الرد الايراني لن يكترث بمتلازمة الحرب الاقليمية

هاني الروسان
2024 / 8 / 3

ليس هناك من سؤال آخر تردده وتتناقله السن الناس منذ فجر يوم الأربعاء الماضي غير السؤال المتعلق في الكيفية التي سيكون عليها الرد الايراني على التحدي الاسرائيلي السافر والوقح للهيبة والسيادة الايرانيتين اللتين اراد الاطاحة بهما نتنياهو من خلال اقدامه على اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي حل ضيفا على الحرس الثوري الايراني للمشاركة في مراسيم تنصيب الرئيس الايراني الجديد، والذي لم يفصله عن اغتيال العقل العسكري لحزب الله فؤاد شكر في قلب حارة حريك المربع الأمني للحزب في ضاحية ببروت الجنوبية سوى ساعات قليلة.
وفي هذا السياق يعيد الناس إلى الاذهان الرد الملتبس لايران في افريل الماضي على قصف القنصلية الايرانية في سوريا، والذي لم يقنع حتى الإيرانيين انه جاء بالمستوى المتوقع، او انه يتصف باي من خصائص الرد الاستراتيجي النتائج، ويتوقع الناس انه للفرق الضخم في المقارنة بين اعتداء افريل واغتيال هنية وشكر من حيث نوعية وحجم الأهداف والمكان، فإن الرد الايراني هذه المرة سيكون ردا مختلفا ونوعيا، يعيد على الاقل قواعد الاشتباك إلى ما كانت عليه من حيث التوازن بين قوى الصراع.
وحتى خطاب الشيخ حسن نصر الله في مراسم تشييع فؤاد شكر لم يخفف من وطأة الحيرة التي تجثم على صدور الناس خاصة في ظل ضخ اعلامي غير مسبوق يركز على حجم الضغط على العاصمة الايرانية لتقبل بتفعيل معادلة الرد الرمزي وتجنيب المنطقة حرب واسعة النطاق.
صحيح ان الشيخ حسن نصر قد أعاد رسم خارطة الطريق ووضع النقاط على اهم الحروف واعاد توصيف الاشياء وتسميتها واكد على حاسمية كلمة غزة في وقف التصعيد في المنطقة، وانه فصل بين دور جبهة الشمال الروتيني في دعم صمود غزة وبين الرد على جريمة اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر والاطار الذي سيتم به هذا الرد، وأن رئيس هيئة اركان الجيش الايراني الجنيرال محمد باقري قد أكد حتمية الرد الايراني الذي قال انه سيجعل إسرائيل تندم على ما اقدمت عليه، وأن رئيس السلطة التشريعية محمد باقر قاليباف أكد هو الاخر على حق إيران بالرد على جريمة اغتيال هنية، وقبلهما قالها المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي الذي نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن ما قالت انهم ثلاثة مسؤولين إيرانيين مطلعين أن خامنئي أصدر امره خلال اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي بضرب إسرائيل مباشرة ردا على الاغتيال، غير ان كل ذلك لم يبدد تلك الحيرة او الخوف من رد لا يكون بالمستوى المأمول الذي من شأنه ان يلجم نتنياهو ويضع حدا لجرائمه.
وسيبقى السؤال مطروحا إلى أن يقع الرد، لان الإجابة الحاسمة عليه تبقى في عقول قادة إيران، غير ان ذلك لا يمنع محاولة استشراف الافق الذي سيكون عليه هذا الرد، إذ ان نتنياهو الذي تجاوز كافة الخطوط الحمراء قد وضع إسرائيل وكافة الأطراف بما فيها واشنطن امام اللاخيار سوى المضي قدما والقبول بنتائج واقع القوة واتجاهها في الاقليم الذي سيتمخض عنه واقع جديد سيكون واقع مستقبل المنطقة وربما ما هو اوسع من ذلك ولزمن سيطول هذه المرة. واكثر الظن ان هذا ما بات يدفع بالبيت الأبيض للعمل بوتيرة عالية على مسارين متوازيين اولهما الضغط الدبلوماسي لحمل طهران على قبول مبدأ الرد الرمزي، وثانيهما التهديد باستخدام القوة من خلال تأكيد الدفاع عن إسرائيل من اجل ردع إيران عن القيام باي عمل نوعي او افشال هذا العمل لناحية النتائج التي سوف تنتج عنه وذلك للابقاء على الكلمة الاخيرة في حوزة اسرائيل دائما والحيلولة دون استدعاء رد منها قد يدفع الاشتباك إلى حرب واسعة، لن تكون بكل المقاييس في مصلحة الولايات المتحدة.
وفي المقابل تدرك طهران ان اي طريق غير الرد الذي يؤكد على تآكل هيبة الردع الإسرائيلي واستمرار تضاؤل دورها الإقليمي وانتهاء وظيفتها الأمنية في إستراتيجية الولايات المتحدة داخل المنطقة والمحافظة على زخم نتائج هجوم السابع من أكتوبر الماضي، فإنه سيعني انهيارا كاملا للاستراتيجية الايرانية في الاقليم والانكفاء الى الخلف وربما انهاء محور المقاومة كدور، اذ ليس من الضروري ان يكون انهاء مادي وبالتالي انتهاء الدور الايراني كلاعب اقليمي.
وهنا اذا استثنينا نتنياهو فان إسرائيل الدولة والولايات المتحدة وحلفائهما داخل المنطقة وخارجها هم من لهم من الأسباب اكثر بكثير مما لدى طهران للخشية من اندلاع حرب شاملة، والحرص على تجنبها وهو ما يوفر لايران فرصة نادرة للضغط من اجل إعادة رسم قواعد الاشتباك في الاقليم، وتوسيع دائرة نفوذها الرسمي والشعبي، ووضع حد نهائي للتكتيك الامريكي بتفكيك جبهة الاعداء والانفراد بمكوناتها واحدا تلو الاخر، واكثر الظن ان هذا الحراك الأمريكي المحموم لمنع إيران من رد نوعي بزعم تجنيب المنطقة كارثة حرب واسعة، مرده القناعة الأمريكية بانه لن يكون بمقدورها ان تفعل على الأرض في حال تدحرج الاشتباك إلى نطاق اوسع اكثر من توجيه ضربات تدميرية لا تغير او تحرك في واقع المعركة قيد انملة وأن نموذجي غزة والحوثي يؤكدان على محدودة اثر القوة الأمريكية على سير معارك اي حرب قد تندلع، وهذا على الأرجح ما تدركه طهران ويدفع بها للمضي إلى الأمام رغم ما قد يحمله لها ذلك من خسائر مادية في حال اندلاع حرب شاملة، غير انها ستكون بدون وزن مقابل ما ستجنيه من مكاسب إستراتيجية لن تفرط بها ان هي ذهبت لتأديب اسرائيل.
ومما بعزز او يرجح احتمال ذهاب طهران وحلفائها إلى توجيه ضربة نوعية إلى اسرائيل وعدم الاكترات بمتلازمة الحرب الاقليمية هو قناعة القيادة الايرانية ان الحرب الاقليمية قائمة بالفعل وأن الولايات المتحدة تريد ادارتها حتى نهايتها على مراحل وبايدي "نظيفة"، وهذا ما لن تقبل به ايران وحلفائها، بل وستذهب ومعها المحور بالاتجاه المعاكس له، وتلقن اسرائيل درسا مؤلما.
هاني الروسان/استاذ الاعلام في جامعة منوبة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي