليتارية في هولاند 1555 لعشرات الأعوام حتى أصبحت جمهورية مستقلة عام 1581 والخطابات البروليتارية الثورية في باريس ضد جحافل حكم العار الفرنسي الجرماني 1871 وكذا خطابات بروليتاريا روسيا الثائرة في فترة 1918 1921 ضد جيوش التدخل الأجنبي الأربعة عشر والجيشين الأبيض والأسود، والميليشيات المساندة لهم، وخطابات البروليتاريا الثورية في إسبانيا (1936 1939) أو وخطابات نضال كادحي الصين المسلح إبان فترة 1937 1949 ضد تحكم الإقطاعيين والبرجواز والكمبرادوريين والاستعمار أو كالذي خاضت به الشعوب معاركها الضارية سواء في كوريا و فيتنام أو في كوبا وجنوب إفريقيا.
من كل هذه الصلات قد يتبين احتياج الفرز الطبقي لاستعمال موزون ومرتب لأساليب اللغة.