حوار مع احمد الكاتب حول موقف الامام الصادق من ابي بكر وعمر

رحيم فرحان صدام
2024 / 8 / 12

نشر الأستاذ احمد الكاتب مقطع فديو بعنوان (الامام الصادق يأمر شيعته بتولي ابي بكر وعمر ، والبراءة من اعدائهما !) قال فيه ان الامام الصادق اتخذ موقفا إيجابيا من الشيخين ابي بكر وعمر فكان الامام الصادق يتولى ابا بكر وعمر علنا ويطالب الشيعة بتوليهما كما يقول سالم بن ابي حفصة أنه سأل أبا جعفر وأبنه جعفرا أي الباقر والصادق سألهما عن ابي بكر وعمر
مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ: عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَه جَعْفَراً عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: يَا سَالِمُ! تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.
ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا (1) .
ان الأستاذ احمد الكاتب يمتلك عقلية نقدية جيدة في نقد التراث الشيعي ، لكنه يفقد تلك الملكة العقلية النقدية امام التراث السني فيقبله بكل سذاجة ومن دون نقد او تحليل او بحث في الاسانيد وميول واتجاهات المؤلفين وكأنه سلفي يقبل بكل التراث السني ؛ ولذلك يصدق رواياتهم من دون تمحيص لا سيما المنحرفين منهم عن اهل البيت عليهم السلام فتغيب ملكة النقد لديه تماما الى حد السذاجة في قبول روايات خصوم اهل البيت عليهم السلام . من قبل علماء الحديث انفسهم ، وعلماء والجرح والتعديل .
ان الأستاذ الكاتب ينقل الرواية عن الذهبي في كتابه سير اعلام النبلاء(2) ، ونقول هل هناك انسان عاقل يعتمد رواية الذهبي عن الامام الصادق ويحتج على الشيعة بروايته، والذهبي هو شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني المتوفى سنة (748هـ/1357م)، وهو ناصبي معادي لأهل البيت عامة ، والامام علي خاصة يقول الحافظ الغماري في كتابه (فتح الملك العلي): "ولكن الذهبي إذا رأى حديثًا في فضل علي عليه السلام بادر إلى إنكاره بحق وبباطل، حتى كان لا يدري ما يخرج من رأسه سامحه الله".(3)
وقال أيضا: "وأما الذهبي فلا ينبغي أن يُقبل قولُه في الأحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام فإنه سامحه الله كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدّةٌ أتلفت شعوره ، وغضبٌ أذهب وجدانه ، حتى لا يدري ما يقول ، وربما سب ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع ، ولكنه لا يفعل ذلك في من يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من الذهبي...". (4)
اكتفى الذهبي بذكر سند الرواية في كتابه سير اعلام النبلاء من دون ان يذكر المصدر الذي نقل عنه، ولكنه ذكر مصدرها في كتابه تاريخ الإسلام وهو الدار قطني . (5)
ونص الرواية هو: " حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: نَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: نَا ابْنُ فُضَيْلٍ، قَالَ: نَا سَالِمُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: قَالَ لِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَا سَالِمُ أَيَسِبُّ الرَّجُلُ جَدَّهُ؟ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَدِّي لَا نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلَّاهُمَا وَأَبْرَأُ مِنْ عَدِوِّهِمَا"(6)
وقد علق الذهبي على الرواية بقوله: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَسَالِمٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ شِيعِيَّانِ".( 7 )
لدينا عدة ملاحظات على الرواية :
1. ان الذهبي منحرف عن اهل البيت غير ثقة في أقواله واحكامه ونقله عنهم، وقوله :" هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَسَالِمٌ وَابْنُ فُضَيْلٍ شِيعِيَّانِ " يدل على كذبه ؛ لان سَالِمُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ –الراوي الوحيد للرواية– ذكره الذهبي نفسه في كتابه (المغني في الضعفاء) وقال عنه :" ضَعفه الفلاس " ( 8 ) فكيف يكون اسناد الرواية صحيحا ، يبدو ان الذهبي لا يخجل من الكذب لا سيما انه ذكر عن خلف بن حوشب قوله عن سالم :" وكان من رؤوس من يتنقص أبا بكر وعمر".( 9 )
فضلا عما تقدم فقد طعن فيه ابن حبان بقوله :"يقلب الْأَخْبَار ويهم فِي الرِّوَايَات"( 10 )
وذكره النسائي(11) والعقيلي(12) وابن الجوزي(13) في كتب الضعفاء والمتروكين .
خلاصة ما تقدم ان الراوي الوحيد لهذه الرواية عن الامام الصادق هو سالم بن ابي حفصة وهو مطعون به متروك الرواية .
ولذلك طعن الشهيد نور الله التستري في رواية الدار قطني بما نصه: " وثاقة سالم هذا غير مسلمة بل هو معتل أجوف غير سالم عن القدح ، لأنه كان زيديا بتريا سمي هو وأصحابه بذلك من قول زيد رضي الله عنه لهم " بتركم الله " على ما فصل في كتب رجال أصحابنا الإمامية أيدهم الله تعالى وقد لعنه مولانا الصادق عليه السلام وكذبه وكفره وقس على هذا سائر الأخبار المنقولة عنه لعنه الله ".(14) واذا كان علماء الشيعة يردون الرواية فكيف يحتج بها عليهم الأستاذ احمد الكاتب !!!
2. ان الرواية تنفيها رواية البخاري( 15 ) ومسلم( 16 ) عن السيدة عائشة ان فاطمة ماتت وهي غاضبة على ابي بكر ، والذهبي يؤمن بصحة كل ما جاء في الصحيحين فماله يحرف الكلم عن مواضعه.
3. ان القول المنسوب الى الامام الصادق يتناقض مع قول السيدة عائشة عن فاطمة الزهراء : " فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلًا، وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ"(17) فكيف يمتدح الامام الصادق ابي بكر وعمر ويخالف جده الامام علي وفاطمة الزهراء ؟!! وهذا كله تزوير للحقائق التاريخية التي تنفي الرواية.
4. وهذه الرواية تتنافى مع رواية الصحيحين التي تؤكد معارضة الامام علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام بيعة ابي بكر خليفة وان الامام رفض ان يبايع ابي بكر لمدة ستة اشهر . (18)
5. القول المنسوب زورا وبهتانا الى الامام الصادق يتناقض مع قول عمر نفسه للعباس عم النبي وللإمام علي :" وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَرَأَيْتُمَانِي كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا".(19)
6. ان مصدر الرواية هو الدار قطني وهو من اعلام القرن الرابع الهجري فهو متأخر نسبيا بينه وبين الامام ثلاثة قرون وهو ينتمي الى المدرسة المخالفة لأهل البيت عامة ، وتميزت كتب هذه المدرسة عامة بانها كتبت في ظل الخلفاء الامويين والعباسيين او بطلب منهم لتشريع خلافتهم او للرد على مخالفيهم لا سيما المعارضين لخلافتهم من اهل البيت عليهم السلام؛ لذلك تميزت هذه الكتب بالتجاهل التام لأهل البيت ولا تكاد تذكرهم الا من باب الافتراء عليهم بأنهم نفوا امامة علي بن ابي طالب واهل بيته وانهم ليسوا علماء، والادعاء بأنهم مدحوا ابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ، وكأنهم يقولون من فمك ادينك ، وبعد ذلك ينتهي الامر فلا يكادون يذكرونهم الا قليلا .
7. اما القول المنسوب الى الامام الصادق : " يَا سَالِمُ أَيَسِبُّ الرَّجُلُ جَدَّهُ؟ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَدِّي" فجوابه نعم يجوز والدليل ان أبناء ابي لهب (عتبة وعتيبة) ألم يكونوا يقرأون سورة اللهب التي تشتم اباهم وامهم.

ونقول للأستاذ الكاتب ما يهمنا سوى الحقيقة التاريخية والبحث العلمي الموثق ، والبحث في خلفية الرواة والمؤلفين ، وقد لاحظنا انك تقبل رواية خصوم اهل البيت والنواصب من المؤلفين ، لماذا لأنها تخدم غرضك في محاولة اثبات محبة اهل البيت لابي بكر وعمر ، وتقبلها من دون البحث في سند الرواية او مصدرها ، المهم ان الرواية تخدم غرضك حتى لو كانت مكذوبة !!! .
الخلاصة ان الرواية مطعون بسندها ، مكذوبة على الامام جعفر الصادق عليه السلام من قبل خصوم اهل البيت عليهم السلام.
الهوامش

(1)الامام الصادق يأمر شيعته بتولي ابي بكر وعمر ، والبراءة من اعدائهما !
https://youtu.be/9iB3nlOLqjw?si=_D9Hl5fTeWPJLSFz
(2) الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز (ت 748 ه/ 1348 م)، سير أعلام النبلاء، أشرف على تحقيق وخرّج أحاديثه: شعيب الأرناؤوط، ، دار الرسالة ، ط9، (بيروت ـ 1993). (6/ 258).
(3) الحافظ الغماري ، أحمد بن محمد الحسني المغربي (ت1960)، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي،، تحقيق وتعليق وتصحيح الأسانيد : محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي ( ع ) العامة – أصفهان ، الطبعة الثالثة ، سنة الطبع١٤٠٣ ه، ص 50.
(4) الحافظ الغماري ، فتح الملك العلي، ص160 .
(5) الذهبي، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام ،المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م .(3/ 831).
( 6) الدار قطني : علي بن عمر بن أحمد أبو الحسن الشافعي ( ت 385 ه‍/ 995م)، فضائل الصحابة ، اعتنى به: محمد بن خليفة الرباح، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المملكة العربية السعودية ، الطبعة: الأولى، 1419 ه/ 1998 م. (ص: 57) .
( 7 ) تاريخ الإسلام (3/ 831).
(8) الذهبي ، المغني في الضعفاء، المحقق: الدكتور نور الدين عتر. (1/ 250).
( 9 ) ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي ، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت ، الطبعة: الأولى، 1382 هـ/ 1963 م .(2/ 110)؛ وينظر: العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد المكي ( ت 322 ه/ 934 م)، الضعفاء الكبير المحقق: الدكتور مازن السرساوي الناشر: دار ابن عباس – مصر، الطبعة: الثانية، 2008 م (2/ 571).
(10) ابن حبان ، محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354هـ/960م)،المجروحين ،
المحقق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي – حلب، الطبعة: الأولى، 1396ه. (1/ 343).

(11) النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، (ت 303هـ/909م)، لضعفاء والمتروكون، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، الناشر دار الوعي، حلب- 1396هـ(ص: 46).
(12) العقيلي، الضعفاء الكبير.(2/ 568).
(13) ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي ، (ت597هـ/1204م) الضعفاء والمتروكون ، تحقيق : عبد الله القاضي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406ه . (1/ 307).
(14) الشهيد نور الله التستري: نور الله بن شريف الدِّين عبد الله بن ضياء الدين نور الله بن محمد شاه العلوي (ت 1019 ه/ 1610 م) ، الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، عني بتصحيحه السيد جلال الدين المحدث . ص ٢٤٥.
(15) ينظر : البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم ، (ت 256هـ/862 م)، صحيح البخاري، دار الفكر، (بيروت - 1981). (4/ 96)
(16) ينظر: مسلم ، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، (ت 261هـ/875 م)، صحيح مسلم ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت. (3/ 1380).
(17) ينظر: مسلم ، صحيح مسلم . (3/ 1380) ؛ ابن شبة ، عمر بن شبة بن ريطة النميري مولاهم البصري ( ت 262ه/ 875 م)، أخبار المدينة المنورة ، تحقيق علي محمد دندل، دار الكتب العلمية، (1/ 197) ؛ ابن حبان : صحيح ابن حبان، تحقيق: شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة، ط2، (د. م - د. ت). (11/ 153).
(18) وللمزيد ينظر : البخاري ، صحيح البخاري (4/ 96) ؛ مسلم : صحيح مسلم (3/ 1380).
(19) صحيح مسلم (3/ 1378).

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي