|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عبدالله عطوي الطوالبة
2024 / 8 / 15
ليت شعري، يعني ليت عِلمي. وأشعره بالأمر، أعلمه به. على هذا الأساس، رأى باحثون عرب منهم المفكر المستشار محمد سعيد العشماوي رحمه الله، أن الشِّعر في لغة العرب يعني العِلم. وقيل قديمًا، الشعر ديوان العرب. التفسير العلمي لكل ما ذُكر، وفق رؤية كاتب هذا السطور ورؤيته، يبدأ من التذكير بأن الحضارات والثقافات الإنسانية امتلكت عبر العصور نظرة عامة شاملة، حول الإنسان والحياة والكون اتخذ الإنسان أساليب عدة للتعبير عنها. أما القاعدة الرئيسة الناظمة لهذا الفعل الإنساني، في كل زمان ومكان، فقد كانت وسوف تظل أساليب انتاج الثروة والأدوات المستخدمة فيها، بالإضافة إلى العلوم السائدة في هذا العصر أو ذاك. وعليه، عندما نقول الشعر ديوان العرب، فهذا يعني تأسيسًا على ما تقدم، أنه سجل حضارتهم وثقافتهم. فالشعر العربي قبيل الاسلام، على سبيل المثال لا الحصر، بات وثائق تاريخية سجلت ما كانت تمور به الثقافة العربية آنذاك من رؤى وأفكار، وبالذات في مجال المعتقدات والرؤى الدينية. من شعر ورقة بن نوفل نقرأ:
بدينك ربًّا ليس ربًّا كمثلِهِ...وتركك جنات الجبال كما هي.
وادراكك الدين الذي طلبته...ولم تكُ عن توحيد ربك ساهيا.
تأكيد حضور التوحيد في الفكر العربي، قبيل الاسلام واضح هنا بجلاء.
ويقول الحصين بن الحمام:
أعوذ بربي من المخزيا...ت يوم ترى النفس أعمالها.
وخفت الموازين بالكافر...ين وزلزلت الأرض زلزالها.
لا بد أن القارئ لحظ في هذين البيتين أن القوم توفروا على معايير للشائن من الأمور(المخزيات)، كما أن ورود تعبير "الكافرين" واضح المعنى والدليل وليس يحتاج إلى تبيين أو بيان.
وفي شعر أمية بن أبي الصلت، تشغل التعابير والألفاظ الدينية مكانة تكفي الباحث مؤونة الإضاءة عليها. ومنه نقبس:
إله العالمين وكل أرضٍ...ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتنى سبعًا شدادًا...بلا عمدٍ يرين ولا رجال
وسواها وزينها بنورٍ...من الشمس المضيئة والهلال
في السياق ذاته، يقول زيد بن عمرو بن نفيل، ابن عم عمر بن الخطاب:
أسلمتُ وجهي لمن أسلمت...له الأرض تحمل صخرًا ثقالا
دحاها فلما رآها استوت...على الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت...له المِزَن تحمل عذبًا زلالًا
اللافت للنظر، كما تؤكد مصادرنا، أن هؤلاء الشعراء أدركوا الدعوة الإسلامية، لكنهم لم يُسلموا. فأمية بن أبي الصلت، قابله النبي عليه السلام، وقرأ عليه أوائل سورة يس، لكنه لم يُسلم. حينها قال النبي:"أسلم شعر أمية، لكن قلبه لم يُسلم". مع العلم أن أمية هو القائل عدا ما ذكرنا:
ألا نبي منا فيخبرنا...ما بعد غايتنا في رأس محيانا.
أما زيد بن عمرو بن نفيل، فأول من ذكر لفظ الإسلام في الشعر العربي، كما بيَّنَّا أعلاه، وأدرك الدعوة المحمدية، لكنه لم يُسلم(العشماوي: الخلافة الاسلامية، ص53).
الشعر ديوان العرب بالفعل، وسجل تاريخهم، وبشكل خاص في الجانب الثقافي وأنماط التفكير.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |