أنسى عمري ولا أنسى لأبي ما فات..!

سعيد أولاد الصغير
2024 / 7 / 10

بمفترق طرق... وقفت أمام محلّ لبيع السّاعات، أتأمّل أحجامها وأشكالها المختلفة. فجأة، شمَمتُ رائحة عطر نفّاذ ومثير...، التفت، فوجدت خلفي تلك الوديعة الفاتنة والملتهبة... وكعادتها أغرتني... فاستعصمت... إذ لا المكان يتّسع لحماقتي. ولا الزّمن أمان مِن قرابتي... أنا لم أكن لها ندّاً. ولا يشفع لي سنّي الصغير جدّا...
بالرّغم من ذلك، فقد ساومتني بين الموت أو الموت. فأذعنتُ لأمرها مجبراً...
بيدٍ مرتعشة، تبّتها بين أناملي. وبقبلة مثيرة... اخترق حرّها صدري. على الفور، تحرّكت يدي نحو عنقي، وخضتُ في نوبة سعال جافّ وشديد... لم أكن أبداً أتخيّل أنّها قادرة على أن تُخرج كلّ تلك اللّعنة من ثغرها...!
جحظتْ عينـاي وأنا أرى أبي ينبعث بجانبي... دون أن أدري مِن أين خرج...!؟ سحبَ منّي تلك السّيجار الملتهبة اللعينة، التي كادت أن تقطع أنفـاسـي... وقام بسحقها بكعب قدمه الثابت، الذي خَبِر كلّ المآسي...
تركني حتّى استعدتُ هدوئي قليلاً وقال: لا تكن يا ولدي غبيّـاً...! أتريد أن تسبقـني إلى الآخرة وأنا لا زلت حيّـاً...!؟
تنبيهٌ صغيرٌ وماكرٌ ظلّ يرنّ في أذني لوقتٍ خارج الزّمن... وقد وفّر عليّ ساعات كثيرة من النّدم...
أخذني من يدي وهو يخاطبني بنبرة صوت هادئ: أنا أحبّك يا بُنيّ وبك أفخر... فلا تحرق قلبك ولا تجعل وقتك يُهدر...، أمّا هذه السّاعة التي في يدي، فقد تصبح لك... إن أنت طبعاً نجحت في امتحان أكبر...!
جانب آخر من عطف أبي، جعلني أضمّ يده إليّ بجنون وأقبّـلها بعيون تدمع... ثمّ عُدنا معاً إلى البيت وكأنّ شيئـاً لم يقع...!
وإكراماً لأبي، لجّمـت كلّ الشّغـب، ركبـتُ زمني المُرتّب... وبدأتُ أتسلّق ما استطعت من الرُّتب...
فلا مؤشّر صغير عندي توقف ولا مؤشّر كبير لديّ تخلّـف... فكان قلبي لا يدقّ إلّا دقات صامتة كساعة أبي التي لا رنين فيهـا...
نجحت طوال الوقت تقريبـاً والعمر يكـاد ينقضـي... إلّا أنّني لَمْ أظفـر بساعة أبي، بالرّغم من كونها مصدر عزتـي وفـخـري...
أنسـى عمري ولا أنسى لأبي ما فات... أتطلّع لساعته المُنهكة كلّ يوم وهي تنبض بالحيـاة...
وللحقيقة، فأنا لا أجرؤ على حملها... لأنّي لا أطيق فقدان أبي كلّ دقيقـة... !!
....

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي