|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعيد الوجاني
2024 / 7 / 28
ان التساؤل عن أي نظام سياسي يصلح للمغرب ، هو تساءل عن الديمقراطية ،لان العلاقات الدولية ، وبإرشادات الكبار المتحكمين في القرار الدولي ، أضحت الركن الأساسي في بناء علاقات دولية تعتمد الديمقراطية . وبالطبع فان رمز هذه الديمقراطية ، يبقى وحده الانسان الذي حدد له الميثاق الاممي ( 1948 ) حقوقا استراتيجية ، اضافت الى طيبتها ، الحقوق المكملة التي وردت من قبل الأمم المتحدة ، كتكملة لحقوق ميثاق الأمم المتحدة . بمعنى ان النظام السياسي الذي يخرق حقوق الانسان ، ويمتنع عن منح الشعب ما قرره الميثاق ، وقررته القوانين التابعة ، وكلها صادرة عن الأمم المتحدة ، هو نظام خارج منظومة الدول التي تبني كل خياراتها حول الديمقراطية ، وليس ديمقراطية الأنظمة الفاسدة ، التي تتحكم في الممارسات اللاّجمة والقامعة ، باسم حقوق الشعوب والمواطنين ، كما يراها النظام او الأنظمة الفاشية ، لا كما تفهمها الأمم المتحدة ، وتفهمها الأنظمة الديمقراطية ، خاصة تلك التي لها أوضاع خاصة كالأعضاء الدائمين بمجلس الامن ...
لذا فالقول بالسؤال : أي نظام سياسي يصلح للمغاربة وللمغرب ، ليس الهدف منه مقارعة الحجة بغير الحجة ، وليس الهدف منه دراسة بحثية في مادة القانون الدستورية والأنظمة السياسية ، لكن الهدف منه ، النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يخدم الشعب أولا ، وخدمة النظام ضمن خدمة الشعب . وهذا يعني رفض الأنظمة اللاّجمة ، والقامعة ، والأنظمة الفاشية ، التي تسيء للشعب ، كما تسيء للبلد حيث يوجد الشعب المحروم من ممارسات حقوقه الطبيعية ، كما ينص على ذلك الميثاق الاممي ، وتنص عليه القوانين اللاحقة . والمشكل ان النص الاممي ، تنص عليه دساتير الأنظمة القامعة والمفترسة ، وللأسف تتصرف ضدها . لكن الغريب ان نوعا من هذه الأنظمة ، رغم انه يستمد كل مشروعيته من القمع غير القمع ، فإن التآمر الدولي ، خاصة من الكبار الذين يقررون في القرارات الدولية ، ومنهم أعضاء دائمون بمجلس الامن ، اغمضوا اعينهم على تولي دولة بوليسية فاشلة ومارقة ، رئاسة مجلس حقوق الانسان الأمم المتحدة ، بل انها لا تتراجع حتى في قتل المعارضين من النخبة التي تنشط فقط بالقلم والمداد ، وهو نشاط مؤكد من قبل الأمم المتحدة ، ومصادق عليه من قبل الدولة المارقة .. مما سيقلب رأس الأمم المتحدة لتصبح مَسْلخة عامة ، تفصل فيها حقوق الانسان والديمقراطية ، بتعارض حتى مع الميثاق الاممي ، فأحرى لدساتيرها الممنوحة التي تركز كل الحكم والدولة في شخص الحاكم بأمر الله في اقطاعية الحق الإلهي ..
فأي نظام سياسي يصلح للمغرب ، ليرتقي به الى مصاف الدول الديمقراطية ، الديمقراطية السياسية ، واكثر منها الديمقراطية الاقتصادية ، أساس الارتقاء بكل الدولة ، الى مصاف الدول الرائدة في مجال الديمقراطية ، وعلى رأسها حقوق الانسان ..
منذ النشأة ، نشأة الحكام والحكومات ، ورغم الاختلاف في الممارسة السياسية ، بسبب الانتماء الجغرافي ، والقاري ( القارات ) ، والناس تتناقش الأنظمة الديمقراطية المختلفة ، علّها الوصول الى ضبط أهمها في الممارسة الديمقراطية ، وفي خلق جيل الديمقراطية من الشعب ، ومن النخبة المثقفة والمتعلمة ، التي تتفلسف يوميا في موضوع النظام او الأنظمة الديمقراطية ، وتنفر من الأنظمة الفاشية والبوليسية والعسكرية .. فالمنافسة اليوم في العالم ، هي من اجل الديمقراطية ، ومنها سعادة شعوب الكون ، البريئة من التصرفات المزاجية لحكامها ، لافتقارها الى الحد النسبي من الممارسة الديمقراطية . وهنا لا نرجع الى نوع الأنظمة السياسية التي حكمت اوربة الشرقية ، وغريمتها الديمقراطية الغربية ، التي حققت الانتصار الساحق ، بأفول المنافس والغريم الأول الاتحاد السوفياتي ، وبروز واحياء النعرات التي كانت مدفونة ، من القوميات والاثنيات التي حولت الصراع الى صراع حضاري ، تسبب في تجزأة العديد من الدول التي توحدت على اثر الحرب الكونية الثانية .. فدول الاتحاد السوفياتي ذابت في عنصريتها الاثنية والعرقية ، التي خلقت حروبا بسبب الاثنية والعرقية ، تزعمتها القوى الشوفينية التي أصبحت اكبر الدول العنصرية ... بينما سيتأخر الرد العربي ، الذي ظل متفرجا مما يجري من تغيير للقوميات ، وللدول . لكن عندما رن الهاتف العربي ، رن متأخرا عن الموجة الكبيرة التي قادت العالم ، وافضت الى القطيعة مع الحروب الأيديولوجية التي كانت سائدة من قبل ، وأصبح اصل الحروب اقتصادي بحث ، بعد ان اصبح العالم أحادي القطب ، لا ثنائي التركيب ، كما كان العالم قبل السقوط المدوي للاتحاد السوفياتي . فالتأخر العربي عن الانسياق ، والتفاعل عمّا يجري في العالم ، من تغيير بدون حروب ، هو سبب نتيجة الوضع العربي ، بعد ما سُمّي ب ( الربيع العربي ) الذي انتهى بأيدي جماعات تمثل خيارات الغرب في اوطانها .. فكان الربيع ربيعا للنماذج من القوى التي تحكمت فيه ، واصبح الوضع " أكفساً " اقبحاً مما كان عليه الحال ، قبل الربيع ( العربي ) الذي لم يكن عربيا .. فماذا تبدل في مصر بين السادات الاخواني ، وعميل الموساد حسني مبارك ، والجنرال السيسي ، الذي ينفد التعليمات الغربية ، واشنطن وتل ابيب بالحرف .. ؟ .
بعودتنا لطرح التساؤل : أي نظام او حكم يصلح للمغرب ، ويصلح للمغاربة الذين ضاقوا درعا من نظام البوليس المزاجي الفاشي ، الذي لا علاقة له بالديمقراطية بتاتا ، كما لا علاقة له بموجات حقوق الانسان ، ومع ذلك تستمر الدول التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان ، في تزويد هذه الأنظمة الساقطة من فوق ، بالدولار باسم المساعدات السنوية المقررة ، وبمختلف الأسلحة الفتاكة بالشعوب ، لا الفتاكة بغيرها ، من الدول المهيمنة بالمنطقة ، كإسرائيل التي تعتبر الجمركي الوحيد ، الذي يتصرف مع العم سام تصرف التلميذ مع معلمه .. فالمساعدات الاقتصادية وبالدولار ، وتزويد الأنظمة بالأسلحة للفتك بالشعوب ، أصبحت هي معيار التعامل مع نظام من الأنظمة ، انه نظام ديمقراطي ، او انه نظام غير ديمقراطي ، فالعواصم المؤهلة لوحدها بمنح الشهادة ، تبقى واشنطن وتل ابيب ، وليس الأوضاع المزرية والتعيسة التي تعيشها الشعوب المحرومة من حقوقها ، خاصة عندما يستنزف الحاكم الطاغي الاقطاعي ثروة الشعب المفقر ، فيدفع به الى العيش في الهامش ، وبسبب التفقير ، اصبح يقتات من المزابل " الحاويات " ..
وبرجوعنا الى التاريخ السياسي ، لأنظمة الحكم التي عرفها المغرب . وباستثناء نظام الامبراطوريات التوسعية ، وبأسمائها وعناوينها التي كانت عائلية " أسروية " ( أسر ) ، امبراطورية الموحدين ، السعديين ، المرابطين ، العلويين ... ، فان اصل النظام السياسي الذي كان جاثما على صدور المغاربة ، لم يكن بالدولة العصرية التي تجتهد في خدمة ( الشعب ) ، بل ان الذي كان يسود طيلة هذه الحقبة ، هو النظام المخزني مع العلويين ، والنظام السلطاني ، مع غير العلويين .. فالدولة كانت تسمى بعناوين الاسر التي كانت تتوارث الحكم في المغرب . وعندما نقول تتوارث الحكم ، فهي تتوارث الحصول على ثروة المغاربة ، لا يهمها منهم غير ارزاقهم ، تقتطع باسم ضرائب دليلة ، كما تقتطع باسم الغلّة والمحصول السنوي .. وهي نفس النظرة دخل بها العلويون الى الصحراء الغربية ، فكانوا يفكرون في ثروة المنطقة ، ولم يكونوا يفكرون في الصحراويين الذين كانوا ولا زالوا يشاهدون ثرواتهم تنهب امام اعنيهم ، في حين يعيشون الفقر المدقع كغيرهم من الرعايا المغاربة .. وهذا ما عجّل بتبني الشباب الصحراوي الذي كان يدرس بالجامعة المغربية ، كلية الحقوق ، وكلية الآداب بالرباط ، وبالمدارس الوطنية ك " مدارس محمد الخامس " بالرباط ، ومدرسة " النهضة بسلا " ، الاستفتاء وتقرير المصير .. ورفضوا الدولة العلوية التي لا تختلف عن سابقاتها من الامبراطوريات ، سوى في ( الانتساب ) الى صلعم ..
ومع مجيء محمد الخامس ، وخاصة مجيء الحسن الثاني ، سيصبح النظام شكليا بملكية ، لكنه ظل جوهريا ، مستمرا كسلطنة يحكمها سلطان مزاجي ، من دون دستور ، ومن دون قوانين ترتبط بالديمقراطية وبمجالات حقوق الانسان . فالنظام السلطاني كان هو السائد في احتكار الحكم والسلطة قبل الخمسينات ، أي منذ دخول فرنسا الى المغرب ، واصبح نفس النظام مستمرا بتبديل عنوان السلطة / السلطنة ، بالملكية ، التي كانت ولا تزال مطلقة شمولية .. فنظام الدولة السائد سلطاني ، لأنه ارتقى بشخص الأمير الراعي على رأس دولة رعوية ، واميرا لإمارة اصبح فيها السلطان / الملك ، وحده هو الدولة ، والدولة هي السلطان الملك . ان هذه الثنائية نلمسها بكل بساطة ، عندما يخاطب رئيس الدولة الرعايا ، كأمير للمؤمنين ، وكإمام ، خاصة خطابه امام البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر ، لان الخطاب لا يناقش من قبل البرلمانيين ، الذين يكتفون بالإنصات ، وعند انتهاء الخطاب الاميري ( يصفقون ) يطبلون ، لان الخطاب هو بمثابة الامر اليومي ، كالذي يوجه الى الجيش ، للشروع في خارطة الطريق المصنوعة ، لخدمة جلالة السلطان ، امير المؤمنين ، حامي حمى الملة والدين ، وحامي صحة ( المواطنين ) ، الرعايا المدبرين بأنفسهم لصحة حالهم ، ومن يفتقر منهم الى الدرهم ، نهايته الموت .. ان لم يكن التدبر لقتله ولو بدخول بيته في غيبته ، ورش ثيابه وداخل منزله ، بمادة كميائية سامة ، تسبب سريعا في سرطان الرئة ..
فهل نخبة المغاربة ( الاحرار ) كما يُردد ، وهم قلة تحسب على رؤوس الأصابع ، هي من تعشق هذا النوع من الأنظمة ، التي ترقّى فيها الأمير ، والامام و( سبط ) صلعم ، الى مقدس ، ام ان الرعايا الجاهلة Les sujets ، هي من يعشق قداسة السلطان ( تم ازالتها في دستور 11 فبراير ) ، ويعشق الدولة المخزنية في جبتها وجلابتها ( الملكية ) . وهنا يكفي الاستشهاد بالحملة المسعورة التي هيّج فيها ( القُيّاد ) الرعايا ، لمّا نجح في الفرار من المعتقل السري PF1 ، جماعة من الضباط ، وضباط الصف ، والجنود ، وعائلة بوريكات ، والمانوزي سنة 1975 ..
ان ارتباط الرعايا بالسلطنة ، سواء في صورتها " السلطنة " ، او في شكلها ك " نظام ملكي " ، مرده الخوف المستشري في وسط الرعية ، من الامراض والجيْحات المختلفة التي اصابتهم كعام الجوع ، الذي لم يغير شيئا في السلطان ، ولا في السلطنة كنظام حكم مزاجي فوضوي ، همه فقط جمع ثروة الرعايا ، والاعتراض عند جني المحاصيل والغَلّة من قبل الرعايا المساكين .. فإلى الان لا تزال السلطنة في جبتها الملكية ، هي وحدها من يقرر في البلاد . وبعد صراعات مراطونية عبر التاريخ ، حول الحكم ، ستنتهي الصراعات ، باكتساب الحكم للمختلف المعارضين ، ومن جميع الأصناف ، بحيث تحولت مطالبهم من الدعوة للجمهورية ، ويستوي هنا دعاة الجمهورية البرلمانية ، ودعاة الجمهورية الطبقية التي تنشد النظام ( العمالي / الفلاحي ) ، كما يستوي دعاة الإصلاح ضمن النظام لا ضمن خارجه ، دون اغفال ( الإصلاحيين ) دعاة الملكية البرلمانية ، سواء كانت بمواصفات علوية ، وهي ديمقراطية على المقاس ، او كانت شكلا من اشكال الملكيات الاوربية في صورة الملكية الاسبانية التي تختلف عن الملكيات الاسكندنافية ، والملكية الهولندية والبلجيكية .. وبعد ان أصبحت السالحة فارغة من المعارضة الرزينة ، اصبح الحكم هو من يملئ الساحة ، واصبح لوحده يختار من بين ( الأحزاب ) من يتولاه تنزيل برنامج السلطان / الملك الذي لم يشارك في الانتخابات ، ولم يصوت عليه احد ، ومع ذلك يفرض نفسه كواقع لا غنى عنه ، لأنه امير للمؤمنين يملك من السلطتين الوضعية والروحية ، ما يجعله هو الدولة والدولة هي الملك / السلطان . فعندما تقبل جميع ( المكونات ) السياسية اللعب في ملعب النظام الطقوسي ، وهي تعلم علم اليقين ان الدستور الذي جرت به العملية السياسية ، هو دستور الملك / السلطان ، الذي زكته الرعايا بالاستفتاء ، تصبح جميع المركبات تدور في ساحة الحكم ، فيصبح الوزراء بمثابة موظفين سامين عند الملك / السلطان ، ويصبح البرلمانيون ببرلماني السلطان / الملك ، فتصبح الحكومة والبرلمان ذات اختصاص تنزيل البرنامج الملكي / السلطاني ، ضمن الدستور اللاديمقراطي ، ولتصبح كل الدولة بدولة السلطان ، لا بدولة الرعايا التي تعيش منذ ان كانت في كنف السلطان / الملك ( هنا نورد ما يؤكد تحليلنا ، من ان حقيقة النظام العلوي سلطاني ، ما يردده الفقيه الذي يؤم الصلاة بالأمير في الأعياد الدينية ، فيبدأ بالدعاء اليه " .. مولانا السلطان اللهم احفظه .... ) . فهل النظام في المغرب ، حقا هو نظام ملكي ، ام انه كما كان ولا يزال ، نظام وسلطاني ... ) .
اذن . هل هذا النظام المبني على الطقوس والتقاليد المرعية ، والمزاجية في التصرف وفي اتخاد القرارات ، هو النظام الذي يتناغم مع الرعية ، وهو النظام الذي تتعلق به الرعية ، خاصة بتعلقها بشخص الملك ( سبط الرسول الكريم ) .. ليصبح السؤال المعري لحقيقة ( الشعب ) ( المواطن ) . هل الرعايا الجياع تثور ، ومنذ متى ثارت الرعية على الراعي الكبير في الدولة الرعوية .. فان جوعها او اهانتها وهي المهينة ، او قمعها .. تعتبر ذلك من فضل الله ومن بركة الله ، وان الله من اصطفا الراعي ليربي رعيته ب " تْرابي دار المخزن " ..
وكيف كان سيكون التساؤل عن التصاق الرعية بالراعي ، في الازمات المختلفة التي اجتاحت الدولة السلطانية ، خاصة الكوارث الطبيعية كمرض الطاعون وعام الْبُون ، وما شاهدناه في موسم ( كورونا التي لم يعد احد يتكلم عليها ، مثل جنون البقر ، وانفلوزا الطيور ، والخنازير ، والسيدا .. ) . فالأزمات التي حصلت عبر التاريخ ، بقدر ما تزيد في الوهية السلطان ، بقدر ما تعدم أي محاولة لمعارضته ، فتصبح الازمات مفتاح خير للراعي الكبير، في بسط نفوده على كل الرعية الجاهلة . وينتابها الخوف اكثر عند مرض السلطان ، كما حصل مع وفاة الحسن الثاني ، وقبله مع محمد الخامس . فحتى محمد السادس ، ركب على هذه الحقيقة التي ابطلت دعوات النشاز لبعض المعارضين الذين ذوبهم السلطان بالعطاءات المختلفة ، فاصبحوا وراءه لا امامه ..
وقبل ان نفد للجواب عن هذا التساؤل ، نذكر ان العالم يعرف أنظمة سياسية ملكية ليست مخزنية ،كالمملكة السلطانية الفريدة لوحدها في العالم ( حفل الولاء والبيعة ) ( افتتاح السلطان دورة الربيع التشريعية كسلطان وامير للمؤمنين ) ، وهي ما يسمى بالملكية البرلمانية .. وهنا قد يعتقد شخص اننا نجهل حقيقة مؤسسات الملك الدستورية ، لأننا اغفلنا الإشارة الى ان النظام في المغرب له دستور ، وعرف تاريخه الدستوري ، عدة دساتير ... لكن القصد من الملكية البرلمانية ، وقبل الوصول اليها ، يجب تعديل الدستور الذي يجب دمقرطته ، بما يستجيب للملكية البرلمانية ، الشبيهة بملكيات اوربة الغربية ..
وهنا لنطرح التساؤل من جديد . هل الملكية البرلمانية ، التي يدعو اليها هشام بن عبدالله العلوي ، كشخص وليس كتنظيم ، ستكون ملكية بخصائص مخزنية ، وهذا النوع من الملكية التي يدعو اليها اليوم حزب الطليعة ، تسمى بالملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية . وهنا فان الخصوصية التي يتكلم عليها هؤلاء ، تعني فهما واحدا ، هو الاحتفاظ للأمير الراعي ، وللإمام ، بالسلطة الدينية الى جانب السلطة الدنيوية ، وهي سلطة تعطيه الحكم المطلق في اقبح صوره ، لان السلطات الممنوحة بمقتضى عقد البيعة ، تبقى سلطات استثنائية ، وخارقة ، لا تضاهيها السلطات التي يعطيها دستور الحاكم الأمير والراعي ، ومن ثم تبقى سلطات غير مرئية ، اللهم اذا تمت معالجتها معالجة سياسية بحثة ، وليست معالجة ثويقراطية ، نيوبتريمونيالية ، نيوبتريركية ، ابوية .. لان القول بالملكية البرلمانية الخصوصية ، ليس الهدف منه البناء الديمقراطي للنظام الديمقراطي ، بل ان المعنى منه ، هو الاحتفاظ بالملكية السلطانية الشمولية ، لتركيز المزيد من القمع واللجم ، باسم امير المؤمنين ، فيصبح في نظرهم النظام السلطاني الملكي ، بالنظام الديمقراطي .. والدليل هنا نطرحه كما يلي : هل المعنى والمقصود بالملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ( الرعية ) ، سيتم بناءها مع العلويين ، ام مع غير العلويين ؟ . فاذا كان البناء مع القبيلة العلوية ، فمن في العلويين سيتم تنصيبه و ( مبايعته ) للملكية البرلمانية ، ذات الخصوصية المغربية .. ؟ . اكيد سيرفضون محمد السادس لعلاقاته السيئة مع الغرب الديمقراطي ، خاصة مع فرنسا .. اذن هل يجب بناء هذا النوع من الأنظمة الشمولية مع الحسن الثالث اذا نجح وجاء الى الحكم ؟ . ام ان المقصود ، ليس هم العلويون ، بل البحث عن عائلة أخرى سيتم مبايعتها على طريقة مبايعة الملوك العلويين ، باسم الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية .. ؟ ..
وهنا سيكون طرح حل هذا النوع من الأنظمة ، استمراريا للملكية / السلطنة الحالية ، لان التجرد من التاريخ سيكون انتحارا ، للقبيلة العلوية ، سيما وان السلطة الدينية ، تعطي للملك السلطان الأمير والراعي ، سلطات غير مرئية ، لكنها هي اصل النظام واصل الحكم ، الذي سيحافظ على ملكية شمولية في صورتها المخزنية البوليسية ، وليس في صورتها الديمقراطية ، التي تتعارض مع أي ملكية يكون على رأسها افراد القبيلة العلوية ..
اما اذان كان القصد من بناء ملكية برلمانية حقيقية ، تبني دولتها على أساس ميثاق الأمم المتحدة ، والقوانين الدولية ، مع ترك الخصوصية التي تؤثر على صورة النظام خارجيا ، فلا الرعايا المخاطبة ، ستقبل بهذه الملكية التي لن تكون ابدا سلطانية ، ولن تكون خصوصية ، لان الانسياق وراء نوع الملكيات سيكون كونيا ،وليس محليا خصوصيا .. والسؤال هنا . اذا كان هذا النوع من الأنظمة الملكية سيحول الملك ، الى مجرد ملك ، وليس الى سلطان في جلابة ملك .. فالقصد من التصرف يعني ، افراغ الملك كملك من صفته المخزنية التي يستمدها كسلطان ، وتحويله الى مجرد رمز يوحد الدولة ، من خلال توحيد واحترام حقوق الشعوب ، والحيلولة دون تجزئتها .. كحالة La Catalogne وملك اسبانية Philip 6 .. فهل هنا سيقبل النظام المزاجي البوليسي ، تجريده من التاريخ ، وتجريده من الوسائل الملموسة الضابطة للرعايا القاعدة الكبيرة ، والرافضة لكل عملية مشبوهة ، للانقضاض على الدولة وسرقتها ، باسم تنزيل الحقوق الديمقراطية ، وكأن الديمقراطية مجرد لعب " دينامو " ، او " ضامة " ، او لعبة " الرّوندة في الكارطة " . فالنظام هنا ، واعني به القبيلة العلوية التي سيطرت على المغرب لما يزيد عن 350 سنة ، ستعتبر دعاة الملكية البرلمانية الاوربية ، بدعاة انقلاب ، مكنهم من السيطرة على المغرب ، وعلى الجاه والنفود والثروة أساس لعاب الدولة السلطانية .. فهل سيقبل النظام بهذا النوع من الأنظمة ، التي تتعارض مع الامارة والدولة الرعوية ، أساس قوة النظام الملكي ، في صورته وشكله السلطاني والمخزني .. ؟ . واذا كان هذا هو المبتغى ، وهو يعني رفض القبيلة العلوية ، فهل مناصرة هشام بن عبدالله العلوي ، للملكية البرلمانية ، هو مناصرة للرعايا التي تجهل قواعد اللعب السياسي ، ويصبح تسليم الرعايا الجاهلة السلطة والحكم ، بمثابة انتحار ، بعد نشر الفوضى سيسهل تقسيم المغرب ، وتقزيم القوة التي للسلطة في مجابهة هذه المشاريع التي لا يؤيدها احد .. فالدولة البرلمانية الاوربية ، تستلزم الشعب الواعي ، المثقف ، ولا تعني الرعايا الجاهلة التي يغلب على ردود افعالها ، العنف بمختلف تجلياته المعروفة ..
اذن ، ونحن نعلم التعارض القائم في المجتمع ، من دعاة الملكية البرلمانية الاوربية . فمن هي الجماعات الوازنة الداعية الى الملكية البرلمانية الاوربية ، ولا تدعو الى الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ؟ ..
عند تسليطنا الضوء لمعرفة نوع هذه الجماعات ، سنستغرب عند وصولنا الى حقيقة صادمة ، انه باستثناء هشام بن عبدالله العلوي ، فالمعنيون خارج المربع ، يُنظرّون من داخل مكاتب مكيفة ، لكنهم لا يُنظّرون من الواقع المعاش والمشاهد ..
فمثلا ان أحزاب ( فدرالية اليسار ) ، خلقت الفدرالية لتجيب عن السؤال . هل اصبح البديل هو الملكية السلطانية ، وان الصدر داق درعا من المطالب الجمهورية ، ومن مطالب الملكية البرلمانية الكونية ، فكان السبيل لاستمرار الوجود الضعيف ، وابانت عن هذا الضعف نتائج الانتخابات والاستحقاقات السياسية ، التي جرت وشاركت فيها ، فدخل البرلمان " الحزب الاشتراكي " بنائبين ، منهم نبيلة منيب ، ونائبة من " حزب المؤتمر " ، في حين حصد حزب الطليعة صفر مقعد بالبرلمان، الذي هو برلمان الملك ..
اذن . اذا كانت هذه هي الحقيقة المرة ، والصادمة بسبب ارتكاب أخطاء تنظيمية ، وبسبب الانسياق الاعمى وراء فؤاد الهمة ، خاصة عندما صرح الأستاذ محمد الساسي ، بنهاية ، بل موت مطلب الجمهورية ، وهو هنا يكون قد اقر بقوانين النظام التي تبرمج على ضوؤها جميع الاستحقاقات السياسية .. يكون الانسياق وراء الملكية الشمولية ، بمثابة تحصيل حاصل ، لهذا الارتداد التنظيمي والايديولوجي في الساحة . ويكون من ثم مطلب الملكية البرلمانية بخصوصية مغربية ، وليس ملكية برمانية اوربية ، قمة ما ابدعه العقل الحزبي المتكلس والجامد . لان الحقيقة هي . هل نجحوا في زرع مطالب الملكية / السلطانية وسط الرعايا الجاهلة ، فأحرى ان ينجحوا في مطلب الملكية البرلمانية على الطريقة الاوربية ..
أي وبالواضح . لقد تسلطن الجميع ، وتمخزن الجميع ، اكثر من السلطان والحاشية المقربة اليه بمسميات كثيرة .. فيكون الإخفاق في مطلب الملكية البرلمانية ذات النكهة المغربية المخزنية ، اقرارا برفض الرعية ، ورفض المكونات السياسية ، أي نظام خارج الملكية الشمولية ..
فللوصول الى الملكية البرلمانية ذات الخصوصية المغربية ، يجب رضى وموافقة القصر . فاذا كان القصر صائبا في اختيار نظامه ، فان قبول تيار الأستاذ محمد الساسي ، وحزب الطليعة ، والاشتراكي الموحد بالواقع الحاصل ، هو اعتراف وبالملموس بالخيبة التي اصابتهم من نتائج الانتخابات . ويكون تجاهلهم للملكية البرلمانية الاوربية ، بدعوى الخصوصية ، اكبر تصرف مخزني سلطاني ، وجد نفسه بين مطبلين كثيرين للملكية الشمولية ..
ان الوضع الذي تشغله " جماعة العدل والإحسان " ، وحزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) ، هو دليل آخر على الملكية البرلمانية التي لوحت بها جماعة العدل والاحسان ، سابقا ، ولتعري عن وجهها عندما بدأت تجاهر بدولة الخلافة ، وهي الدولة التي يرفض حزب النهج الديمقراطي ( العمالي ) مسايرة الجماعة فيها . لكن مواقف الحزب تتراوح حول المسألة الديمقراطية ، وتحت أي عنوان ، ملكية برلمانية اوربية ، او جمهورية ( عمالية ) ..
وبالنسبة للاجتهاد الذي تقوم به جماعات صُغيّرة جدا ، و مطالبها السياسية ، بملكية برلمانية ذات نفحة مخزنية سلطانية ، او ذات وجه اوربي ، فالنظام يتساءل عن مشروعية هؤلاء ، وان النتائج التي حققوها في الانتخابات الأخيرة ، كانت صادمة وصدمت بكل المقاييس .. هنا النظام سيطرح تساؤلا . ماذا يمثل هؤلاء وسط قاعدة الرعايا الاجتماعية التي تشكل ( الشعب ) .. حتى يتطاولوا للمطالبة بأنظمة سياسية تكبرهم بكثير ؟ .. وكان جواب النظام " ان لم تستحيي فقل ما شئت " ..
اما عن الأنظمة الجمهورية ، فأصحابها شغلوا كثيرا ، ساحة النضال السياسي طيلة الستينات والسبعينات والثمانينات .. ومارسوا كل أنواع العنف ، من البلانكي ، الى التيار البرجوازي الصغير ، الى دعاة دولة العمال ، ودولة العمال والفلاحين ..، والدولة الإسلامية ..
لكن ما يلاحظ ، ومنذ حركة 20 فبراير ، كثر عدد الجمهوريين ، وكثرت دعاة الأنظمة الجمهورية ..
لكن اذا كان جمهوريو الامس ، منظمين في تنظيمات وفي أحزاب سياسية ، منها من رخصت له الداخلية بالاشتغال ك " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، ومنها اليسارية التي زاوجت بين العلنية والسرية، ومنها الإسلامية كالشبيبة الإسلامية ، ومنظمات الجهاد .. ، فان دعاة الجمهورية اليوم ، ينشطون وراء الحاسوب ، ولا علاقة تجمعهم بالتنظيم ، او الأحزاب .. او النقابات .. فهم يحملون خطابا اكبر منهم بكثير ، ويدعون الى ممارسات غريبة ، عندما يصبحوا يسبون بعضهم البعض ، وينقصون من بعضم البعض ، حتى لخيل لك انك امام حرب ضروس تجري بين ( رفاق ) غير تنظيميين ، جاهلين بأبجديات التنظيم الثوري ، وجاهلين للتأطير الأيديولوجي .. فمنذ متى كانت الثورة وقلب الأنظمة ، يفتي فيه فقط فرد واحد . ووصل الانحطاط السياسي مبلغه ، بإنشاء " جيروم " لجمهورية المنفى ، وتقطع الحبل بين تاشفين بلقزيز وبين اخرين كانوا معه في " حركة الجمهوريين المغاربة " .. كما تقطعت الاوصال بين كمال الفحصي وبين دار السيبا وريشارد عزوز ، وبين عبداللطيف الزرايدي وغيره من الذين امطروه " كيلوات " سب وشتم من دون سبب .. الخ .. فكيف لفرد ، او لفردين ، او ثلاثة افراد ، او حتى أربعة ، ينُطّون كالعصافير ، سينجحون في قلب النظام في المغرب ، وقد فشل في اسقاطه ، تنظيمات الستينات والسبعينات والثمانينات ..
بل وفشل في اسقاطه الجيش الذي ردد شعارات " الثورة " ، لأنه تحرك باسم " الثورة " التي سقطت كبيادق دومينو ، او سقوط قصر من الرمل مبني في الرمل ..
اذن السؤال . أي النظام يصلح للمغرب وللمغاربة ، في غياب التنظيمات الثورية المتغلغلة وسط الجماهير ووسط الشعب ، وليس وراء الرعايا ، وهم الأغلبية الساحقة داخل المجتمع الهجين ..
اذا كان مطلب الملكية البرلمانية ، ذات الخصوصية والنكهة الملكية السلطانية ، ورغم انها كذلك ، فالسلطان كسلطان وليس كملك ، يرفضها ، لأنها ماسة بالسلطات ، وبالهالة التي يعطيها الوضع للسلطان ، رغم انها تعتبر استمرارا للنظام الشمولي المزاجي والبوليسي ، أي الجمع بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية ( الاصالة والمعاصرة ) ..
واذا كان مطلب الملكية البرلمانية الاوربية ، على الأقل على الطريقة الاسبانية او الإنجليزية ، مستحيل الوقوع ، لأنه نظام مرفوض من جماعات الإسلام السياسي ، ومرفوض من قبل الرعايا المتشبثة بالسلطان ، طالما انه سلطان يمثل القوة الدينية للنظام ، التي لا يمكن الشك فيها ، طالما انه يرفع شعار امارة امير المؤمنين ، ويدعي ( سبط الرسول / النبي ) ، وطالما ان للنظام في المغرب صورتين دينية ودنيوية ، إضافة الى التقليدانية والطقوسية ، وكنظام نيوبتريركي ، نيوبتريمونيالي ، كمبرادوري ، رعوي ، ثيوقراطي ... الخ . فانه سيبقى عصي عن هذا النظام ، نظام الملكية الاوربية المتناقضة مع التراث المخزني السلطاني بكل تجلياته التاريخية والطقوسية والمزاجية ..
واذا كان مطلب الجمهورية ( نناقشه هنا افتراضا ، وليس بالأمر المنزل ) ، بسبب النظام الديمقراطي الحقيقي، فان اي دعوة للجمهورية ، تبقى نشازا ، وتبقى بعيدة عن التنزيل .. لان الرعايا وهم الأكثرية ، ضد أي تغيير يمس بالنظام الملكي في صورته الطقوسية والتقليدانية .. خاصة وان الرعايا الجائعة لا تثور ولن تثور.. وخاصة ان الجمهورية تبقى مرتبطة بنوع الجمهورية ، الذي هو جمهوريات وليست جمهورية واحدة ..
وباستثناء الجيش ، فان النظام الجمهوري يبقى بعيدا عن التطلعات الاجتماعية ، وليس في اجندة نظام من الأنظمة التي تنشط بالساحة الوطنية يوميا .. فحتى الأستاذ محمد الساسي قال " لم نبق جمهوريين " ، ونسي او اصطدم برفض الرعايا لنظام الملكية ذات النفحة العلوية ، فأحرى الملكية البرلمانية الاوربية ..
الخلاصة : الرعايا لا تصلح لهم الملكية المخزنية ذات النفحة المغربية ..
ولا تصلح لهم الملكية البرلمانية الاوربية ..
ولا يصلح لهم النظام الجمهوري ..
الرعايا متمسكة ولو مريضة جائعة ، بالدولة السلطانية
، ومتمسكة بالسلطان .. ومما زاد في هذه القناعة ، أن الساحة فارغة الاّ من السلطانيين والمخزنيين ..
انتظروا الملك والسلطان القادم الحسن الثالث ، الذي سيسميه الجميع ، أي الرعايا ، والأحزاب الحالية والنقابات ، بالسلطان امير المؤمنين ، وبالراعي الأول في الدولة الرعوية السلطانية / الملكية القادمة .. وسيحكم بكل سهولة ، كأمير للمؤمنين ..