|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
رحيم فرحان صدام
2024 / 8 / 24
الإيمان الديني لا يحتاج إلى كتاب طبي كي يثبت في قلب الانسان ووجدانه وعقله ، ولكن حزب زغلول النجار من سماسرة الإعجاز العلمي لا يعترفون إلا بأن الإسلام يحتاج إلى مذكرات كلية الطب والعلوم لكى نعتنقه ، وبأن المسلمين يحتاجون إلى دروس خصوصية في تركيب الذرة وقانون مندل للوراثة لكي يتفهموا القرآن!، والغريب أن تجار الإعجاز العلمي بعدما فرغوا من تحويل القرآن إلى نظريات فيزيائية ومعادلات كيميائية تحولوا إلى كتب السنة النبوية لكي يمارسوا دجلهم فيها ، وقد تم هذا التحول والاستخراج بمنتهى التعسف والافتعال وكأنهم لم يكتفوا بتشويه تفسير القرآن بل إمتد تخريبهم للسنة النبوية.
تم تدشين نظرية الإعجاز العلمي في كتب الحديث بواسطة د. زغلول النجار فقد كان أول وأبرز صوت يعلن عن هذا الاكتشاف المذهل ، ثم تبعه د. علاء الدين المدرس بجرأة صادمة حين بدأ بحديث الذبابة الشهير محاولاً منحه صبغة علمية فقد تحدث عن حديث الذبابة وجعل منه كشفاً علمياً وفتحاً بيولوجياً على الغرب الجاهل أن يحلله ويفتح معامله لاستقباله والاحتفاء به ، والحديث يقول "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفى الأخرى شفاء "، حيث يعلق الأستاذ علاء الدين :" وقد حاول البعض جهلاً أو عمداً التشكيك في هذا الحديث، رغم أنه من الأحاديث الصحيحة المشهورة المعتمدة في كتب الحديث.
والحديث فضلا عن أشارته إلى دور الذباب في العدوى وأنه ناقل للجراثيم من النوع الممتاز وهي حقيقة علمية وطبية أضحت معروفة لدينا اليوم، فإنه يشير إلى حقيقة علمية ثانية لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن الذباب يحمل مضادات للجراثيم، وهي ما تسمى طبياً الآن المضادات الحيوية المعروفة والتي انتشرت خلال النصف الثاني من هذا القرن. في أشارة الحديث إلى الجراثيم وإلى مضاداتها الحيوية هي من المعجزات النبوية العلمية والطبية، التي ينبغي أن نقف أمامها بكل تواضع أعجاباً وإجلالاً لهذا الدين ونبيه الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، وإنما يستمد علمه من الوحي الصادق ومن الغيب الذي أكرمه الله تعالى به.
أما الآلية التي يذكرها الحديث في غمس الذباب في السائل ثم طرحه، والتي استشكلها البعض جهلاً وعناداً أمام الاستسلام لهذا النبي العظيم وتوجيهاته الرشيدة، فهو ما سنحاول أن نفصله لينجو من ينجو ويهلك من هلك عن بينة، وتطمئن النفس والفطرة إلى عظمة الإسلام وحكمته في كل تشريعاته وإرشاداته.
وهكذا يكشف العلماء النقاب عن تفسير هذا الحديث الشريف الذي أكد على حقيقتين علميتين لم تعرف إلا في العصر الحديث بعد التقدم العلمي والاكتشافات الحديثة لعالم الميكروبات والمضادات الحيوية الموجودة في جسم الذبابة وآلية القضاء عليها، فأكد العلم الحديث التوجيه النبوي بضرورة غمس الذبابة في السائل والطعام ليخرج من بطنها الدواء الذي يكافح ما تحمله من داء إذا ما أراد الإنسان تناول ذلك الغذاء أو الدواء ".
وبالطبع لا يصمد هذا الكلام أمام أي تحليل علمي والسؤال ومادام الدكتور علاء الدين بهذه العبقرية لماذا لم ينشئ لنا مصنعاً إسلامياً لاستخراج المضادات الحيوية من أجنحة الذباب ويكفينا غلاء المضادات الحيوية؟، والمدهش أن هذه البديهية كنا قد تصورنا أنها حسمت في العشرينات حين تبنى المفسر الإسلامي محمد رشيد رضا في مجلته المنار ذات التوجه الإسلامي فكرة أن هذا الحديث غريب ويجب ألا نتمسك به حين قال في المجلد 29 الجزء الأول " حديث الذباب المذكور غريب عن الرأي والتشريع ، فمن قواعد الشرع العامة أن كل ضار قطعاً فهو محرم قطعاً ،وكل ضار ظناً فهو مكروه كراهة تحريمية أو تنزيهية على الأقل" ، وكان بعض الشيوخ قد كفروا د. محمد توفيق صدقي حين هاجم هذا الحديث في العشرينات في نفس المجلة وقد دافع عنه رشيد رضا قائلاً " ذلك المسلم الغيور لم يطعن في صحة هذا الحديث إلا لعلمه بأن تصحيحه من المطاعن التي تنفر الناس من الإسلام ، وتكون سبباً لردة بعض ضعفاء الإيمان ، وقليلي العلم الذين لا يجدون مخرجاً من مثل هذا المطعن إلا بأن فيه علة في المتن تمنع صحته ، وما كلف الله مسلماً أن يقرأ صحيح البخاري ويؤمن بكل ما فيه وإن لم يصح عنده " .
الجملة الأخير ة التي قالها رشيد رضا جملة شجاعة ترسخ لنا مبدأ هاماً من الممكن أن يصدم البعض وهو أننا لسنا مطالبين بأن نتبع كل ما كتبه البخاري لمجرد صحة السند فمن المهم جداً أن نناقش المتن إذا كان مخالفاً للعقل حتى ولو أجازه البخاري ، والأمثلة كثيرة ومتعددة ولكن علماء الحديث المعاصرين كسالى عن التنقيب والبحث ومرعوبون من فكرة تنقيح أحاديث البخاري ، برغم أنه قد رفض من قبلهم أئمة ورجال دين مستنيرون بعض أحاديث البخاري لتعارضها مع العقل ولأنها كانت تتحدث عن معلومات وبيئة هذا الماضي البعيد .
ينظر: علاء الدين المدرس : أقباس من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، دار الرقيم للنشر والتوزيع/ بغداد ، الطبعة الأولى ،1422هـ / 2001م.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |