مأساة رجل سخيف 1981(برناردو برتولوتشي): في عالم الخواء لايمكن ان تكون الاخلاقيات مفهومة

بلال سمير الصدّر
2024 / 8 / 3

الفيلم هو من كتابة مخرجنا برناردو برتولوتشي،ولكن الحكاية قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة أيضا،وعندما يحصل أوغوتو تاغنازي على جائزة افضل ممثل من مهرجان كان،فهذا لايعني بالنسبة لنا سوى تأكيد المنحى الشخصي التام للقصة.
اليوم هو عيد ميلاد بريمر(اوغو توغنازي) وهو المالك لمصنع متوسط لصناعة الألبان والمنتجات الحيوانية،وهو القادم اصلا من رحم الفقر،من رحم الطبقة العماليةنولكن الهم السياسي في القصة يبدو متواضعا،على ان الاشارات اليه في الفيلم تبدو كبيرة،وهذا يحمل تناقض آخر في طريقة فهم الفيلم وفي طريقة النظر الى الفيلم ايضا.
الفيلم هو احد انواع الأفلام التي يرويها البطل نفسه،ففي المونولوج يعبر البطل عن نفسه،يقدم للآخرين-المشاهدين-نظرة ذاتية عن نفسه خالية من حكم الآخرين عنه،يقول بريمو عن نفسه:
أنا أعلم بأني سخيف...كنت دائما كذلك
ولكن هذا الرجل العصامي الغني من المستحيل أن يطلق عليه لفظ سخيف،على الأقل من قبل الآخرين.
في هذا اليوم بالذات،يوم عيد ميلاده يطالع بريمو مطاردة لأختطاف ابنه ويطالب بالفدية...
وهنا تدخل لورا-صديقة جيوفاني-الى حياتهم ويتحدث المونولوج:
دعوني اتحدث لكم عن زيارة لورا،هي لم تكن تعلم بأني اراقبها،لكن لماذا كانت تتحرك مثل الغريبة...؟!
هناك شيء غريب ...تقول لورا له:جيوفاني كان دائما يشعر بالعار من والده
ولكن لماذا كان جيوفاني خجلا مني...؟!
ثم بعد ان يسرد للورا شيئا عن حياته،يسأل نفسه:لماذا اتحدث لها عن حياتي...؟!
ثم-ولا زال المونولوج يتحدث-ابني قد خطف،والحياة لازالت تسير بطبيعية...بشيء من التقليدية العابثة غير المبالية...؟!
حتى لو تعمد برتولوتشي ان يقتبس أو حتى لم يتعمد، فهذه الجملة لها علاقة بأنتونيوني
المونولوج الداخلي لبريمر هو عملاق الفيلم،وهو الذي يدب على ان الفيلم شخصي بالدرجة الأولى،بل غاية في الشخصية،وليس اختفاء جيوفاني إلا مرآة للحقيقة...السطوع...الذي باختفائه سطعت الحقيقة الشخصية لهذا الشخص-المقصود هو بريمر-.
الزمن لايمر أبدا،اشعر بأني عديم النفع وسخيف
الشعور بالسخافة هو شعور داخلي(تام) لا يتعلق بالمحيط...شعوره بالسخافة هو احساسه بسخافة الحياة نفسها،بالخواء المخيف الذي يحمله من دون مقدمات مسبقة:
ليس المهم ما حققته،ولكن هل ما حققته هو مهم فعلا...؟!
لا اعتقد ان برتولوتشي اراد ان يدخل بعض المحفزات لهذه العدمية كان يقول:أن بطلنا بريمو لا يعرف انه خاوي،فارغ لأنه لم يقدم شيئا ذا هدف أو ذو مضمون...كمساعدته للطبقة العاملة ،بمعنى آخر البروليتاريا أو الماركسية...؟!
تعليق هذا الهم الشخصي الموجود للبطل على فكرة مثل هذه يبدو سخيفا جدا،سخافة اعتقاد بريمر لنفسه،سخافة البعث عند تولوستوي،كما ان بريمر يتابع في مونولوجه الخاص:
أنا سعيد بفكرة الموت،ولكن يا العار،انه من العار الموت،ولكني سعيد...حتى التبول يساهم في مرور الوقت.
في الحقيقة بريمر لاينتمي الى الطبقة التي يعيش فيها،وهو حتى لايملك سلما واضحا للطبقية...أي انه لايعيش في منحى سياسي عام تجعل من الطبقة كانتماء بالنسبة له،وهو من منحى آخر فهو متواضع...بالتأكيد من الممكن أن يكون كذلك.
كاد بريمو الخمسيني ان يمارس غراما غير مفهوما مع لورا التي في الحقيقة تقبل ذلك،ولكن في عالم الخواء لايمكن ان تكون الأخلاقيات مفهومة،بمعنى آخر أنها شيء يحلق فوق الاحتمال،فوق الفهم...انها خاوية مثل العالم
أنا لا أخاف من المقدمات:الأخلاقيات غير موجودة
أدولف،صديق جيوفاني،وبمعوانة لورا يخبران بريمر ان جيوفاني قد ماتـوتتدخل باربرا –زوجة بريمو-القادمة من الطبقة الارستقراطية الفرنسية في المؤامرة...ولكن أي مؤامرة؟!
يقرر بريمو ان تسير الخدعة لجمع الفدية لإنقاذ مصنعه الذي على وشك الافلاس،ولكن بدلا من ذلك يكتشف بطريقة مفاجأة ان ابنه لازال على قيد الحياة،وان لورا وادولف وباربرا استغلوا مبلغ الفدية لإنقاذ جيوفاني.
لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن...هل هذا حقيقي؟!
بالنسبة لبريمو فهو ينظر الى الخدعة بهذه الطريقة:
سواء كانت الفدية دفعت لإنقاذ ولده فعليا،أو لدعم الطبقة العاملة التي من الواضح جدا ان جيوفاني ينتمي لها...فابني على قيد الحياة
هو لايبدو بأنه سيطيل التفكير في هذه المسألة...وان كل الاشياء بالنسبة له تعني شيئا واحدا
يرى برتولوتشي ان هذا الفيلم فيه عودة،فيه اشارة الى فيلم 1900،ولكن حتى لو كانت هذه الاشارة موجودة،فالفيلمان بعيدان جدا عن بعضهما البعض،ولكن بالتأكيد،فإن كان هذا الفيلم هو استراحة-كما يقولون-في مسيرة مخرج كبير،ولكن هذه الاستراحة ليست عابرة على الاطلاق.
2/2/2024

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي