بنك الوقت ....... ضمان وامان .....وتكافل وكرامه (2)

احمد حسن عمر
2024 / 6 / 23

القيم الخمسه لبنوك الوقت
اعداد
الدكتور / احمد حسن عمر
وشهدت ثمانينيات القرن الماضي ظهور بنوك الوقت المعاصرة تجسيدا لفكرة من ابتكار أستاذ القانون الأمريكي المتميز إدجار كاهن، الذي أسس أول بنك للوقت في ميامي بفلوريدا في منتصف الثمانينيات، ونجح من خلاله في إعادة بناء الشبكات الاجتماعية واستعادة دعم الجيران لبعضهم في استجابة موفقة لتخفيض الإنفاق بالولايات المتحدة وانهيار الإيمان بالنظم البنكية القائمة على الديون.
كما تعلمت مدينة بكين ومقاطعات أخرى في الصين من تجربه "بنك الوقت" من أجل حشد الناس للمشاركة في الخدمات التطوعية لرعاية المسنين وإدارة المجمعات السكنية، و أشار تقرير عمل لحكومة بلدية بكين بأن تطوير نموذج "بنك الوقت" لمساعدة كبار السن لرعاية بعضهم البعض يعتبر أولوية ضمن برنامج أعمال حكومة المدينة، حيث يمكن للمتطوعين تخزين "ساعة من عُملة الوقت" في حسابهم بـ"بنك الوقت" مقابل ساعة واحدة من خدمات الرعاية التي يقدمونها، ويمكن استبدال العملة الوقتية بخدمات تتعلق بخدمات المعاشات التقاعدية ذات الصلة، كما يمكن تقديم هدايا للأقارب، أما إذا تم تخزين أكثر من عشرة آلاف ساعة خدمة تطوعية، فيمكن للشخص الانخراط في خدمة المؤسسات التقاعدية العامة.
في عام 2018، أوصت مجموعة من اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بأن تتبنى الهند خطة “بنك الوقت”. بعد ذلك، ورد أن ولاية ماديا براديش أصبحت أول ولاية هندية تفتح بنك الوقت في عام 2019، وفي سنة 2021 انتسب إليها 500 عضو جديد.

وضع كاهن خمس قيم أساسية لبنوك الوقت، باعتبار ان جميع البشر تمثل أصول ولديهم من المواهب والمهارات ما يمكن أن نساهم به في خدمة الآخرين؛ ومن ثم فان إعادة تعريف العمل، بأن من الأعمال ما لا يقدر بثمن كتوثيق العلاقات، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتماسك الأسري، والعمل على استدامة كوكــــب الأرض؛ ويليها التــــبادل، المتمثلة في الأخذ والعطاء، ؛ ثم الشبكات الاجتماعية والتي تعني أن الناس في حاجة لبعضهم البعض، أما القيمة الاخيرة، فتتمثل فى الاحترام، فكل شخص في هذه البنوك محترم ويشكل قيمة كبرى مهما كان تواضع مهاراته أو طبقته الاجتماعية، بغض النظر عن دينه وانتمائه،
حيث تساعد هذه البنوك المتطوعين على استكشاف قدراتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم عندما ينجحون في إتمام مهمة، كما تقدم حلولا لمن يعانون البطالة أو لا يجدون من المال ما ينجز لهم الأعمال التي يرغبون القيام بها.
نتميّز الشعوب العربية بأخلاق هذا المفهوم المتمثل فى التّضامن والتّكافل الاجتماعي، وأشدُّ شعوب العالم نخوة وشهامة؛ لكن هل بمقدورنا أن نضعه بقالب منظّم ونديره بكفاءة قادرة على إنجاحه كي نستفيد منه جميعاً بشكل منضبط وعادل كما هو الحال بالمجتمع السّويسري أو بأيٍّ من الدّول المتقدّمة؟
قيل يا رسول الله: «من أحب الناس إلى الله؟»، قال صلى الله عليه وسلم: (أنفعهم للناس، وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تُدخله على مؤمن، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ أحبَّ إليَّ من أن أعتكف شهرًا في مسجد، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).
تم في العاصمة الاردنية عمان إطلاق أول مبادرة تطوعية لاستثمار الوقت عن طريق خبير التنمية المهندس خالد الطراونة صاحب الفكرة، حيث تهدف الى خلق شراكات بين مختلف فئات المجتمع لانجاز الاعمال وتلبية الاحتياجات المتبادلة في اطار برنامج يستثمر الوقت بدل المالي، حيث
تسمح مبادرة " بنك الوقت " للجميع بتبادل الخدمات لقضاء حاجاتهم الملحة دون الاضطرار لدفع المال او الاجور وذلك لعدم توفر المال لدى الجميع ولا يمكن للحياة ان تتوقف"، ونهدف الى نشر ثقافة العمل المتبادل لدى المجتمع من خلال بناء أكبر شبكة تفاعلية بين أفراد ومؤسسات المجتمع لتعظيم قيمة الوقت في الأردن وبحيث يتم تفعيل أخلاقيات الوقت بين أفراد ومؤسسات المجتمع بتعزيز التوعية بالمسؤولية الاجتماعية وخلق آلية العمل التطوعي، مع إمكانية إصدار كشف حساب ( شهادة ) تبين عدد الساعات التي تم قضاؤها في خدمة المجتمع، والبنك كمؤسسة غير ربحية لايهدف إلى الاستفادة ماديا من المتطوعين أو المنظمات غير الربحية، لكن قد يتم فرض رسوم رمزية لضمان استدامة الخدمات على ان يكون مصادر الدخل الربحي للبنك من خلال خدمات تُقدم لجهات مختلفة في مراحل متقدمة
قصة المسنين في مصر قصة موجعة، خاصة الرعاية الإنسانية التي يجب أن تتوفر لملايين، فقد أكدت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في أوائل 2021، أن عدد المسنين (60 سنة فأكثر) قد بلغ 6.8 مليون مسن بنسبة 6.7٪ من إجمالي السكان، ومن المتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 17.9 ٪ عام 2052، الرقم ضخم وهو في طريقة للزيادة، والمأساة تحتاج إلى أفكار من خارج الصندوق، واعتقد ان بنك الوقت قد يكون احد الحلول المجربة والناجحة من خلال تجارب بعض الدول مثل سويسرا التي أنشأت ذلك بنك الوقت كضمان اجتماعي للناس، حيث يفتح كل راغب فى الاشتراك فيه حساب زمن بحيث يحسب له الزمن الذى يقضيه فى الخدمة الاجتماعية خصوصاً خدمة المسنين والمرضى الذين لا يوجد لديهم من يرعاهم أو يساعدهم من عائلاتهم، ويشترط على المشترك أن يكون سليماً صحياً وقادراً على العطاء والتواصل مع الآخرين والقدرة على التحمل، والرغبة فى تقديم الخدمات بنفس راضية وإخلاص، وعندما يحتاج الشخص المتبرع إلى مساعدة يرسل له البنك شخصاً متطوعاً من المساهمين فى البنك ليخدمه ويخصم الوقت من حسابه.. والخدمات التى يقدمها المتطوع إما تقدم للمحتاج فى المستشفى أو فى البيت كأن يرافق المحتاج للتسوق أو للتمشية أو لمساعدته فى تنظيف منزله ......الخ.

وأخيرا يمكن تلخيص فكرة بنك الوقت باستفادة الإنسان بوقته التي يتسرب من بين يديه، حيث ان لكل انسان حي مصرف يسمى الوقت ، ففي صباح كل يوم يودع الزمن او الوقت 86400 ثانية في حسابك، وفي مساء اليوم نفسه يقوم الزمن بشطب رصيد الثواني او الساعات التي فشلت في الاستفادة منها واستغلالها بطريقة سليمة ومفيدة. وبالتالي فهذا البنك لا ينقل الارصدة الى اليوم التالي ولا يسمح بكشف الحساب من غير رصيد، ففي صباح كل يوم يفتح حسابا برصيد جديد ومساء كل يوم يشطب ما تبقى من رصيد. وليس هناك مجال للعودة الى الخلف، والمطالبة بما مر، كما لا يمكنك السحب من رصيد اليوم التالي، وبالتالي علينا العيش على رصيد الحاضر. وعليك باستغلال الرصيد بطريقة تعود بالفائدة على صحتك وسعادتك ونجاحك.
والجدير بالذكر أن بنوك الوقت هي طريقة مبتكرة وفعالة لتبادل الرعاية والدعم، وباستخدام الوقت بدلاً من المال ، يمكن للأفراد تقديم الرعاية والدعم للآخرين أثناء تلقيهم الرعاية والدعم عند الحاجة، كما تساعد بنوك الوقت أيضًا في بناء مجتمعات أقوى من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية والدعم المتبادل، مع استمرار تقدم سكان العالم في العمر، ومن المرجح أن تصبح بنوك الرعاية التطوعية أكثر أهمية في توفير الرعاية والدعم لمن يحتاجون إليها.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي