علاقة ابن ملجم بعمر بن الخطاب

رحيم فرحان صدام
2024 / 8 / 27

ان قصة خبر قدوم قوم من اليمن من قبيلة مراد فيهم ابن ملجم وقفوا بين يدي الخليفة عمر بن الخطاب وتشاؤمه منهم ، هي قصة ملفقة لا أساس لها من الصحة تهدف الى إضافة عبقرية الى عمر بن الخطاب وقدرته على التنبأ واستشراف المستقبل والقول انه تشاءم من قبيلة مراد وأحد الحضور قتل عثمان وهو سودان بْن حمران والأخر ابن ملجم الذي قتل علي عليه السلام .
اما القصة الاصلية هي ان الامام علي عليه السلام دعا الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين ثم بايعه ثم قال ما يحبس أشقاها ليخضبن أبو ليصبغن هذه من هذا للحيته من رأسه ثم تمثل
شد حيازيمك للموت ... فإن الموت آتيك
ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك.
وكان يقول عنه
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد(1)
اما خبر لقاء عمر بوفد قبيلة مراد المزعوم فقد أورده ابن ابي الدنيا (ت 281 هـ / 894 م) في كتابه مقتل علي فقال ما نصه :" حدثنا الحسين نا عبدا لله قال أخبرني العباس بن هشام عن أبيه قال حدثني أبو بكر بن عياش قال قدم قوم من اليمن من مراد فيهم ابن ملجم ..." (2) كما نلاحظ ان اسناده توقف عند أبو بكر بن عياش (ت 193هـ / 809 م) -وهو ناصبي – وحذف بقية السند لحاجة في نفس يعقوب ونجد في تاريخ الطبري القصة بشكل موسع والراوي هو سيف بن عمر التميمي وهو ناصبي أيضا وهو مخترع القصة وأنفرد بكل تفاصيلها والذي حرف لقاء الامام علي بابن ملجم الى لقاء عمر به وحرف اسم عبد الرحمن بن ملجم الى خالد بن ملجم . (3)
وسيف بن عمر التميمي المتوفي سنة (180 هـ / 796 م) ، هو احد المشهورين ولكننا لا نستطيع اعتماد مروياته لعدة أسباب منها : ان علماء الجرح والتعديل قد جرحوه بل اتهمه البعض بالزندقة وهذه اقوال العلماء فيه :
قال ابن حبان ( ت354هـ) : "سيف بن عمر … أُتهم بالزندقة … يروي الموضوعات عن الاثبات وكان سيف يضع الحديث" (43) .
قال الحاكم (ت405هـ) "… أُتهم بالزندقة وهو بالراوية ساقط" (5) .
وقال ابن حزم (ت456هـ)" … وليس سيف بحجة اذا خالف" (6).
وقال الذهبي (ت 748هـ) : "…سيف بن عمر…تركوه ، واتهم بالزندقة"(7).
وقال ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) : "سيف بن عمر التميمي ، صاحب كتاب الردة … ضعيف الحديث عمدة في التاريخ، افحش ابن حبان القول فيه" . (8) وقد علق الدكتور بشار عواد معروف على قول ابن حجر قائلاً : بل متروك فحديثه ضعيف جداً واذا كان ابن حبان قد افحش القول فيه ، فابن حجر لم يصفه بما يستحق فهو متروك كما قلنا ، وحتى اخباره في التاريخ ليس بشيء، فقد قال ابو حاتم الرازي : "متروك يشبه حديثه حديث الواقدي ... " (9)
كما ان الدكتور جواد علي انتقد الطبري بسبب تفضيله لمرويات سيف على مرويات الواقدي حديث يقول:" … رجح الطبري روايات سيف بن عمر الاسدي على سائر الروايات الأخرى التي وردت عن (( الردة )) ، وهذا في الحقيقة امر غريب . رجحه على الواقدي ، وامره في التاريخ معلوم ، وهو صاحب مؤلف خاص بالردة، غير ان (سيفاً) لم يكن احسن حالاً في نظر المحدثين من الواقدي ، اتهموه بالزندقة ، وقالوا : انه يضع الحديث ، وانه متروك وانه ضعيف … فلم قدم الطبري اذن سيفاً على الواقدي ؟ …" (10) .
والجواب على تساؤل العلامة جواد علي حول استغرابه لتفضيل الطبري سيف على الواقدي هو ان سيفا ذو ميول عثمانية اموية يذكر او يختلق روايات في تبرير اعمال معاوية وإيجاد الاعذار له اذ يقول ما نصه :" فأما العاذرون مُعَاوِيَة فِي ذَلِكَ، فإنهم ذكروا فِي ذَلِكَ قصة كَتَبَ إِلَيَّ بِهَا السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ عَنْ سَيْف "(11).
بل ان الطبري الذي اعتمد رواياته نجده يطعن بها بقوله : " وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي أَمْرِ الأُبُلَّةِ وَفَتْحِهَا خِلافُ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ السِّيَرِ، وَخِلافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ الصِّحَاحُ"(12).
فضلا عن ان ابن أبي حاتم اسقط روايته التاريخية وأكد انه يذكر لاطلاع فقط اذ قال ما نصه :" قعقاع بن عمرو قال شهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه سيف بن عمر عن عمرو بن تمام عن ابيه عنه وسيف متروك الحديث فبطل الحديث وانما كتبنا ذكر ذلك للمعرفة. (13).

ومن الأسباب الأخرى التي تجعلنا الا نعتمد مروياته . إن "… هناك خرافات في الفتوح ومبالغات ومدائح ومذام كثيرة لا نستسيغها اليوم ولا نصدق حدوثها … وقد صارت طريقة سيف في عرض الحوادث في أيامنا ، هدفاً مباشر لهجوم المنطق العلمي البعيد عن التعصب والغرض …" (14).
ولأنه قام باختلاق صحابة وبوضع قصص لا وجـود لها في التاريخ العربي الإسلامي. (15).

وقام بوضع واختلاق الروايات التي تمجـد بدور قبيلته تميم في أحداث الفتوحات إلى حدْ جعله يُحرف أحداثاً تاريخية مهمة لمصلحتها . (16).

هذه الأسباب التي ذكرناها أنفاً تجعلنا لا نعتمد مرويات سيف بن عمر عن قصة ابن ملجم وعلاقته بعمر بن الخطاب.

المصادر والمراجع
(1) ابن سعد : محمد بن سعد الزهري مولاهم(ت 230هـ/837 م)، الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس، دار صادر، (بيروت ـ 1968م) ، الطبقات الكبرى، ج ٣، ابن سعد، ص ٣٣ ، ص ٣٤؛ البلاذري، أحمد بن جابر بن يحيى، (ت 279هـ/885م)،انساب الاشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، ط1، دار الفكر، ( بيروت- 1996م). ج ٢، ص ٥٠٢.
(2)ابن أبي الدنيا: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الاموي مولاهم البغدادي (ت281هـ/894 م). مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، المحقق: إبراهيم صالح ، الناشر: دار البشائر – دمشق ،الطبعة: الأولى 1422هـ / 2001 م. (ص: 79).
(3) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، (ت 310هـ/922م)، تاريخ الرسل والملوك، الناشر: دار التراث – بيروت ، الطبعة: الثانية - 1387 ه. (3/ 485).
(4) ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354هـ/960م )، كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي - حلب، الطبعة: الأولى، 1396ه. ج1، ص343 .
(5) ينظر : ابن كثير ، عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م). الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ، المحقق: أحمد محمد شاكرـ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - الطبعة: الثانية. ص 89.
(6) ينظر: العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، (ت 852هـ/1459م)،الإصابة في تمييز الصحابـة، دراسة وتحقيق: الشيخ عـادل أحمـد عبد الموجود، الشيخ علي معوض، دار الكتب العلمية،(بيروت-1995). ج2، ص112.
(7) الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت748هـ/1347م)، ديوان الضعفاء والمتروكين ، تحقيق لجنة من العلماء ، تقديم الشيخ خليل الميس ، مطبعة دار القلم ، (بيروت - 1987) . جـ1 ، ص371.
(8) ابن حجر العسقلاني ، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية (بيروت - 1415 /1995 م). ج ١، ص ٤٠٨.
(9) بشار عواد معروف ، تحرير تقريب التهذيب لأبن حجر ، المؤسسة الرسالة ، ط1، ( بيروت –1997).ج2، ص100.
(10) جواد علي : موارد تاريخ الطبري ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، مطبعة الفيض ، (بغداد - 1950) العدد الأول ، م 3، ج1، ص48 .
(11) الطبري، تاريخ الرسل والملوك(4/ 283) .
(12) الطبري، تاريخ الرسل والملوك(3/ 350) .
(13) ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي الرازي (ت327هـ/938م)،الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، الطبعة: الأولى، (بيروت -1271هـ/ 1952 م ). (7/ 136).
(14) حسين حسن ، اعلام تميم ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط1، ( بيروت -1980) ص 310 .
(15) ينظر: مرتضى العسكري : خمسون ومائة صحابي مختلق ، الطبعة الثانية ، دار التضامن ، ( بغداد- 1389هـ/1969م) ، ص9 ـ 13 ؛ وعبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ، الطبعة الثالثة ، دار الكتب بيروت 1388هـ/1968م ، ص 241 ـ 243 .
(16) ينظر: كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي ، تعريب عبد الحليم النجار واخرون ، دار المعارف ،( القاهرة - 1395هـ/1975م ) جـ3 ، ص36 ؛ فرانر روزنثال: علم التأريخ عند المسلمين ، تعريب الدكتور صالح أحمد علي ، مكتبة المثنى ، بغداد 1383هـ/1963م ، ص262.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي