ملامح وسمات الفكر لدي احمد عبد الحليم عطية

محمد احمد الغريب عبدربه
2024 / 6 / 29

1-هيجلية الدكتور
مشروع الفكري للدكتور عطية، ضخم جدا، ومتعدد، ولكن كما ذكرنا يتمحور حول ثلاثة مفاتيح، تحليل الفكر العربي، ونظرية القيمة، القضايا الواقعية، وهذه الثلاثية هي اقرب للروح الهيجلية والجدل، والتناقض والصراع الدائم والمستمر، حيث يري الدكتور عطية حسب ما كتبه غضيان السيد حول ذلك، أن الاشياء لدي هيجل تعيش في حالة من الجدل، وهي ليست مستقرة او في حالة انسجام وتصالح وتناغم، بل في حالة دائمة من الصراع والتناقض، فلا يمكن أن نجد موضوعاً واحدة في حالة استاتيكية صامتة برانياً وجوانياً، يعزف أنغام الحب والألفة والتناغم والتجانس بل العكس هو الصحيح فكل الظواهر ديناميكية المظهر والمخبر، متناقضة متصارعة بصورة أو بأخري إن بدت لبعض الناظرين غير ذلك، ولكنه ليس هو التغير بالمعني الهيراقليطي الكلاسيكي، ولكن بمعني أخر قدمه هيجل وهو أن هذه الظواهر تحمل في داخلها العناصر التي تؤدي إلي ضدها. فالتناقض والصراع هنا مرتبطان إلي حد كبير بمفهوم السلب الذي يمثل من وجهة نظر ماركيوز المقولة الرئيسية في منهج هيجل الجدلي، فالسلب هو الصفة الي تتغلغل في جميع أشكال الوجود وهو الذي يتحكم في مضمون هذه الأشكال وفي حركة تطورها[ غيضان السيد علي، نحن وهيجل... مغامرة في عوالم هيجل وفضاءاته الكونية. ص5-.6 ].
لنا تعليق هنا، مفهوم السلب لدي الدكتور عطية، وعلاقة ذلك برؤيتها بشكل عام في عالم الافكار، وبشكل خاص فيما يتعلق بمفهوم القيمة، ونتسائل هنا، هل الدكتور عطية، هو فيلسوف للسلب، والجدل، والصراعات الدائمة، وهل من مصادر فكره، ماركيوزه، وهيجل، والي اخر فلاسفة السلب.

2-مفهوم القيمة والابعاد الجمالية
يري جورج سانتايا أن القيم الجمالية تتشابه مع القيم الأخلاقية، ولكنه يعلي من شأن الجمالية علي حساب الاخلاقية، فهي مباشرة وتنبع من الذات الإنسانية، وهي بعيدة كل البعد عن الفائد العملية للواقع البشري، أما الاخلاقية يراها سلبية وغير مباشرة، لأنها عبارة عن إدراك للشر[ المصدر السابق نفسه، ص 226. -فلسفة القيم عند جورج سانتيانا ، سعيد علي عبيد، دار نيوبوك، القاهرة، 2017 . ]”.
ويلاحظ ان الدكتور عطية مشروعه لم يكن اخلاقيا بامتياز، او جماليا بامتياز، ولكنه مشروع للقيمة والفكر العربي، ولكن المنطلق النظري الاولي وهو مفهوم القيمة لعرض المشروعات الفكرية التي اهتم بها، يتعمقها مفهوم الجماليات، والذي يكتب عنه، رغم اشتغاله في الاكاديميات الفنية والجمالية في مصر، واشرافه علي العديد من الكتب والرسائل العلمية في هذا المضمار، ولكنه مشروعا جماليا حضاريا ثقافيا للفكر العربي، فقد اهتم بالمصداقية والنزاهة والاحساس في الجماليات وطبقهم في عرض الفكر العربي، وايضا الروح الجماعية لا تنفصل عن هذا المبدأ الجمالي.

3-مفهوم القيمة وشمولية المشروع
فمشروعه شمولي كلي، اقرب الي مشروع حسن حنفي، فلعله تتلمذ علي يديه، وليس مشروع نظري في خلاصته مثل باقية المتخصصين في الفلسفة في مصر، فكان الجانب النظري عند الدكتور عطية، هو دور او جانب مؤقت ومؤجل، فليس يهمه الجوانب النظرية إلا كمنطلق ، كما أن في مفهوم القيمة انطلق في شكل كلي وشمولي معتبرها موجوده في كل التخصصات، وتبني وجهة النظر في تخصص القيمة، ونذكر هنا ما لمح له الفيلسوف يوسف كومبيز، أن القيمة تظهر في السلوك الانساني عبر جميع القطاعات النفسية- البيولوجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والجالية، والأخلاقية، والدينية، تظهر في هيئة غاية للنية الواعية، وبدون أن تصادرها أبدا، ولا أن تكملها البتة اكمالا نهائياً ( بل أن ذلك، لو حدث، لكان يعني، علي العكس، توقف الفاعلية القيمية). ويضيف أن القيمة هي دوما غاية منشودة[ يوسف كومبز، القيمة والحرية، ترجمة: عادل العوا، دارالفكر، دمشق، الطبعة الاولي، 1975، ص24. ].
4- مفهوم النقد الثقافي، يتضح كمنهج نظري لدي الدكتور عطية، وذلك في علاقته بالقيم، ويتضح من خلال علاقات الافكار بين الغرب والأسلام، مثل كتابين نحن وكانط، ونحن وهيجل، وذلك، يعني وجود اشكالية لمفهومي النقد الثقافي ومفهوم القيمة، وغالبا معظم كتب الدكتور عطية، والتي تناولت حضور الافكار الغربية في الفكر العربي مثل كتبه حول سارتر وكانط وهيجل وديكارت واخرون وحضورهم في الفكر العربي والمصري، وذلك تحليل ثقافي راقي المستوي، ويفسر علاقات الافكار ببعضها البعض ثقافيا وحضارياً بشكل كبير.


5-القيمة والحرية
مشروع الدكتور عطية، ينضح بالحرية، والسعي نحو الفكر الحر، فهو يكتب عن هيجل، وهو فيلسوف الحرية، ويدعو الافكار العربية الي تحرر من تقليد الغرب، وترتبط عنده القيمة بسعي الانسان ذاته دائما الي الحرية، فهو مشروعه الفكري تأسس علي مفهوم القيمة والحرية، وهو ارتباط جوهري، حيث يقول لانيو” ان قيمة كل كائن هو كونه الحقيقي بالنسبة للحرية”، فلا حرية بدون قيمة، وإذا لم تجد الحرية أمامها ما ستستطيع أن تكون أساسا له وتقدر تجاوزه كانت حرية بلا هدف، ولا تبرير، ولا وجود داخلي، ولا مطلب. ويضيف يوسف كومبز في كتابه القيمة والحرية، أن الاعتراف بأن علاقة الحرية- القيمة علاقة مليئة لا تنفصم عراها، علاقة تركيبية قبلية. أنها تؤلف جدلاً حقيقيا وضروريا لا بد من الحفاظ علي اشتداده في جميع الاضاع. فعلي الفاعل أ، يكون حرا حتي يتحقق اضفاء القيم ويكون لها شأن بالنسبة إليه[ يوسف كومبيز، مصدر سبق ذكره ص98-99. ].
6-الدين والقيمة وبيري
اعتبر الدكتور عطية بيري من المهتمين بفهم القيمة من خلال مفهومي الحضارة والدين، ففي كتابيه النظرية العامة، وفي افاق القيمة، يرادف عنده البحث في فلسفة الحضارة، البحث في فلسفة الدين، حيث تطابق الخير الأقصي مع فكرة الألوهية [ احمد عبد الحليم عطية، القيم في الواقعية الجديدة، دارالتنوير، بيروت، 2010، ص6. ]

ويلاحظ أن الدكتور عطية ربط ايضا قيمة الدين بقيمة الحضارة، بمفهوم القيم النظرية، إلا أننا لم نلاحظ تناوله لمفهوم الدين والقيم في مشروعاته بشكل صريح، فهو لم يريد ان يقيم حوارا فكريا بين ما هو ديني وما هو سياسي، وبين ما هو ديني وما هو علماني، فتضمن الدين كقيمة في الحفاظ علي خصوصية الفكر العربي والإسلامي بشكل ضمني، فكان الأمر هنا جدلا عميقا وليس مباشراً وسطحياً، وذلك خلال مباحثه الفكرية المتعددة مبحث القيم ومبحث الفكر العربي والغربي ومبحث الاخلاق، والمبحث الاخير هو تناول القضايا العربية في علاقتها مع الفكر العربي والغربي سوياً.


البعد الاخلاقي للقيم لدي الدكتور7-

هنا اقتطع من كتاب “القيم والواقعية الجديدة”، تأليف الدكتور احمد عبد الحليم عطية، اقتباسا لحديث حول بيري فيلسوف القيمة، وجزء متعلق بتطبيق القيمة علي مجال الاخلاق، والتي تعني الأخلاق التي هي محاولة الإنسان للتوفيق بين مصالح واهتمامات متصارعة، وذلك بمنع النزاع وإزالة الشقاق، والتقدم من التناسق السلبي لعدم الصراع الي التناسق الايجابي للتعاون، وينطبق هذا الوصف علي اخلاق الجماعة سواء كانت الأسرة ام المجتمع[ د. احمد عبد الحليم عطية، القيم في الواقعية الجديدة، دارالتنوير، بيروت، 2010،ص 309. ]. هل ندعي ان الدكتور عطية عرض القيمة الاخلاقية عند بيري، وقد تشابك معاها نقديا دون التباس غامض، ولكن تركيزا علي مفهوم الجماعة وتطبيقه في الفكر العربي المعاصر، وهو ما سيتضح في العرض البحثي التالي.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي