نطالب امانة بغداد الفاشلة بالاهتمام بمجرى نهر دجلة

سعد السعيدي
2024 / 6 / 8

قبل الولوج في الموضوع لابد من التوضيح بان مشاكل الانهار لا تتعلق فقط بالعاصمة، وإنما هي مشاكل تعاني منها كل مدن العراق. لذلك يمكن لهذه المقالة ان تكون دليلا للتطبيق على كل انهاره.

يعاني نهر دجلة الخالد معلم العاصمة من الاهمال الشديد من لدن امانة العاصمة التي لم نعد نعرف ما يكون عملها في الحقيقة. فهي امانة فاشلة بكل المقاييس وشديدة الفساد. فامناؤها لا يهتمون الا بقبض الراتب في نهاية كل شهر وتعيين اقاربهم في دوائرها ولا يقومون باي عمل مفيد. وكلنا يتذكر مسلسل الفاشلين الذين توالوا على تبوؤ سدتها حيث لم يكن اي منهم من يستحق الذكر. وإلا فبماذا يمكن ان نفسر الاهمال الواضح لاحد اهم معالم العاصمة بغداد ؟ إن إهمال معلم العاصمة هذا يشير الى ان محتلي منصب الامانة هم ليسوا إلا واجهات لخدمة الاهداف السياسية لذاك الذي اتى بهم الى هذا المنصب.

لا يمكن ربما تعداد المشاكل التي يعاني منها النهر مما ورثناه من العهود السابقة. إذ يبدو ان الاسلاميين ومن خلال إهمال النهر وكأنهم يريدون الانتقام من اهل المدينة. إذ لا يمكن عدم الاستنتاج من انهم قد ورثوا اساليب التعامل مع اهالي المدينة من اساتذتهم البعثيين ما شاء الله.

إن انهار اي بلد تعكس منظر البلد ومدنه الحضاري والجمالي. وهو ما نراه في بلدان العالم المتقدمة، إلا في بلدنا. إن ما يلاحظ من مظاهر إهمال نهر دجلة الشديد هو كثرة الحشائش والطحالب على جوانب مجراه في المدينة. كذلك فهناك الروائح الكريهة التي يشعر بها كل من يقترب من حواف مياهه عند مثلا شارع ابو نؤاس. ويمكن رؤية مخلفات صناعية عند بعض جوانبه مثل الزيوت وربما نفوطا والتي لا يعرف احد مصدر تسربها. ايضا هناك الجزر الرملية التي تظهر عند كل انخفاض لمنسوب النهر عند اقتراب فصل الصيف. هذه كلها هي من علامات الاهمال الذي يعاني منه النهر مما ورثناه من الانظمة السابقة ومما ما نزال نرى تكراره مع امناء هذا الزمان.

إننا نرى بانه قد حانت لحظة الاهتمام بالنهر والعمل على المحافظة عليه من خلال مجموعة من الاجراءات.

لابد بداية من رفع الحشائش والطحالب من جانبي النهر بالكامل. وهذه يمكن القيام بها من قبل ملاكات الامانة لوحدها او بالتعاون مع مجاميع المتطوعين الحريصين. كذلك يتوجب تنظيف شواطئه وحتى مياهه القريبة منها من كل انواع القطع الحادة كشظايا الزجاج. بعد ذلك يجب القيام بكري قاع النهر لاعادته الى مستوى ما من العمق. ويجب الانتباه الى انه لا يمكن اجراء هذا العمل بشكل عشوائي. إذ لابد من القيام به وفق رأي ذوي الاختصاص الذين سيشيرون الى العمق الملائم. ومع الكري يتوجب ازالة الجزر او القيعان الرملية العالية خصوصا تلك الشهيرة عند جسر الجمهورية من جهة الجنوب. فظهورها قبيل كل صيف يشير الى وصول قاع النهر الى مستوى سطحه تقريبا ويكون امرا غير مقبول بالمطلق. وهو قطعا لم يكن هكذا في الفترة العثمانية عند بداية القرن الماضي، هذا إن اعتمدنا تلك الفترة كمقياس. هذه الجزر الرملية المتناقصة العمق تشير الى حجم الاهمال الذي عانى وما زال يعاني منه نهر دجلة. والكري يجب الا يحدث فقط ضمن حدود مدينة بغداد فقط، وإنما يتوجب ان يمتد لبضعة كيلومترات شمالها وجنوبها. فهذا العمق المبتغى يمكن ان يسحب المياه الزائدة للفيضانات والسيول مثلا مشكّلا خزانا لمياهها وإن بشكل محدود عند الحاجة. ولكي يعطي هذا الاجراء ثماره فلابد من تطبيقه على كل النهر في كل العراق وليس فقط في جزء بغداد منه. لكن لابد من البدء في بغداد اولا. كذلك فإن لكري النهر تأثير نفسي كبير على سكان العاصمة. إذ بازالته لهذه الجزر فانه في السياق يكون قد ازال فكرة الجفاف عن اذهان الناس. إذ ان لكل ظهور للجزر الرملية والتي تمثل اعلى قاع للنهر ولكونها الجزء الاسرع ظهورا في الصيف خصوصا مع اخبار قطع المياه من بعض الجيران يكون الاستنتاج العام هو ان نهر دجلة ذاهب الى التلاشي. ويجب الانتباه قبل المبادرة بالكري الى فحص قاع النهر بجهاز كاشف للمعادن اولا. إذ لا يمكن تصور عدم لجوء البعض من ذوي النفوس الضعيفة الى تحويل النهر الى مكب ما. فما يزال غزو العام 2003 والاحداث التي تلته ماثلا في الاذهان عندما قام البعض من افراد النظام السابق برمي اسلحتهم في النهر قبل هروبهم والتي لا نعلم إن جرى رفعها كلها.

ايضا بشأن نفس هذه الجزر الرملية والطينية فهناك منها ما يتواجد بمحاذاة حافة النهر عند منطقة الدورة جنوب بغداد ومع بعدها. وبسبب حجم هذه الجزر الكبير والممتد على طول النهر والتي من بينها جزرا معروفة فإن وجودها بين حافته حتى وسطه تقريبا يعني ان قاع النهر من الجهة الاخيرة هو ايضا قريب جدا من سطحه. وتزايد حجوم هذه الجزر بفعل الترسبات الطينية يمكن ان يؤدي مستقبلا الى طمر مجرى نهر دجلة ! وهو ما لا يمكن القبول به. لذلك يتوجب القيام بعملية كري لدجلة في تلك الاماكن ايضا. ومرة اخرى فإن مثل هذا العمل هو مما لا يمكن القيام به بشكل عشوائي من دون رأي ذوي الاختصاص فيه. ويجب كذلك الانتباه الى ان هذه الجزر مع تواجدها قرب وسط النهر وتسببها بتضييق مجراه فإنها تؤثر على سرعة جريان مياهه فيه. وكلما قلت سرعة جريان مياه النهر تزداد عكسيا سرعة ترسب الاطيان في قاعه، والعكس بالعكس. لذلك يجب الانتباه الى هذه المعادلة لدى اتخاذ قرارات الابقاء على هذه الجزر مع كري النهر او تقليص حجمها او حتى ازالتها كليا.

ايضا مع عملية الكري يتوجب الانتباه الى جزء النهر جنوب القصر الجمهوري. فقد اقدم النظام السابق ومن ضمن هوسه الامني على توسيع الارض عند شاطيء النهر جنوب القصر. وهو قد قام بهذا العمل بهدف زرع الاشجار فيها بكثافة لحجب القصر من جهة النهر. وتوسيع تلك الارض لم يحصل كما سيحدسه القراء إلا على حساب عرض مجرى النهر، وهو كان تجاوزاً غير مقبول. لذلك فنحن نرى بوجوب اعادة النظر بهذا التوسيع بهدف ازالته او تقليصه حفاظا على مجرى النهر.

بموازاة التخطيط لكري النهر والقيام به لابد من الانتباه الى البيئة المائية لنهر دجلة. إذ اننا قد ذكرنا في بداية المقالة امر الروائح الكريهة التي يشعر بها كل من يقترب من حواف مياهه عند مثلا شارع ابو نؤاس. هذه الروائح التي لا نعرف مصدرها يمكن ان تكون من نواتج رمي نفايات المصانع في النهر او من مخلفات مياه الصرف الصحي. هذه النفايات يمكن ان تصل الى الاسماك وبالنتيجة الينا نحن لدى تناولها. فلابد لهذا من العمل على تنظيف مياه النهر. سيتصور البعض ربما بان العملية سيشوبها التعقيد وستكون مكلفة. إلا اننا قد علمنا من خلال البحث بوجود اساليب بسيطة وغير مكلفة لتنظيف مياه الانهار. هذه الاساليب تتمثل في استخدام نباتات معينة لهذا الغرض. من هذه النباتات ما يمتص نفايات المصانع واخرى تمتص مخلفات الصرف الصحي حيث تتغذى عليها وثالثة تقضي على بكتريات معروفة من تلك التي تتسبب بالامراض المعدية. وثمة نباتات مما اكتشفنا ايضا تمتص حتى المعادن الثقيلة، واخيرا هناك نباتات تمتص او تحجز حبيبات البلاستك الشديدة الصغر من مخلفات النشاط الصناعي. ويكفي البحث في الشبكة للتأكد مما اوردناه هنا. ولابد من اجراء الفحص للمياه لتحديد هذه النباتات قبل وضعها في اماكن مختارة اعلى النهر لضمان اعلى منفعة من العملية. ويمكن حتى وضع هذه النباتات عند مصادر التلويث النهري لمنع انتشار هذه في النهر لحين معالجة هذه المصادر.

إن بدأت امانة العاصمة بهذه الاعمال في القيام بواجبها في الاهتمام بنهر دجلة، فاننا نكون قد بدأنا بجعله ليكون معلما حقيقيا للمدينة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي