|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ياسر جابر الجمَّال
2024 / 7 / 11
تنشأ رؤية التمرد عندما يتعرض الإنسان إلى ما يتخالف مع تصوراته ورواءه، والأشد من ذلك عندما يجبر الإنسان على تغير رؤيته، ويرغم على اعتناق رؤية جديد تتناقض مع تلك التصورات، في هذه الحالة تنشأ لديه الرغبة التمرد، والخروج عن المألوف، ومخالفة سياسة الأمر الواقع والقطيع، ويتخذ التمرد أنماطًا متعددة فالتمرد سواء ناشئ عن الفعل أو اللفظ فإنه يعبر عن رؤية تحريضيه تجاه تصورات ما.
السّيد حافظ في مجموعته القصصية مارس ذلك بصورة كبيرة، عندما يقول:" كان يظن أنه في وطن وأنه إنسان، اكتشف مع مرور الوقت أن سياجًا تُبنَى حول بيته!! أفرغوا البيوت من ساكنيها وأحضروا للسكن حيوانات تسكن مع الناس!! أحضروا السّياح من كل دول العالم لتشاهدنا علينا في دهشة واستغراب!! فواحد من السّياح يحضر لنا سوداني وآخر يرسل لنا الخس وثالث يبعث لنا جذرًا أو خبزًا!! كل حيوان يضرب حيوان أو ينهره...طلع لينظر على سور الحديقة الَّتي بُنيَت بشكل فاخر، مكتوب عليها ( أغرب حديقة حيوان في العالم لتحوُّل البشر) مصر سابقًا!!"( )
هذا النوع من الكتابة المتمردة الَّتي ترفض كافة مفردات الواقع ومخرجاته هي ابنة الواقع الَّذي أفرزهاـ والسيد حافظ يمارس من خلالها التمرد الكتابي الناشئ عن الفعل الأدبيّ المقاوم بالأحرف والكلمات، سواء كان هذا التمرد اجتماعيًا أو تاريخيًا أو دينيًاـ.
ويقول السّيد حافظ في قصة " المرأة العجوز":
" بدأت العربة تقطع كل المسافات بسرعة..
- هل تعتقد أن الحرب قد انتهت؟!!
- هل معك نقود!!
- أبوك سيموت!!
- أهواك وأتمنى لو أنساك..
- الحرب يا سيدي!!
- البلاد مهددة بمجاعة.. حاجة تجن.. أين الزرع واللحوم؟!
- زيادة السّكان!!
- الحرب!!
- السّرقة!!
- الضّمير!!
- وقف الكمسري.. طنطا.
- راحة.. لمدة عشر دقائق.
اقتربت " أم محمد " من السّائق وهي تخطو ببطء.. حقيبتي في خلف العربة!! نزل السّائق.. مد يده فتح الغطاء.. عاد للخلف نظر بدهشة للمرأة.. صاحت المرأة: ما هذا!!
صرخ الكمسري والسائق معًا: يا هوه!!
اقترب الركاب جميعًا من العربة.. وجدوا جثة ممتدة أمامهم في كفن!!
- ما هذا؟
- قال السّائق.. عندما حاولت أن أفتح الصّندوق لاستخرج الحقيبة لهذه المرأة العجوز وجدت هذه الجثة!!
نظر حوله لم يجد المرأة العجوز!!" ( )
إن كشف سوءات الواقع هي بمثابة لرفض هذا الواقع، والتمرد عليه، فالنقد لا يتوقف على ذكر المثالب، بل يحمل في طياته بعدًا أخر تحريضيًا يتمثل في التمرد على هذا الواقع. إنّ السّيد حافظ يقدم لنا خطابًا مغايرًا تمامًا للمألوف، خطًابًا يمثل تمردًا على كافات الأنساق والمستويات، فهو يستخدم لغة متمردة في ذاتها، وحروف مقلقة في أماكنها، تؤكد الاضطراب الاجتماعي وتدعمه، فهو يرفض استخدام اللغة المُستَبَدة اللغة الَّتي تعاني من القهر والإذلال ويطمح إلى اللغة الحرة الطّليقة الَّتي تناسب في بنيات الواقع معبرة عن حضورها وسطوتها يقول في قصة الحذاء" فكرت مرة أن أخلع الحذاء من رأسي وأعشقُكِ يا بلادي كما أشاء فحاصرني العسكر والعمائم واتهموني بالخيانة العظمى!!"( )
فهذه القصَّة القصيرة جدًا تمثل " الخطاب السّردي العربي المعاصر، أثناء وعقب العقود "اليباب "، الأخيرة من القرن العشرين، بمهارة امتصاصه وكفاءة تأطيره لفضاء "التشظي" الاجتماعي والإنساني المركب، الَّذي ولدته حالات التشبع" بتراجع ممكن ومحتمل المعنى المشرق، الواعد الَّذي يجعل الحياة الإنسانية جديرة بأن تعاش وتحتمل، حتَّى ولو كان ذلك في السّقف الأدنى لها، تعللا بالبوح المتشوف في اليأس "ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل "( )
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |