|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
طلعت خيري
2024 / 8 / 19
علم التنجيم عبر العصور
يعود أصل كلمة (التنجيم) إلى اللغة اللاتينية القديمة، وقد اشتقت من كلمة (أسترولوجيا) والمشتقة من الاسم اليوناني، وهو من قسمين الأول (أسترون - وهو النجم)، والثاني (لوكوس)، ويعني المعرفة أو العلم بالشيء، وعليه يصبح معنى الكلمة (صاحب المعرفة والعالم بالنجوم أو المهتم بها). وقد تحول المصطلح ليعني (قدسية النجوم)، ويضم مجموعة الاعتقادات والمفاهيم التي تؤمن بوجود العلاقة مابين الظواهر الفلكية وما يدور من أحداث في عالم بني البشر، كما تعزى مصائرهم وكافة فعالياتهم فيما سبق من الأيام، وما سيقبل منها إلى مواقع الأجرام السماوية المختلفة وأسلوب تحركها في كبد السماء. هذا في مقابل (أسترونوميا) الذي انتقل إلى الإنجليزية بشكل (أسترو نومي) من ذات الجذر اليوناني (أسترون - وهو النجم)، و(نومي – نوموس) ويعني (القانون – لو) وهو أحد العلوم الطبيعية ويعني (العلم المتخصص بدراسة عموم الأجرام السماوية) كالنجوم والكواكب والمذنبات والتجمعات النجومية (ستار كلصترز) والمجرات (جالاكسيز)، وتجمعات الغبار الكوني (نبيولا)، من نواحي تطورها وخصائصها الكيميائية والفيزيائية وأجوائها ومكوناتها وكيفية حركتها، بالإضافة إلى دراسة تكوين وتطوّر الكون، كما يهتم بكل الظواهر التي تحدث خارج نطاق جو الأرض، كالأشعة الكونية. وقد وُضع مصطلح (الفيزياء الفلكية – أستروفزكس) كالمرادف الحديث له اليوم.
تضرب الجذور البعيدة (للتنجيم) في عمق التاريخ ولعلها قديمة قدمه، فهي تعود إلى بدايته وبداية وجود الإنسان وإدراكه بأن ما تحت قدميه هي (أرض) يقف عليها وما تعلوه هي (سماء) بنجومها. خلبت (السماء) وما بها الإنسان لأنها أول ما دغدغ غريزة الخوف فيه، فأيقن أمام ضربات البرق بسناه الأخاذ وبرعده المجلجل بضآلته تجاهها. وهكذا بدأ بتسجيل تغيراتها المختلفة ومواسمها المتباينة من مطر وجدب وقيض وقرّ. تطور فكره وتصوره بعدها وحاول فهم وتسجيل تغيراتها الفصلية وحاول عزو ذلك إلى ما تحتويه مكنوناتها، وكان ذلك بداية فهم الدورات الفلكية من مواسم وفصول. هذا وقد لاحظ علماء الآثار والمنقبون عنها، وجود ما يدل على ذلك في هيئة النقوش والرموز والعلامات التي اكتشفت على قطع العظام وجدران الكهوف. ومن أمثلتها تلك التي تؤرخ لتتابع منازل القمر والتي تعود إلى ما لا يقل عن (25.000) سنة خلت. وقد مثلن بوادر فهم وتسجيل تأثير (القمر) على تتابع أمواج المد والجزر في الأنهار، ومن ثم العمل على وضع التقويم السنوي لمنازل للقمر وهو المقابل القديم (للسنة الهجرية) المعمول بها اليوم. ولا عجب في ذلك إذا علمنا أن مواسم الأمطار والجفاف ومواعيدها التقريبية تعتمد في دوراتها على السنة القمرية دون الشمسية، وبذلك كانت الأولى أقدر على تلبية متطلبات المجتمعات والمجاميع المعتمدة في ديمومة حياتها على الزراعة والرعي. أكد ذلك الواقع تغير مواقع التجمعات النجومية وفق التزامن آنف الذكر، الأمر الذي عمق الاعتقاد بوجود الصلة الوثيقة ما بين ظهور مجموعة ما من النجوم وما بين توقع حدوث الفيضانات أو التغيرات الموسمية.
تمكنت التجمعات البشرية بحلول القرن الثالث قبل الميلاد من إنشاء مجتمعات حضرية انتشرت وازدهرت في أودية الأنهار المعروفة في هذه المنطقة وما جاورها (كأودية نهري دجلة والفرات في العراق، ونهر النيل في مصر، ونهري السند والكنج في شبه الجزيرة الهندية وحوض النهر الأصفر في الصين)، وتمكنت من تطوير معارفها بتجمعات السماء النجومية وتسميتها وضبط نظام حركتها، كما اعتقدوا بتأثيرها وأهميتها في استمرار حياتهم ونمو مزروعاتهم وازدهار حقولهم وتكاثر مواشيهم، الأمر الذي استوجب -عن وعي مسبق وقصد بين- إنشاء معابدهم وأماكن عباداتهم بطريقة تضمن التناغم والتوازن (حسب اعتقادهم) مع تحركاتها.
التنجيم البابلي
هناك العديد من المعلومات التاريخية المؤكدة التي تشير إلى أن أقدم الرُقم الطينية والمخطوطات التاريخية اللاحقة، إنما هي عبارة عن (نسخ) من أصول ونصوص تعود إلى مصدرين من فترة القرن الثالث قبل الميلاد، الأول هو الرقيم الطيني المسمى بـ(رقيم الزُهرة – فينوس تابلت) من منطقة (أميسادوقا)، وهي من مشتملات الحضارة البابلية القديمة حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، والتي ثبت عليها تاريخ كتابتها في عهد الملك (سرجون الأكدي) والذي كان قد حكم لفترة طويلة من ( 2334 – 2279) قبل الميلاد. والثاني الحاوي على بوادر (التخصص والانتقاء) في التعامل مع المعلومات الفلكية، والذي وجد ضمن حدود وممتلكات الملك السومري ( كودا من مدينة لكش) والذي حكم ضمن الفترة التقريبية ما بين سنة (2144 - 2124) قبل الميلاد. دوّن في الرقيم الثاني حادثة ظهور (الآلهة) لذلك الملك في المنام وحادثة إرشاده إلى أفضل الأوقات وخير الأماكن لتشييد صرح العبادة أو الهيكل الذي كان من المزمع إقامته آنذاك.
يعود تاريخ أقدم الدلائل التاريخية المكتوبة والمؤكدة وغير القابلة للشك على استخدام (التنجيم) ككيان متكامل ومتماسك من العلوم والمعارف، وبغض النظر عن كافة الاختلافات حول صدق أو مجرد نسبة هذا الاكتشاف أو ذاك لهذه المملكة أو تلك، إلى نشاط وكتابات الأسر الحاكمة في منطقة ما بين النهرين (ميزوبوتيميا) في حدود القرن العشرين إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد؛ (1950 – 1651)، ولاسيما حقيقة التسميات السومرية للعديد من النجوم والتجمعات النجومية بأسماء لآلهة يمكن تتبع جذورها إلى العصر البرونزي القديم والتي كان لها الأثر البين، الديني والمدني على حياة تلك الحضارة. أما مواقعها فقد اعتمدت على تقسيم القبة السماوية إلى (360) جزءاً، وبذلك كانوا السباقين في استعمال النظام (الستيني) في العد والحساب.
انحصرت ممارسة (التنجيم) والعمل به برجال الدين والكهان منذ فجر التاريخ، وهناك الكثير من الدلائل التي حاولت ربط وإحاطة تلك الطبقة من المتنفذين بشيء من القداسة والمعرفة الإلهية، وغالباً ما كانوا يسيطرون على المواقع المقرّبة من الملوك والحكام، وكان لهم الأقداح المعلاة ضمن الحملات الحربية بين الجيوش والقادة. ويكاد لا يخفى على أحد مرور (التنجيم) خلال تاريخ تطوره بالعديد من المراحل والحقب، والتي لم يتنازل في أي منها عن مواقع احترامه وممارسته من قبل (نخب) الشعوب والحضارات وقرب ممارسيه من قمم أهرام السلطة، فلطالما اعتبر التنجيم من حقوق وواجبات (النخبة)، وكثر ما انغمس في السياسة وتدرج في سلالم القيادة، كما مر كذلك وانغمس في العديد من العلوم والمعارف الماضية كعلم الفلك (أسترونومي) وعلوم الكيمياء (الكامي)، والتنبؤات الجوية (متيولوجي)، والطب (مدسن). ولقد شهدت فترة نهاية القرن السابع عشر فترة انحطاط وبداية أفول (نجم) التنجيم بظهور بوادر تخلي المجتمع العلمي (آنذاك) عن مبدأ (مركزية الشمس للكون – هليوسنترزم) والذي أطاح به عالم الرياضيات والفلكي والقس الكاثوليكي البولندي الأصل (كوبرنيكوس) مبشراً بالثورة (الدينية والعلمية) التي حملت اسمه، الأمر الذي دعمه النموذج الفلكي لـ(كبلر) في القرن التالي وأثبته علمياً (غاليليو) بتلسكوبه الشهير. استعاد (التنجيم) شيئاً من بريقه خلال القرنين التاسع عشر والعشرين بانتعاش النزعة (الروحانية) وبميلاد (أسس الفلسفة الحديثة)، وعلينا ألا ننسى –بالطبع– تأثير وسائل الإعلام ولاسيما مختلف أنواع الصحف اليومية والأسبوعية حول العالم، والتي تكاد لا تخلو الواحدة منها من عمود متخصص (للأبراج) و(الطوالع) و(تحديد الشخصيات) و(التنبؤ بالمستقبل).
لا يمكن اعتبار (التنجيم) علماً بالمعنى الحرفي وإنما هو (شبه علم)، لم تكتمل أسسه وقواعده العلمية لأسباب عدة منها: عدم جدية محاولاته في إيجاد الحلول المقنعة للأسئلة التي يطرحها، ولا مبالاته في مجابهة النظريات والآراء المناوئة والمنافسة له، وانحيازه البين في اختيار الأساليب والسبل التي يدّعيها أو تلك التي يناهضها.
وعلى اختلاف المبادئ والتفاصيل التي اعتمد عليها التنجيم في مختلف الحضارات وعبر مختلف العصور وعلى تنوع المفردات والتفاصيل التي نادى وينادي بها وتشعبها، يكاد يكون القاسم المشترك لمجمل هذا النشاط أن يتمحور حول مبدأ مركزي واحد لا ثاني له هو (الإيمان بتكامل كافة المخلوقات –ولاسيما الإنسان– مع الكون المحيط بها)، فالأرض وما عليها من بشر وما يحيط بها من أجواء، إنما هي كائن واحد تتكامل وتتداخل الأجزاء المختلفة المكونة له ببعضها. وعليه فإن ما لاحظه القدماء من أحداث وتغيرات ودورات في السماء لابد وأن يكون لها ما يماثلها من أحداث على الأرض وتغيرات لدى البشر (بأسلوب انعكاسي تماثلي، لا بأسلوب سببي منهجي). وتعتبر صياغة ما سبق بجملة واحدة هي: (كما في الأعالي، هو في الدُنا، وكما في الدُنا هو في الأعالي) خير ما يعبر عن هذا المبدأ، والذي يعكس ضرورة التناغم مابين الإنسان (كعالم مصغر) وما يحيط به من تجمعات فلكية ونجمية (كعالم مكبر). وعليه فلا غرابة من أن يضع (روبرت فلد) الإنسان وسط الكون الذي يؤثر فيه مع التركيز على أماكن وجود الشمس والقمر ومواقع بقية الأجرام السماوية ساعة الميلاد، والتي اعتقد بتولد علاقة شخصية فريدة بينه وبينها في لحظة الوضع.
يمثل مبدأ (التكامل) الأساس النظري وذروة سنام الـ(تنجيم)، أما أدواته وقلبه الحي النابض فتتمثل بقابلية علم الرياضيات والحساب على تجسيد العلاقات والكميات و(النغمات) بهيئة مقادير من (الطاقة الميتافيزيقية) يعكسها تباين وتتالي الأرقام واختلاف وتبادل قيم الزوايا وتغير الأشكال وتباين الأصوات، كل ذلك بتناسب مدروس وبنظام محسوس، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها افتراض (فيثاغورس) قابلية دوران الشمس والقمر وبقية الكواكب المستمر على إصدار نوع ما من (الهمهمة) الصوتية، غير المسموعة من قبل الأذن البشرية والتي تؤثر بطريقة أو بأخرى على نوعية الحياة على الأرض. تبعه (أفلاطون) بوصف علم الفلك واعتباره نوعاً من (الموسيقى البصرية) التي تراها العين فيما يقابل (الموسيقى النغمية) التي تسمعها وتعيها الأذن. وأكد رأيه باعتماد الاثنتين على النسب والأرقام الحسابية الدقيقة. أكد رأيه واستحسنه العالم العربي المسلم (أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي) أبو الفلسفة الإسلامية، المولود في الكوفة والمتعلم في بغداد في رسالاته.
أضاف (فرانسس بيكون) في أواسط القرن السابع عشر ما أسماه بـ(القانون الأخير) ومؤداه: أن لا خطر ولا خوف من طوالع النجوم ولا حتمية لتسلطها، فلهن إمكانية التأثير وليس الجزم في أحداثه. وبذلك أعطى احتمالية التأثير على (النفس والذات) وليس على الأعمال والتصرفات، الأمر الذي وجد طريقه إلى العلم الحديث عن طريق كتابات (كارل جنك) الذي أوجد ما يعرف اليوم بعلم النفس التنجيمي (بسيكولوجك أسترولوجي).
كان في تكامل الكون والاعتماد على الحساب والأسس الميتافيزيقية العوامل المشتركة التي مثلت قاعدة التنجيم المشتركة بين مختلف الشعوب وسائر الحضارات، ولكن ذلك لم يلغ تخصص كل منها واختلاف بعضها عن البعض الآخر في الكثير من التفاصيل والتشعبات، فلكل منها دلو يدليه في هذا المجال وقدم سبق يسوقه في هذا المضمار.
وليس هناك أدل من تأثير التنجيم في حياة مصر الفرعونية القديمة من الاصطفاف الدقيق (للأهرامات) باتجاه (النجم القطبي – بولار ستار) والذي يعرف أيضاً باسم (الفا دراكونس) في مجموعة (دراكو – دراكو) الممكن رؤيته في سماء نصف الكرة الشمالي، والذي كان يحمل في تلك الأزمان اسماً استمر استعماله في اللغة العربية بنفس المعنى وهو (الثعبان – ثوبان)، وقد كان الدليل لبناء معبد (آمون رع).
هذا كما يحتوي (التلمود) وهو الكتاب المفسر (للتوراة) اليهودية على العديد من الإشارات النذُرية والمستقبلية بالاستناد إلى مواقع مختلف النجوم وتجمعاتها، إلا أنه لم يمثل إضافة ذات شخصية محددة بالنظر لتراكم كتابته ضمن فترة مطولة من التاريخ امتدت لما يقارب القرون الأربعة واعتباره امتداداً لأفكار الكتاب اليهود في كل من بابل وأورشليم والتي امتازت بطابعها التسلطي الخرافي.
ولا بد لنا في هذه العجالة أن نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، كلاً من التنجيم الصيني والتنجيم الهندي واللذان لهما اختلافاتهما البينة وشخصياتهما المتميزة عن (التنجيم الغربي)، ناهيك عما ذكرناه حول (التنجيم البابلي) والفرعوني (الهيليني)، وما سنلخصه عن (التنجيم الإسلامي) وما ذكرناه عن (التنجيم العبري).. وغيرها.
يعتمد (التنجيم الغربي) بالأساس على الدائرة الفلكية (الأوروسكوب)، والتي تفترض (القدسية) في لحظة مهمة معينة في حياة الفرد –كأن تكون لحظة ميلاده– والتي تعتمد في توقعاتها على مواقع الكواكب والنجوم المختلفة كالشمس والقمر زحل والزهرة وغيرها، وأسلوب اصطفافها ومقادير الزوايا النسبية الفاصلة بينها، وذلك بتقسيم أماكنها وتموضعها ضمن مواقعها في كبد السماء ضمن قطاعات تسمى بـ(الأبراج)، وقد تفنن مقدمو البرامج التلفزيونية وأصحاب الأعمدة الإخبارية في إضافة التشويق والمتعة إلى ما يقدمونه لمختلف شرائح المتلقين اعتماداً على القابلية الشخصية وليس استناداً على الأدلة العلمية.
التنجيم الهندي
فيعتمد على نقاط شروع مختلفة عن (المفهوم الغربي) لأبراجه الاثني عشر، مع الاحتفاظ بذات العلامات وبذات الأسماء التي تطلق عليها ويماثله بالكثير من المبادئ الموروثة، إلا أنه يختلف عنه باعتماده على (زوايا الميل الحقيقية – سايدريل) لمجموعة الأبراج، بمعنى اعتماد العمل على الأبراج المميلة بعد مطابقتها مع مواقع الأجرام الحقيقية كما تبدو في مواقعها في السماء. وللإبقاء والمحافظة على هذا التطابق لابد (للتنجيم الهندي) من عمل بعض التعديلات الطفيفة المناسبة للحيلولة دون اختلاف التطابق بين الواقع والافتراض بنتيجة ميل (محور دوران الأرض) إلى تغيير موقعه بمرور الزمن. ولا يميل (التنجيم الغربي) إلى حساب مثل تلك التغيرات ولا يهتم لتعديلها، ويستعيض عنها باعتماده على لوحة الأبراج (الاستوائية)، بمعنى اعتماده على مواقع النجوم حين رصدها من على خط الاستواء الجغرافي. وبذلك يأخذ بعين الاعتبار تكوين الفصول الأربعة نتيجة حركة الأرض حول محورها (الثابت) ولكن بزوايا ميل مختلفة نسبة للشمس. يتباين النظامان من حيث نقطة الشروع بحوالي (23 ْ)، ويتماثلان من حين بداية سنتهما بفصل الربيع. كما أن هناك اختلافات تفصيلية أخرى لا مجال لذكرها الآن.
للتنجيم الهندي في تلك الحضارة بالغ الأثر في الحياة العامة ولاسيما في أمور اختيار الأزواج والوظائف وحتى في الانتخابات. احتدم النقاش هناك ما بين السياسيين والعلماء في عام (2001) حول أحقية استخدام المال العام في دعم (أبحاث التنجيم) من عدمه، الأمر الذي انتهى إلى إدخال مناهجه إلى جامعاتها. هذا وقد سبق أن أكدت المحكمة العليا الهندية موقفها المساند إلى جانب (التنجيم) برفضها لقضية حاولت تحدي موقعه كـ(علم). ويعتمد (التنجيم) في (سيريلانكا) على المبادئ الهندية مع بعض التحوير الذي تمليه التعاليم (البوذية)، كما يعتمد في (التبت) عليها، مع بعض التأثيرات البينة التي أملتها الحضارة (الصينية) باعتمادها (دورة إطلاق أسماء الحيوانات) وعلاماتها عليه كما هو الحال هناك.
التنجيم الصيني
للتنجيم الصيني أوثق العلاقات مع فلسفته المبنية على تناغم (عناصر الكون الثلاثة) وهي السماء والأرض والماء، كما تستخدم مبادئ (الين) و(اليانك) التي لا نجدها في الحضارة (الأوروبية). لقد امتزجت وتكاملت وازدهرت كافة عناصر (التنجيم الصيني) في فترة حكم سلالة (زهو) في الفترة المحصورة ما بين (1046 – 256) سنة قبل الميلاد، كما ازدهرت خلال فترة حكم سلالة (هين) ما بين القرنين الثاني قبل الميلاد والثاني بعده، حيث تم خلال الثانية مزج وتلاقح كافة عناصر (الحضارة الصينية) وفلسفتها المتمثلة في مفاهيم (الين واليانك) و(نظرية النشوء من العناصر الخمسة) وثنائية (الأرض والسماء)، بالإضافة إلى التعاليم والأخلاقيات (الكونفوشيوسية)، والتي مزجت معاً لتكوين المبادئ الفلسفية والعملية لكافة نشاطات الصينيين العلاجية والروحية والماورائية، إضافة إلى مفاهيمهم في التنجيم والكيمياء.
اعتمد (التنجيم الصيني) واستخدم في اتخاذ القرارات الخاصة ومراقبة الظواهر الفلكية الغريبة واختيار المواعيد والمناسبات والأعياد، وحتى في اتخاذ القرارات السياسية. لا علاقة للتنجيم الصيني بذاك المستخدم في غرب آسيا أو في أوروبا، فقد قام الصينيون بتقسيم السماء المرئية إلى ثلاثة أقسام وثمانية وعشرين فصلاً. تحتل الأقسام الثلاثة الأولى أقرب المواقع (للنجم القطبي) وتحتوي على المجاميع النجومية التي يمكن رصدها طوال العام من قبل سكان نصف الكرة الأرضية الشمالي، على حين تتطابق (المواسم) الثمانية والعشرين الباقية مع السنة (القمرية) المعمول بها في (التنجيم الغربي والهندي) وتعتمد على تحركات القمر خلال السنة القمرية ولا تعتمد على حركة الشمس خلال السنة الشمسية. هذا كما يحتفظ الصينيون بنصوص وكتب فلكية قديمة هامة تسمى بـ(سو بي سونك جنك) يعود تاريخها إلى أسرة (زهو) وقد تم إكمالها خلال فترة حكم سلالة (هان)، والتي تميزت بتركيبتها المعقدة المكونة من التقاويم الشمسية والقمرية والتي تعتمد على التفريق البين مابين (الفلك الحسابي – ماثماتكال أسترونومي) وما بين (الفلك التنبوئي أو النذُري – بورتنت أسترونومي).
وهناك التقويم الصيني ودائرة الأبراج الصينية الشهيرة ذات الاثني عشر برجاً والمسماة بأسماء اثني عشر حيواناً والتي تمثل اثنتي عشرة شخصية مختلفة، والتي لا تعتمد على اختلاف زاوية ميل (محور الأرض) في دورانها حول الشمس، كما في (التنجيم الغربي) وإنما تمثل مفاهيم وأفكاراً تتغير سنوياً وليس شهرياً بالاعتماد على الدورات السنوية والأشهر القمرية والتقسيم الاثني عشري لليوم (وهو التقسيم البابلي القديم بمقابل تقسيم اليوم الآن إلى 24 قسماً أو ساعة). هذا وتبدأ السنة الصينية برمز (الفأر) ثم (الثور) فـ(النمر والأرنب والتنين والأفعى والحصان والعنزة والقرد والديك ثم الكلب فالخنزير).
المسلمون والتنجيم
درس العلماء المسلمون (التنجيم) بعد استلامهم لمشعل المعرفة وصولجان القيادة في عالم العصور الوسطى بعد انهيار (الإسكندرية الرومانية) وبزوغ شمس (بغداد) العباسية خلال القرن السابع الميلادي ولاسيما خلال فترة حكم (أبو جعفر المنصور العباسي) و(المأمون بن هارون الرشيد)، الذي أسس (بيت الحكمة) كأكبر صرح للترجمة إلى العربية، وحتى وقتنا الحاضر. لقد كانت ممارسات العلماء العرب المسلمين للتنجيم ممارسات فكرية نقدية أكثر من كونها إيمانية عملية. لقد برز في تلك الفترة علماء أعلام كـ(صالح بن بشر) و(الخوارزمي) والذين مالوا في الحقيقة إلى ممارسة (علم الفلك) كما نعرفه في وقتنا الحاضر أكثر مما مارسوه من (تنجيم) حسب المفهوم القديم، بيان ذلك دراستهم للنجوم ومواقعها وإطلاق الكثير من الأسماء العربية التي لا تزال تحتفظ بمكانتها وصدارتها في الأطالس الفلكية الغربية حتى يومنا هذا.
إن أسماء نجوم كـ(الديبران أو الثور) و(الطير – أو النسر) والـ(بتيليكوز – منقب الجوزاء) والـ(رجل - أو رجل الجبار – أو رجل الجوزاء اليسرى) والـ(الفيكا – النسر الواقع)، لا تزال معتمدة علمياً في النصوص والخرائط
الفلكية الحديثة.
ما أشبه اليوم بالبارحة
يصدق استمرار قبول واستخدام (التنجيم) كما كان سابقاً، وبدون الكثير من الإثباتات العلمية حتى على القرن العشرين الماضي والقرن الحادي والعشرين الحالي، فلقد قام المحلل النفسي الشهير (كارل جنك) بتطوير العديد من الأسس والأساليب والنظريات المعقدة حول الموضوع من أمثال (اللاوعي الجماعي) والـ(التناغم النفسي). وهناك الكثيرين ممن أدلو بدلوهم في هذا المضمار من أمثال (الفريد وت) و(راينهولد أيبرتن) واللذان ابتكرا مفهوم (النقاط الوسطية).
ولا يسعنا هنا إلا أن نبدي دهشتنا للتأثير الكبير الذي تحمله مجموعة من المفاهيم التي لا إسناد علمي لها في حياة واعتقاد وتصرف الكثير من الناس حتى اليوم.
يعتقد (31 %) من الأمريكان بصحة وبمصداقية (أطروحات التنجيم) على اختلافها، ويؤمن (39 %) منهم بأصولها العلمية. هذا ويؤمن (25 %) من الإنجليز والأمريكان بصحة التأثيرات السلبية والايجابية لاصطفاف النجوم على حياة وتصرفات البشر والتأثير على قراراتهم.
امتد التأثير الغريب للتنجيم فاخترق اللغات فأصل تسمية الـ(إنفلونزا – وهو مرض الرشح المعروف) يعود إلى الجذر اللاتينني (أنفلونشيا) والذي يعني التأثير. وقد أسماه أطباء القرون الوسطى بهذا الاسم لاعتقادهم بالتأثير السلبي للتجمعات النجومية في إحداث موجات الإصابة به. وكلمة (ديزاستر) الإنجليزية كانت قد اشتقت من الكلمة اليونانية (ديزاستريا) من مقطعين الأول (دس) بمعنى النفي، أو السلبية، والثاني (أستر) بمعنى النجم.. فتكون المعنى حدوث كارثة لعدم توافق مواقع النجوم لصالح الإنسان في منطقة حدوثها!!.. وهناك الكثير من الكلمات غيرهما، فكلمة (لونتك) وتعنى الجنون وربط علاقته بالقمر غنية عن التوضيح.
هذا وقد وقع (186) عالماً مرموقاً وفلكياً متميزاً في عام (1975) وثيقة إقرار بالاعتماد على قانون (نيوتن) في الجاذبية، فيما يلي نصها:
(لا يسعنا إلا تأكيد مدى التأثير المتناهي في الصغر إلى حد العدم للشمس والكواكب التي تحيط بها، ناهيك عن تأثير النجوم والكواكب الأبعد منها عنا. إن من الخطأ البديهي والزيغ العلمي البين أن نظن أو نعتقد أو نتصور بوجود أي تأثير سلبي أو إيجابي لها على حياة أي من أفراد بني بشر على وجه الأرض لحظة ولادته، ناهيك عن احتمال تأثيرها على قدره ومستقبله وحياته وما يتخذه فيها من قرارات).
لقد وجدت الإرهاصات (التنجيمية) من يدحضها حتى في خلال فترة القرون الوسطى، حيث انبرى الكثير من علماء الفلك المسلمين، من أمثال (الفارابي)، والفيزيائيين مثل (الحسن البصري)، والأطباء والفلاسفة من أمثال (ابن سينا) والذين اثبتوا تناقض المفاهيم (التنجيمية) مع صلب العقيدة الإسلامية التي تجعل مجال علم الغيب والاطلاع عليه مخصوصاً بالذات الإلهية حصراً. وبالأخص فيما يتعلق (بالتنبؤات) المستقبلية (الغيبية).
أما فيما يخص التوقعات الطبيعية، كتصور حالة المرض بعد ظهور أعراضه، وتوقع تغير الأحوال الجوية، فقد اعتبرها العلماء المسلمون جزءاً من العلوم (الطبيعية) الخاضعة للدراسة والتقييم والقياس وقاموا بإخراجها من تحت قبة الـ(تنجيم). وخير مثال على ذلك أطروحة (ابن سينا) المسماة (رسالة في إبطال أحكام النجوم)، والتي تدحض أسس (التنجيم) وتثبت أحقية الإنسان في دراسة وقياس والتعرف على النجوم والكواكب كـ(آيات) من آيات المولى القدير عز وجل لخلقه، ودعا إلى دراستها للتعرف على قدرة خالقها والتفكر في حكمته من وراء ذلك.
ومع كل ما تقدم لا نزال نلاحظ الكثيرين من الأهل والأصدقاء يسارعون إلى صفحة (الأوروسكوب) والأبراج حال شرائهم لمجلة جديدة أو لصحيفة اليوم، أو نراهم يراقبون برامجها على شاشة التلفاز باهتمام وشغف لا يخلو من امتعاض (بين) أو سعادة (بالغة) لدى تطابق أو تنافر ما يرومونه مع ما يقرؤونه أو يشاهدونه، كما أن هناك اليوم العديد من البلدان كأمريكا وبريطانيا والهند لا تزال تدرس مادة (التنجيم) في كثير من جامعاتها وكلياتها. ولله في خلقه شؤون.
الديانة الكوكبية
دخل التنزيل في حوار عقائدي مع أقدم الاعتقادات الكونية الظنية ، التي يعود تاريخها الى ما قبل الميلاد، تحديدا الى فترة الحضارات القديمة ، التي تؤمن بإلوهية الشمس والنجوم والكواكب ، والتي يطلق عليها حديثا علم الآسترولوجيا أو علم التنجيم ، موضوعنا في هذا المقال ، حول الديانة الكوكبية التي تؤمن بإلوهية كواكب المجموعة الشمسية ، مقسمة إياها الى آلهة متعددة ، كل اله يختص في نشاط بشري معين، مثلا عطارد إله التجارة والسرعة ، والزهرة إلهة الحب والجمال ، والمريخ اله الحرب والمشتري اله السماء ، وزحل اله الزراعة ، يمكننا رؤية المجموعة الشمسية فلكيا بشكل واضح من جهة الشرق قبل شروق الشمس بساعة واحد ، فالاعتقاد بالكواكب يعتمد على اصطفاف المجموعة ، الذي يبدأ من اقرب كوكب الى الأرض الى أبعدها مصطفة على خط مستقيم باتجاه الشرق ، يقسم اصطفاف الكواكب الى أربع اصطفافات ، الاصطفاف الأول وفيه تصطف ثلاثة كواكب أو اقل وذلك يحدث مرتين في كل عام ، الاصطفاف الثاني وفيه تصطف أربعة كواكب وذلك يحدث مرة واحدة في كل عام ، الاصطفاف الثالث وفيه تصطف خمسة كواكب وذلك يحدث مرة واحدة في كل ثمانية عشر عاما ، أما الاصطفاف الرابع يسمى بالاصطفاف النادر ، فيه تصطف جميع الكواكب ومن ضمنها القمر وذلك يحدث كل مائة وسبعون عاما ، فالاعتقاد بالكواكب يعتمد بالدرجة الأولى على الاصطفاف الأول والثاني ، لأن ظاهرتهما الفلكية تحدث في كل عام مرة أو مرتين ، وعليهما يعقد المنجمون تكهناتهم التي تتعلق بأنشطة الإنسان الزراعية والتجارية والمعيشية
وَالصَّافَّاتِ صَفّاً{1}
لا يظهر اصطفاف المجموعة الشمسية بشكل واضح ، إلا قبل شروق الشمس بساعة واحدة تقريبا ، فهذا الوقت القريب من الشروق يخفي كافة النجوم من جهة الشرق، تطلق عليه الديانة الكوكبية اسم الزجر، بمعنى ان آلهة الكواكب زجرت النجوم ، بمعنى نهرتها أو أرغمتها على الاختفاء ليظهر اصطفافها بشكل واضح ، فالزاجرات زجرا
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً{2}
قسمت الديانة الكوكبية كواكب المجموعة الشمسية الى آلهة ، مخصصة لكل اله نشاط معين،مثلا عطارد إله التجارة والسرعة ، والزهرة إلهة الحب والجمال ، والمريخ اله الحرب والمشتري اله السماء ، وزحل اله الزراعة ، فعندما يصطف عطارد وزحل أو المشتري والمريخ في ظاهرة فلكية استرونوميا ، يتلوا الناس على بعضهم البعض أبعاد ذلك الاصطفاف ، ومدى تأثيره على حياتهم وأنشطتهم المختلفة حسب ما هو معتقد ، فالتاليات ذكرا
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً{3}
أعطت استرولوجيا الكواكب ربوبية سماوية بعد إخضاعها لإدارة اله الشمس، صحح التنزيل اعتقاديه تعدد الإلهة ، قائلا ان إلهكم اله واحد ،كما استحوذت الربوبية الكوكبية على مسخرات السماوات والأرض ، معطية لها تدخلا في حياة الإنسان ونشاطه المعيشي والتجاري والزراعي ، وتحت فوبيا سخط الإلهة ، اخضع شياطين الديانة مسخرات الله للمصالح السياسية والاقتصادية ، ولكي يبعد الله مسخراته عن استحواذ ربوبية الكواكب ، قال رب السماوات والأرض وما بينهما ، وما بينهما حركة السحب ونزول المطر والبرق والرعد ، وظاهرتي الليل والنهار، ورب المشارق ، المشارق هو الأفق الفضائي ما بين السماء والأرض ، الذي من خلاله يتم الرصد الفلكي للمشارق المختلفة ، كشروق الشمس من جهة الشرق ، والقمر من جهتي الشرق والغرب ، والمجموعة الشمسية من جهة الشرق ، ومجموعة نجم الثريا من جهة الشرق ، مجموعة نجم الدب الأكبر والدب الأصغر من جهة الشمال الغربي ، ونجم سهيل من جهة الجنوب ، ونجم الشعرى اليماني من جهة الشمال
إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ{4} رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ{5}
ما يؤكد على قولنا ان الصافات صفا هي كواكب المجموعة الشمسية ، قول الله انأ زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ، إذن الكواكب مجرد زينة كونية خالية من أي تدخل في حياة الإنسان ، فمثلما للأرض زينة كذلك للسماء زينة
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ{6}
تعتمد استرولوجيا الكواكب على الميتافيزيقا علم ما وراء الطبيعة ، ومنها ينطلق مردة الشياطين لتسطير الخرافات والأساطير والهرطقة والميثولوجيا ، بفلسفة ظنية اعتقاديه لا تمت الى الحقيقة بشيء ، كلنا يعلم ان الكون نظام طوعي سخره الله لأداء وظائف ظاهرية ومناخية لها دور كبير في ديمومة الحياة على الأرض ، ولكي يبعد الله العقائد الكونية الكوسمولوجيا بكل مسمياتها القديمة والحديثة عن الكون ، قال وحفظا ، حفظا جاءت من التحفظ ، بمعنى متحفظة لوظائفها الفلكية الطوعية ، فلا احد يتحكم بمداراتها ولا باصطفافها الفصلي ولا السنوي، فما يعقده الشيطان المارد من تنجيم كوكبي،على الأنشطة المختلفة ، كالزراعية والتجارية والحروب والزواج لا حقيقة له ، وحفظا من كل شيطان مارد ، الشيطان ليس من علم الجن ، ولا من عالم أخر، إنما هو إنسان مارد متعود ومتمرس على بديهية الرد بالأكاذيب الفلكية ، في حالة ان جاء تنجيمه متناقض مع الواقع
وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ{7}
من الأساطير الميتافيزيقية التي يلقيها مردة الشياطين على معتنقي الديانة الكوكبية ، ادعائهم ان اله الشمس يعقد اجتماعات دورية وسنوية مع آلهة الكواكب ، للتباحث في شؤون الناس ، فيأمر الكواكب بالاصطفاف الفلكي الآسترونوميا ، إما اصطفاف سنوي وإما اصطفاف فصلي ، فتطلق استرولوجيا الكواكب على تجمع آلهة السماء اسم الملأ الأعلى ، ولكي يُفعل مردة الشياطين الميتافيزيقا واقعيا ، ادعوا بأنهم يسمعون الى الملأ الأعلى ، وتعني التنصت على الملأ الأعلى إما بواسطة الجن أو بطريقة أخرى مبررة ، فيصل إليهم كل ما يتفق عليه لملأ الأعلى في اجتماعاتهم ، وبموجبه يتم إخبار الناس فيما يتعلق بأمنهم ونشاطهم التجاري والاقتصادي والزراعي، نفى الله الاستماع بكل أشكاله ، قائلا لا يسمعون الى الملأ الأعلى ، ويقذفون والقذف ليس للحجارة إنما للتنجيم ، فيقذف الله أكاذيب وأساطير وخرافات الاستماع الى الملأ الأعلى ، بالحقيقة المادية الواقعية المغايرة للتنجيم ، ويقذفون من كل جانب ، من كافة جوانب الحياة المختلفة ، دحورا مدحورين أمام أكاذيبهم وأساطيرهم وخرافتهم ، ولهم عذاب واصب ، واصب دائم
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ{8} دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ{9}
يحاول شياطين استرولوجيا الكواكب صناعة حدث واقعي للتنجيم ، لأبعاد سياسية ، بمساعدة شياطين ماردين من خلال تأليف الراويات والقصص التي يلقيها أصحاب ذلك الحدث على الناس كأدلة واقعية على حقيقة ما يعتقدون ، وفي بعض الأحيان يأتي التنجيم مطابق للواقع ، إلا من خطف الخطفة ، خطف الخطفة ، أي أصاب كبد الحقيقة ، بما ان التنجيم لا ينحصر في توقع واحد ، إنما في كم هائل من التوقعات ، فان أصاب التنجيم في واحدة ، أتبعة شهاب ثاقب ، أي حدث جديد قلب التوقعات الأخرى ، ليفسد علية الحقيقة الأولى
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ{10}
طرح التنزيل على القاعدة الجماهيرية المكية الكوكبية ، الأفكار المصححة للاعتقادات الكونية الكوسمولوجيا، منها إبطال ربوبية الآلهة السماوية ، وتحفظ الكواكب على أداء وظائفها الكونية ، وزيف الاستماع الى الملأ الأعلى، وقلب التنجيم بالحقيقة المغايرة للواقع ، أمر الله محمد باستفتاء المجتمع المكي، للمقارنة العقائدية ما بين آلهة الملأ الأعلى، التي ليس لها شراكة مع الله لا في السماوات ولا في الأرض ، وما بين خلق الإنسان ، قائلا فاستفتهم أهم اشد خلقا ، أي آلهة الكواكب ، أم من خلقنا ، أنا خلقناهم من طين لازب ، لازب لزج متماسك
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ{11}
المصدر
- المجلة العربية
- علم التنجيم عبر العصور