|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
المنصور جعفر
2024 / 6 / 26
هذا تأثيل وتمحيص خفيف لجزء صغير جداَ من السياسة في بريطانيا بلد الألفي عام من النزاعات وتواشجها في الفترة الحاضرة الحديثة الأعمال والتنظيم مئات الأعوام من تراكم الديون. وهو جزء الحزبين الشهيرين "العمال" و"المحافظين" يهتم هذا التأثيل والتمحيص بعرض ملامح صغيرة عن الحزبين واسئلة لهما بمناسبة اقتراب موسم الانتخابات وما إليه من كلام كثيرعن مزيات الديمقراطية الليبرالية وسكوت عن مظالمها الطبقية والاستعمارية والبيئية والمجتمعية.
بتأثير ما حدث في عموم بريطانيا بعد غزو وثورة وانقلاب 1689 الذي رسخ مبادئي الحكم الحديث ثم تأسيس "بنك إنجلترا" عام 1693 حيث تجمع الرأسماليين اليهود العباقرة الهولنديين والإنجليز في عملية اقتصادية سياسية ثقافية لتأسيسه كبنك مركزي يضع في حساباته جوانباً مهمة من أعمال الضرائب والتجارة والدولة وما إليها بالشراكة مع "سيتي لندن" حيث تتمركز الاحتكارات والعلاقات التجارية الدولية. منذ تلك الفترة ساد في بريطانيا نظام حرية التملك والنشاط الحرفي/التجاري بعدما كانت أمور المحلات والاعمال والبضائع ورخصها ونقل خاماتها وبضائعها وتسعيرها وضرائبها واعفاءاتها وغراماتها تخضع لتنظيمات مختلفة يفرضها الملوك والإقطاعيين والكنيسة وخدمهم وجنودهم عنصرياتهم.
آنذاك كان كبراء السوق والذهب والحكم يتبادلون الرعاية والتأثير مع أهم رغبات أكبر المحافل ]الإعمارية] الماسونية وأشدها تأثيراًً داخل أو خارج البنوك والصحف والهيئات الأمنية والهيئات السياسية وأغلى توادي الرجال الخاصة جداً واللجان الغامضة التي تنبثق إحداها من تلافيف التاريخ لتواجه امراً ما فترة أيام أو شهر ثم تعود الى الخفاء والظلمة وهي محاطة بالتبجيل والاحترام. وبعد مائة وأربعون عاماً من هذا البناء نصف العفوي والتلتيق الملازم له قامت لجنة بيل في تخوم عام 1830 بوضع أسس وتفاصيل النظام الاداري والسياسي البريطاني الحاضر الذي أعقب فترة تأسيس التحديث.
من هذا النظام الجامع بين امور التجارة والارباح الشخصية وامور السياسة والدولة وما فيهما من محسوبيات ومضاربات تم ترسيخ باقي أقانيم "الليبرالية" الثقافية والسياسية الماثلة اليوم والتي تتجسد اشهر صورها حاضراً في انتخابات تجديد إدارة النظام الليبرالي وفحص الناس ما لحكومة الدولة من إجادة أو خسران يختلف تقديره وحسابه حسب طبقة ووعي الشخص المقدر أو الحاسب ىاو حسب مصلحة ملاك الوسيلة الإعلامية وارتباطاتهم التجارية.
أيضاً تواشج هذه الانتخابات التي تسمى "وطنية"عملية ترتيب دولي لسيطرة مصالح الامبريالية على اهم الأوضاع السياسية الداخلية ونشاطها الخارجي في العالم حيث يقوم سادة البنوك والشركات العظمى بتحديد أو دعم أفضل التغييرات المناسبة لمصالحهم في برامج الأحزاب والشخصيات.
في هذا النظام الليبرالي يشتهر حزبان بريطانيان متآكلان يعرض التأثيل بعض ملامح سيرتهما: وبإمكان من يريد ان يسأل كل منهما عن الأمور والقضايا التي ستشكل خاتمة هذا التبيين الشخصي لأهم سحناتهم السياسية.
1- حزب العمال:
تأسس الحزب عام 1900 اي قبل عصر الراديو والإذاعات وقبل عصر الانترنت وتم تبريره كمنفذ وصوت عمالي وسط برلمان لأكابر بريطانيا بينما كان في حقيقته تحالفاً بين عناصر برجوازية صغيرة واوروستقراطية نقابات وعمال وعناصر برجوازية كبيرة وأورستقراط ذوي كلام تقدمي.
في بداياته اعتمد الحزب في كسبه الأصوات على دعم حقوق الناس في السكن والتعليم والصحة وتسهيل تراخيص التجارة ودعم قضايا الفقراء والعمال والقوميات والتحرر من تبعات وأعباء جريمة الاستعمار والدعوة لملكية اشتراكية لوسائل الإنتاج والخدمات.
بالتدريج صار الحزب يجسد تحالفاً خبيثاً ليس فقط بين مجموعة نخبوية من فئات البرجوازية الصغيرة وبعض شرائح ارستقراطية النقابات والعمال مع البرجوازية الكبيرة وبعض الإقطاعيين ذوي الكلام التقدمي كميل بعض العمال إلى البرجواز بل صارت فيه سمات سياسية الدولة الامبريالية ثم انتهى في فترة بلير وبراون 1995 2010 الامريكية الدعم الى حالة صار فيها معرقلاً أو رافضاً أو معاديا لكثير من تفاصيل حقوق الانسان في الإسكان والتعليم والصحة و لنفوذ وحقوق النقابات والقوميات وداعماً للاحتكارات التجارية والامبريالية وداعماً لتغيير التقاليد الانجليزية في الثقافة العامة والثقافة السياسية والثقافة القانونية بتقاليد طلطميس أو هردبيس رجحت منطق الفوضى والشبحان والتلتيق الأمريكي.
في تاريخه تجده باسم القطاع العام يدعم الاقتصاد الرأسمالي أو بإسم تشجع الرأسمالية الوطنية يتعسف ضد الحقوق النقابية والعمالية أو بإسم الأوربية أو العولمة يهاجم الحقوق العمالية وأوضاع الإنتاج الرأسمالي الصغير!
2- حزب المحافظين:
تحالف لفئات من البرجوازية الكبيرة وبقايا الاقطاع، مع سنود امبريالية تجسد أوله في "جمعيات المحافظين" التي تضم كبراء المناطق والأعمال التجارية وكان انتظامها السياسي الليبرالي بعد أكثر من مائة واربعون عاماً من غزو وثورة وانقلاب 1689 وبعد فترة من فقدان بريطانيا ضرائب وثروات أمريكا وعامين بعد بداية "إصلاحات بيل" (1830) التي نظمت بشكل متكامل أمور الحكم والضرائب والخدمات وانتخاب الحكومات المحلية والبرلمان ورئاسة الحكومة المركزية لأول مرة في تاريخ بريطانيا منذ أيام تحكم يوليوس قيصر 54 ق.م.
بعد عشرة أعوام غادر كثير من الإقطاعيين حزب المحافظين بأسباب شتى أشهرها قانون الضرائب على انتاج الحبوب 1846 وهي مغادرة تؤشر إلى تميز ساد الحزب آنذاك لكبار البرجواز أصحاب الأعمال والتجارة والدخل الرأسمالي على الإقطاعيين أصحاب الأراضي الزراعية و الدخل الريعي.
آنذاك لم تكن هناك منافسة حزبية جادة على لمور الحكم بل كانت غالبية التآلفات والانتقادات مبنية على خبرات وآراء شخصية حتى ظهر بنيامين دزرائيلي عام 1870 الذي وسع الاتجاهات العسكرية للسيطرة على العالم وبداية محاولات تروم السيطرة على
التجارة الخارجية وزيادة استثمارات الشركات الإستعمارية لشرق الهند وغرب الهند وغرب وجنوب افريقيا.
في سبيل تنظيم أمور الإقتصاد والدولة والإدارة أسس دزرائيلي مكتب المحافظين المركزي الذي بفضله أو بسيطرته بدأ تحول تنسيق جمعيات المحافظين إلى حزب كبراء يواجه نموء مطالب وتنظيمات وأفكار الفئات العمالية المتقدة بنجاح الثورة الفرنسية والغاضبة بكسر كومونة باريس وغيرها من الكميونات.
اضطرت أعمال جبروت وخبث قوى المحافظين الكادحين إلى تأسيس "حزب العمال" وبتأسيسه تم تغيير كينونة الحركة العمالية البريطانية التي قويت في اوج الثورة الصناعية فبالتأسيس تم تحويل طاقة الكادحين من طاقة ثورية صدامية إلى طاقة سياسية عروتها الكلام والأوراق والوعود والتأجيلات والتبريرات والانتظار والشكوى من تحيز الإعلام ومن سيطرة وقسوة الكبراء وتكرار المطالبة بألف باء تاء وثاء الحقوق والمعيشة والحياة.
بالتعاون مع الأمريكان منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين نجح حزب المحافظين في السبعينيات في تحويل حزب العمال وتلتيقاته البرجوازية الصغيرة من سمة الهجوم إلى سمة الشرح والدفاع وانتهى به منذ عهد بلير إلى خانة الكلام السياسي اللاعمالي والرأسمالي مع تفاوت بين تيارات كل اتجاه.
في تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين وفي فترة الحربين العالميتين الأولى الثانية نجحت تكتيكات المحافظين في ثلم النشاط الثوري العمالي ثم في ثلم النشاط السياسي العمالي وتحويله الى واجهة سياسية جديدة لرأسمالية النظام الليبرالي رغم أنف المادة الرابعة في وثيقة تأسيس حزب العمال وفي الختام نجح حزب المحافظين في فرض وجود امبريالي قوي لبريطانيا في العالم ووجود ضعيف لقوى وهيئات العاملين داخل بريطانيا.
قام المحافظون قبل وبعد تكوين حزبهم وحزب العمال باطفاء كل جولات الانتفاضات الثورية العمالية في بريطانيا التي تكلمها ماركس وفي آخر كل جولة من العنف الدموي والمعنوي كان المحافظين يمنحون قوى عمالية انتصاراً صغيراً زيف مواشجا له سحق امكانية نجدد الانتفاض العمالي لأعوام قادمة كما تم في فترات مختلفة اكبرها بين خمسة وعشرة أعوام منذ القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين وأزمة 1986.
كان المحافظين يستخدمون كل الوسائل لهزيمة نضال الكادحين مع احالة اخر كل جولة منه الى نظام الانتخابات الليبرالي الذي يمنع التمثيل المباشر لفئات الكادحين في العمل كالعمال والعمال الزراعيين والرعاة وصائدي الأسماك والحرفيين والمهنيين كما يمنع التمثيل المباشر لمجتمعات العمل العام كمجتمع الأكاديميين ومجتمع الجمعيات التعاونية ومجتمع النقابيين ومجتمع العسكريين ومجتمع الإعلاميين ومجتمع التجار ومجتمع الرأسماليين ومجتمع المهاجرين والمجتمع العدلي الخ. بل نظام تمثيل جغرافي يخلط المصالح وانتقاء بواسطة اقوى النخب في مجال السكن المصمم سياسيا بحيث تكون فيه الفئات الكادحة قليلة العدد والنفوذ أو كثيرة في منطقة واحدة او منطقتين.
بشكل عام نجحت جماعات المحافظين خلال مئتي عام في المحافظة بمختلف الأدوات الداخلية والعالمية على سيطرة الكبراء على معيشة غالبية الناس ومنع تحول إدارة الدولة البريطانية من أيدي أقلية الكبراء والميسورين الى أيدي غالبية الناس الفقراء والمساكين في كل فئات الكادحين.
3- أسئلة مهمة لكشف طبيعة الحزبين ومستقبل الناس في حالة حكم أحدهما:
1-- في مجالات الإسكان والتعليم والصحة وتخفيض ساعات العمل كم هي نسبة القرارات المنحازة مباشرة للعمال والعمال الزراعيين وعمال الخدمات في جملة قرارات الحزب في فترة الخمسة سنوات الماضية وفترة الخمسة سنوات القادمة؟
2- كم هي إعانة الجمعيات التعاونية؟ وكم هي نسبة زيادة الضرائب على الأنشطة الرأسمالية والمترفين؟ وكم الإعفاءات الموجهة لهم؟ وكم نسبة زيادة أجور الكادحين ونسبة تخفيض الضرائب والرسوم عليهم؟
3- كم هو الإنفاق الخدمات العامة في الإسكان والتعليم العام والصحة وكم هوالإنفاق على أجور الموظفين والعسكريين؟ وعلى أجور الممرضين والأطباء والمعلمين؟
4- حجم الإنفاق على التسلح وحجم تعويض المستعمرات السابقة ودعم تنميتها؟
5- ما هي أهم أخطاء حكومتكم السابقة وما هو إصلاح كل خطأ؟
6- ما هي اجراءاتكم القادمة لدعم حقوق الفلسطينيين ولدعم السلام في أوروبا ولفتح مجالات اكثر للتعايش والهجرة بين الدول؟
7- ما هي خطتكم لشفافية أعمال التحقيقات والأمن ذات العنصر السياسي؟
8- ما خطتكم لتنمية الاعلام؟
9- نقاطكم لتحسين معرفة وفهم وممارسة النشاط النقابي والنشاط التعاوني والنشاط الشيوعي بدلاً لحالة تهميشهم القائمة منذ اكثر من مائة عام؟
10- كم هي فروق حسابات المالية العامة في عقود المقاولات مع الحكومة وفي الضرائب؟ وكم هي حالات ومبالغ الفساد الكبير التي ضبطتها حكومتكم؟
انتهى النص