![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2024 / 8 / 21
تأكد أن الشعوب عندما تعيش ظروفًا مادية متشابهة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية وفي علاقات الانتاج، تنتج أفكارًا تجمعها المشابه مع اختلافات بسيطة في الصياغات. الدليل، على سبيل المثال لا الحصر، وجود أسطورة الطوفان في الكثير من الحضارات القديمة. فبالإضافة إلى الأصل، أي الطوفان السومري، هناك طوفان اغريقي، وآخر هندي، وثالث فارسي، ورابع صيني. ينسحب هذا على الإنسان في كل زمان ومكان، وينهض دليلًا على صحة المبدأ الماركسي الشهير:"الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي الاجتماعي". دليل آخر ينهض دليلًا فاقعًا في السياق ذاته، نَسْتَلّه من حضارة أجدادنا الكنعانيين. في العام 1929، عُثر في سوريا على لوحين من الطين مدونٌ عليهما خطُّ باللغة الأوغاريتية، ويعودان إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقد أُتيح لكل من يوهانس دي مور، الأستاذ الفخري في جامعة اللاهوت البروتستانتية في أمستردام، والدكتورة مارغو كوريل، دراسة اللوحين كلٌّ على انفراد وترجمتهما. ووضعا حصيلة ما بذلا من جهود في كتاب موسوم ب:"آدم، حواء، الشيطان...بداية جديدة"، وسيتضح بعد قليل سبب اختيار هذا العنوان. أكد الباحثان، أن المدون في اللوحين يتضمن أسطورة خلق آدم وحواء الكنعانية الأوغاريتية. وفق الأسطورة، عاش (إيل) كبير آلهة الكنعانيين وزوجته (عشيرا) في حقل كروم كبير في سفح جبل أرارات. وتتوسط الحقل شجرة الحياة، ولربما كانت كرمة كبيرة. كرمة، يعني شجرة عنب بلغات القدماء. يتجرأ إله الشمس حورون على الدخول في فردوس (إيل) الكرمي، ويحاول إزاحته وتحويل شجرة الحياة إلى شجرة للموت بعد أن يتسلقها متخذًا هيئة ثعبان. يدرك (إيل) الخُطة، ويلقي القبض على حورون ويرميه من أعلى الجبل إلى الأرض. وهناك يتحول حورون إلى شيطان شرير، يعيث فسادًا في الأرض. لكن (إيل) يتابع أفاعيل حورون الشيطانية في الأرض، فيرسل الإله (آدم) بمهمة واضحة: وضع حد لحورون. يهبط آدم من الفردوس الأعلى، جنة (إيل)، إلى الأرض ليتخلص من الشيطان حورون، لكن هذا الأخير يتحول إلى ثعبان ضخم يهاجم آدم فيلدغه ويسممه. هنا، تتدخل إلهة الشمس الكنعانية (شناش)، المتخصصة بلغة أيامنا هذه، في علاج الملدوغين من سموم الأفاعي، وترفع عنهم غشاوة التسمم. تصنع الإلهة (شناش) إمرأة من طين طيب اسمها (حواء)، أي السيدة التي تحيي، وترسلها إلى آدم الملدوغ المسموم، والذي فقد إمكانية الخلود في الفردوس الأعلى مثل الآلهة. تبذل حواء كل ما بوسعها ليستعيد آدم الحياة، ولو لزمن محدود، ليتصل بها جنسيًّا فتحمل منه وتلد لتحافظ على نسل آدم. وبهذا الفعل، انضمت حواء إلى آدم في فقدان الخلود الإلهي، وحصلا مقابله على التعويض بالخلود عبر التكاثر.
أخيرًا وليس آخرًا، ما أروع أبا العلاء المعري في قولته التاريخية: أيها الغِر إن خُصصت بعقل فاتَّبعه، فكل عقل نبي.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |