|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
طلعت خيري
2024 / 6 / 17
الشأن خصوصية فردية ذاتيه، تقوقع الفرد حول اعتقادات ورغبات وأهواء وتوجهات حسب القناعة ، وليس بالضرورة ان تكون متطابقة في كل الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد ، بما ان شأن محمد ، الإيمان بالله واليوم الأخر ، فكان يرغب باستقطاب الناس لشأنه ، وهذا غير ممكن ، لان شؤون الناس من شأن الله ، كل يوم هو في شأن ، ولكي يكتفي محمد بشأنه، بالكف عن شؤون الناس ، قال الله ان أنت إلا نذير ، دورك إنذار الناس مع تركهم لشئنهم ، وهذا من باب تقليل الرغبة المفرطة في كسب الناس، التي انعكست عليه نفسيا بسبب الرافضين للإيمان بالله واليوم الأخر ، وضع التنزيل مفارقة اختلافيه بين الشأن الإيماني والشأن الميثولوجي ، عبر عدد من الأمثلة قائلا ، وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور ، ولا الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا الأموات ، ولكي ينتبه محمد الى شئن الله ، قال ان الله يسمع من يشاء ، من يشاء الاستماع الى قول الحق ، وما أنت بمسمع من في القبور ، ان أنت إلا نذير
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ{19} وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ{20} وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ{21} وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ{22} إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ{23}
كان لمحمد طموح خيالي بضم اكبر عدد من الناس الى الدعوة القرآنية ، ولكن وقته الراهن لا يسمح بذلك ، فعندما يكابد الواقع يصدم بكم هائل من المعارضين لتوجهاته الإيمانية ، والسبب لان شأنه في وادِ ، وشؤون والناس في وادِ أخر، فيصاب بالإحباط ، وزعزعه في الإيمان، فيعتليه الشك بما أوحي إليه، ولكي يعيد الله لمحمد الثقة بالنفس ، أكد له على صدق رسالته ، وانه مرسل بالحق ، أنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ، وان من امة إلا خلا فيها نذير
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ{24}
ان التقوقع الفكري والثقافي والعقائدي ، حول الميثولوجيا والدين السياسي ، بلور سيكولوجية عدم الامتثال للتهديد والوعيد الدنيوي والأخروي ،لان شؤون الدينية للناس أحكمت بالرغبات والأهواء الدنيوية ، فأي رسالة جديدة تدعوا الى الإيمان بالله واليوم الأخر، تجابه بالرفض ، لان مفهوم الله الجديد ، اختلف تماما عن مفهوم الله في المعتقد المثلوجي الملائكة بنات الله ، كما ان الشؤون الدينية للناس ارتبطت بالمصالح السياسية والاقتصادية ، فتكذيب الرسل أمر طبيعي ، وان يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم ، جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ{25}
ان التهديد بالعذاب الدنيوي ، يصب في مصلحة المجتمع بشكل عام ، للانتباه الى المرتكزات الاقتصادية والمعيشية قبل الانهيار المفاجئ ، فالميثولوجيا والدين السياسي ليس لديهما الوعي الكافي لأدراك جدية التهديد ، لأنهما أنهكا المجتمعات بالسياسة والاقتصاد وبالرغبات والأهواء والملذات الدنيوية ، المحفوفة باسم الله ، لذا استبعدوا العذاب من الله ، ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{26}
وضح الله لمحمد مفهوم ان أنت إلا نذير ، عبر ألوان الثمار والأنعام والدواب والجبال ، كأمثلة على اختلاف شؤون الناس التي لا يمكن تغيرها إلا بالإرادة الفردية ، وكآلية توحي له انه مهما حاول حث الناس على الإيمان بالله واليوم الأخر، لن يستجيبوا إلا بإرادتهم ، وهذا من باب لإزالة الجهد النفسي عنه ، وإخلائه عن مسؤولية الرافضيين للإيمان بالله واليوم الأخر، قال الله ، لم تر يا محمد تر رؤية واقعية ، ان الله انزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ، ألوان الثمار المختلفة توحي الى اختلاف شؤون الناس ، مثل أخر على ألوان الطبيعية ، ومن الجبال جدد بيض وحمر مخلف ألوانها وغرابيب سود ، وألوان أخرى كألوان البشر والدواب والأنعام ، الدواب هي الحيوانات التي تعتمد على نفسها في الحصول على غذائها ، أما الأنعام هي الحيوانات التي يهتم الإنسان بتربيتها، مختلف ألوانه كذلك ، إنما يخشى الله ، يخاف الله من عباده العلماء، ليس علماء الدين أهل العمائم والصلبان ، إنما كل فرد اكتسب علمية الإيمان بالله واليوم الأخر ، هو عالم بالله ، ان الله عزيز غفور
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{27} وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ{28}
أثنى الله على الذين امتثلوا لدعوة الحق المستجيبين لشأنه قائلا ، ان الذين يتلون كتاب الله ، يتلون كتاب القران سواء كان تلاوة فردية أم جماعية ، وأقاموا الصلاة وانقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ، الإنفاق السري يخص الطبقة الفقيرة والمتعففة ، والإنفاق العلني يخص الاستعدادات العسكري، يرجون تجارة لن تبور، لن تفسد ولن تكسد لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ليوفيهم أجورهم ويزدهم من فضله ، انه غفور شكور ، غفور لمن أراد المغفرة ، شكور لمن امتثل لشأنه
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ{29} لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ{30}