|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
خالد الخفاجي
2024 / 6 / 9
غالبا ما ينظر إلي جود ثروات طبيعية هائلة في بلد ما على انه نعمة ونقمة في ذات الوقت، نعمة عندما تكون تحت إشراف سلطة قوية ونزيهة، تتمتع بالكفاءة والقدرة على تسخير عائداتها في تنفيذ الخطط التنموية ونقل البلاد من حالة الخمول والركود إلى حالة النمو والرخاء، ونقمة (خاصة في الدول النامية ومنها العراق) عندما تكون هذه الثروات سببا لشيوع الفساد نتيجة ارتخاء قبضة السلطة وضعف إجراءاتها الرقابية والقضائية، وانفلات زمام سيطرتها على الأرض وضعفها في إنفاذ القوانين، فتتحول مكامن الثروات الطبيعية إلي بؤرة من بئر الصراع بين أباطرة الفساد وتجار الحروب للاستحواذ عليها، ومن جهة أخرى، فأن سهولة الإنتاج وقلة التكاليف وسرعة جني الريع من الثروات الطبيعية يحفز الحكومات على إهمال كل القطاعات الاقتصادية الأخرى، وإهمال مقومات التنمية، والاعتماد بشكل رئيسي على ريع الثروات الطبيعية لتشكل معظم عائدات الدولة، وبالتالي يكون اقتصادها رهينة التقلبات السياسية والاقتصادية المحلية والدولية.
ويعد قبول عضوية العراق في مبادرة الشفافية للصناعات الأستخراجية (IEITI) نهاية عام "2012" خطوة رائدة تخطوها الحكومة العراقية لتطويق هذه المشاكل في القطاع النفطي واثبات حسن نواياها في مكافحة الفساد الذي ارتفعت مؤشراته بشكل مريع، خاصة إن عائدات القطاع النفطي تشكل "95٪" من مجمل دخله القومي، وجاء قبول عضوية العراق بعد أن استوفت الحكومة جملة من الشروط، تمثلت بتعهدها بإصدار بيان عام واضح وصريح يفيد بعزمها على تنفيذ بنود المبادرة، والالتزام بالعمل مع منظمات المجتمع المدني والشركات على تنفيذها، وتعيين شخصية رفيعة المستوى لقيادة فعاليات تنفيذ المبادره، بالإضافة إلى إنشاء تحالف من أصحاب المصلحة للإشراف على تنفيذ المبادرة والاتفاق على منهاج عمل متكامل يتضمن أهدافا قابلة للقياس وجداولا للتنفيذ، وتقییما للقيود المحتملة على القدرات، ونشرها في تقارير سنوية أمام الرأي العام، وبموجب هذه الشروط تكون الحكومة قد منحت مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية تفويضا بتعزيز الشفافية عن طريق إجراءات المراقبة الشاملة لحسابات القطاع النفطي من ناحية العائدات والإنتاج وإدارة العمل. وتكمن أهمية المبادرة كونها تساهم في ترسيخ معايير النزاهة والشفافية، وخفض مؤشرات الفساد من خلال الرصد الكامل لكميات الإنتاج وتكاليفه وعائداته، كما وتعزز المناخ الاستثماري الذي يشجع على تدفق الرساميل المحلية والأجنبية للاستثمار في القطاعات الاستخراجية، وكانت من قطاف هذه المبادرة، إن شرعت وزارة النفط بنشر كافة برامجها وخططها إلى الرأي العام ليكون على إطلاع تام بعمل الوزارة، وإصدار تقارير شهرية وسنوية توضح كميات الإنتاج والمبالغ المستحصلة، خاضعة للتحليل والتدقيق والمساءلة من تحالف أصحاب المصلحة، وهذآ ما يشكل علامة اضحه على اجراءات الوزارة في توثيق إيراداتها، كما كان للمبادرة الفضل في نصب وزارة النفط "5000" عداد في مستودعات الخزن وخطوط النقل الرئيسية للنفط، وساعدت تقارير المبادرة في الكشف عن المخالفات المالية ورسمت خارطة طريق لإصلاح حقيقي لقطاع النفط والغاز وترسيخ إجراءات الحوكمة المؤسساتية، ومهد تنفيذها الطريق أمام إصلاحات أوسع نطاقا، مثل إدارة المالية العامة وتقوية المؤسسات الحكومية التي تنظم القطاع.
المبادرة حققت الكثير من النجاح وذلك بجهود أمين سرها السيد "علاء محي الدين" وسعيه الدؤوب لتنمية وتأهيل القدرات البشرية لمنظمات المجتمع المدني والكوادر الصحفية والإعلامية المشاركة في المبادرة وإعدادهم إعدادا جيدا لمتابعة ومراقبة تطبيق معايير منظمة مبادرة الشفافية الدولية في العراق من خلال المؤتمرات والدورات وورش العمل داخل وخارج العراق، كان آخرها ورشة العمل التي أقيمت في مبنى وزارة النفط في الثالث والرابع من الشهر الجاري بحضور سكرتير عام المنظمة الدولية السيد "أيدي ريتش" وأصحاب المصلحة، ولمسنا عن كثب جدية المبادره في الحفاظ على المال العام، ومع هذا فهناك العديد من المعوقات تقف حائلا في تنفيذ مهامها على أكمل وجه، منها إنها لا تتوفر لديها أية بيانات عن حجم الإنتاج والإيرادات في إقليم كردستان، وهذا ناتج عن رفض الإقليم التعاون مع المبادرة، وتقديم الإقليم بيانات متباينة مع بيانات الحكومة المركزية من ناحية حجم الإنتاج وإيراداته، وهذا التباين كان احد أسباب عدم إقرار الموازنة العامة لهذه السنة لحد الآن، كما اقتصر تطبيق المبادرة على قطاع النفط والغاز فقط، وأغفلت قطاع التعدين، مع إن العراق يزخر بثروات معدنية عديده أهمها الفوسفات والبوتاسيوم والكبريت الذى كان العراق يحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث الإنتاج، ولا تتوفر للمبادرة أية معلومات عن حجم الإنتاج والإيرادات.
عموما، المبادرة ما زالت تحبو في مسيرتها لتنفيذ معايير مبادرة الشفافية الدولية وعدم مسايرتها في كل إجراءاتها وتعليماتها لخفض مؤشرات الفساد، الا إننا مازلنا نمني النفس بان تكون اكثر جدية في تنفيذ اجراءات النزاهة والشفافية الموصوفة في مبادرة الشفافية الدولية وتعميم إجراءاتها على كل أجزاء العراق, بما فيها اقليم كردستان، وعلى كل ثرواته الطبيعية دون استثناء.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |