تجديد الفكر الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة

منى نوال حلمى
2024 / 7 / 16

=============

تجديد الخطاب الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة
=========================================
مرت عشر سنوات ، حينما بادر الرئيس السيسى ، وطالب لأول مرة ، بضرورة تجديد الخطاب الدينى . وفى جميع خطبه ، أو أغلبها ، كان حريصا على اعادة المبادرة .
لكن تدريجيا ، اختفى تجديد الخطاب الدينى " فى ظروف غامضة " .
بمتابعة الأخبار اليومية ، اتضح أن المؤسسات الدينية ، لا تتوقف عن بناء وتجديد وترميم المساجد . عدد المساجد فى مصر ، وصل الى 194, 151مسجدا . فى عام 2020 ، صرحت وزارة الأوقاف ، ان مصر قديما كانت معروفة بأنها بلد الألف مأذنة ، والأن أصبحت بلد ال 100000 مأذنة وأكثر ، وأنه مؤخرا قد تم انفاق 17 مليار جنيها، فى بناء وتجديد 11000 مسجدا . وأوضحت قائلة : " لا يمكن لآحد أن يشكك فى ايمان مصر وتدينها بعد الآن ".
ولنأخذ فقط العاصمة القاهرة ، فنجد أن بها 3450 مسجدا ، و3884 زاوية فى منطقة الجنوب ، وفى المدن الجديدة 365 مسجدا .
تؤكد هذه الأرقام ، عدة أمور ، لابد من مواجهتها :
أولا ، أن المؤسسات الدينية الرسمية ، تشخص قضية تجديد الخطاب الدينى ، أنها
" نقص فى الصلاة " ، وبالتالى جاء العلاج بتوفير المزيد من المساجد ، ( بيوت الله ) ، وتجديد ما يحتاج الى التجديد ، والترميم . وهذا بالطبع تشخيص غير سليم . وفقا للمعلومات المتاحة ، فان مصر 2019 ، بها من المساجد أكثر من السعودية وتركيا والمغرب . والشعب المصرى اكتسب صفة " التدين الفطرى " ، من شدة حرصه على أداء الصلاة .
ولأن الثقافة الاسلامية السائدة ، هى أن " الصلاة عماد الدين " ، وأن " تارك الصلاة كافر " ، فالجميع يؤدونها .
ثانيا ، بناء المزيد من المساجد ، وتجديدها وترميمها ، ينفق الملايين والمليارات من الجنيهات ، دون الاعتبار أننا بلد محدود الموارد ، وصلت ديونه الخارجية 2023 الى 168 مليار دولار ، وتجاهل معاناة الأغلبية ، من الفقر ، والبطالة ، والجهل والمرض ، مصاحبة بارتفاع سكانى ضخم ، أمر غير مقبول . ان صرف 17 مليار جنيه ، مؤخرا ، لترميم 11000 مسجد ، كما هو معلن ، بمنتهى الأريحية ، والفخر ، سلوك لابد من ايقافه . ان بناء الانسان المصرى ، والانسانة المصرية ، أول ما يتطلبه ، فى بلد فقير، مثقل بالديون ، هو تحديد النسل ، والتعليم الجيد ، والاسكان المناسب ، والعلاج الصحى الكريم ، والبيئة النظيفة ، وفرص العمل المتزايدة ، ومؤسسات اعلامية وثقافية ، توقظ الوعى المغيب ، وتنبذ الفكر الذكورى ، وتمويل أنشطة فنية ترفع مستوى الحس الجمالى ، والمتعة الراقية ، مع عمق المضمون الانسانى . الدولة غير ملزمة ابدا ، خاصة التى تستدين ، وتستورد الضرورات ، أن تنفق على بناء دور العبادة ، وادخال المواطنين والمواطنات الجنة . وليس لدينا فى الحكومة ، " وزارة الصلاة " . فالدين مسئولية كل مواطن ، ومواطنة ، يحظر تدخل الدولة .
ثالثا : صرحت وزارة الأوقاف ، أن معدل بناء المساجد وتجديدها : " لن يجعل أحدا يتشكك فى ايمان وتدين مصر بعد الآن ". اذن تكثيف بناء المساجد وتجديدها ، ليس للصلاة . ولكن لخرس الألسنة التى تشك فى ايمان ، وتدين مصر . منْ الذى يشكك ؟. شئ غير مفهوم .
رابعا : مقياس الدين ، أو معيار الايمان ، هو " الصلاة فى أحد بيوت الله " ، المساجد . وهذا معيار شكلى، مفرغ من الجوهر .
ساد هذا المعيار ، مع " الصحوة الاسلامية " فى منتصف سبعينيات القرن الماضى ، حيث تم تسليم الوطن المصرى ، والشعب المصرى ، " تسليم أهالى " ، الى الاسلام الشكلى المظهرى ، القائم على الطقوس ، والزى ، واقحام الدين فى الحياة ، وتنجيم المشايخ تربية النسخ الاسلامية المستوردة من الصحراء ، والخليج ، والوهابية ، والسلفية والاخوانية ، تمهيدا للحكم ، واعادة الخلافة الاسلامية .
ان أعظم ايمان ، وأعمق تدين ، هو العمل المستمر المخلص ، من أجل سعادة البشر ،
وتقليل معاناتهم النفسية ، وآلامهم الجسدية ، وتوفير كل وسائل العمل والتحقق والترفيه ، والأمان ، فى ظل مناخ عادل ، يسوده العقل ، والقانون المتجدد مع تجدد الحياة . هل المسلم ( بالوراثة ) الذى يخرج من المسجد بعد الصلاة ، ويذهب لذبح أخته لأنها تحب زميلا لها ، أو يضرب زوجته ، لعدم استئذانها فى الخروج ، أو يستدرج ابنته ويقتلها ، لأنها ليست عذراء ، أو يفرض الحجاب والنقاب على أمه ، أويضرب ابنه الصغير ، ليجبره على أداء الصلاة ، يكون عظيم الايمان ، عميق التدين ؟؟. ولماذا لا يصبح المستشفى الذى أجرى عملية معقدة ، بأرخص التكاليف ، لينقذ شابا من الموت ، ويعيده الى أمه ، وأبيه ، بيتا من بيوت الله ؟؟.
فى مصر يوجد كما أسلفنا 194, 151 ، مسجدا 2024 . أما عدد مستشفيات مصر ، فهو 1798 مستشفى ، 662 مستشفى حكومى ، و1136 قطاع خاص ، 2023 . أهذا معقول ، أو مقبول ؟؟.
ان وجود 50 مسجدا فاخرا ، متلاصقا ، بالميكرفونات ، فى قرية صغيرة ، ليس بها مستشفى واحد مجهز ، وسط أحوال معيشية وبيئية ، تحت خط الانسانية ، لهو مشهد مألوف فى الريف المصرى .
رابعا : التشخيص " الكيفى " لقضية تجديد الخطاب الدينى ، غائبة تماما ، وربما يكون غير مرغوب فيه أصلا . فالتشخيص " الكمى " ، أدى الى علاج " كمى " ، وهو الزيادة العددية للمساجد . أما التشخيص " الكيفى " ، وأقصد به " محتوى " الأحاديث ، والدروس ، والمواعظ ، وخطب الجمعة ، باق كما هو ، يرسخ من الخطاب الدينى التقليدى ، الموروث منذ مئات السنوات ، والذى لم يعد يتناغم ، مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة . وهى دولة المواطنة بلا تفرقة ، أو تمييز من أى نوع ، وجعل الدين علاقة شخصية ، لا تخرج الى الفضاء العام ، والعدالة بين النساء والرجال ، وحيادية الدولة تجاه كل العقائد ، عدم تديين أى قضية ، ومهام الدولة هى القضاء على الفقر ، والبطالة ، والمرض ، والجهل ، والانفجار السكانى ، عن طريق التوفير المستمر لفرص العمل ، واقامة المشروعات ، والاكثار من المدارس والجامعات ومعامل الأبحاث ، والحدائق ، والأندية الرياضية الشعبية ، والتوسع فى بناء المستشفيات والوحدات الصحية ومراكز العلاج ، المجهزة على أعلى مستوى فى الريف والمدن ، والمخصصة للفقراء ، وذوى الدخول المحدودة ، وذوى الاحتياجات الخاصة ، اما مجانا ، أو بمقابل زهيد .
رغم أننى لا أستشهد بمقولات الشيوخ ، أو رجال الدين ، لكن هناك مقولة لشيخ الاسلام ، ابن تيمية 22 يناير 1263- 26 سبتمبر 1328 ، حنبلى المذهب ، أعتبرها القول الفصل فى غاية الدين ومرضاة الله . يقول ابن تيمية : " ان الله يقيم وينصر الدولة العادلة ، وان كانت كافرة ، ولا يقيم ولا ينصر الدولة الظالمة ، وان كانت مؤمنة ". وقال المعنى نفسه بطريقة أخرى : " الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والاسلام ".
ويؤكد ابن خلدون 27 مايو 1332- 17 مارس 1406، هذا المنحى ، بمقولته :
" العدل أساس المُلك ".
لم يقل أحد من علماء وفقهاء المسلمين ، أن الله : " يقيم وينصر الدولة المصلية " ، أو أن " الحياة تدوم مع الصلاة " ، أو أن " الصلاة أساس المُلك ".

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي