شرطة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - تتنكر فى شكل- المطوعين -

منى نوال حلمى
2024 / 6 / 3

شُرطة " الأمر بالمعروف " و " النهى عن المنكر " تتنكر فى شكل " المطوعين "
===============================================

مقال الأستاذ / طارق الحريرى ، فى المصرى اليوم ، السبت 25 مايو 2024 ، بعنوان
" انتبهوا أيها السادة " ، يثير القلق ، والغضب . فاذا كانت كل المعلومات التى ذكرها بالتفصيل ، دقيقة ، وحدثت بالفعل ، فى محمية وادى دجلة ، فاننا أمام خطر حقيقى ، يستدعى التدخل السريع ، لاستئصاله قبل أن يستفحل .
منذ أيام ، جاء صحفى ، الى المحمية ، برفقة رئيسة قسم الاخصائيين النفسيين ، فى أحد المستشفيات المصرية الحكومية ، من أجل مهمة علمية ، خاصة بوظيفتها ، فالمكان بيئة صحية هادئة تصلح لاستشفاء المرضى .
تقدم منهما موظف الاشراف ( واحد من المطوعين ) ، وبعد أن أخذ تذاكرهما ، سأل الصحفى اذا كانت المرأة برفقته ، زوجته . وقال لهما : انتِ مسلمة غير محجبة ، وأنت مسيحى ، وده مينفعش ، اتفضلوا اخرجوا من المحمية . جادلاه بأن هذا ليس من حقه . رد عليهما : " بعد الساعة الرابعة ممنوع لغير المتزوجين ، واذا لم يخرجوا سيلبسهم تهمة ".
يعبر الأستاذ / طارق الحريرى ، عن استيائه من هذه الواقعة ، التى سبقتها وقائع مماثلة ،
حيث ينصب " المطوعين " ، أنفسهم " شرطة خاصة " تقوم بالوصايا الدينية ، والتفتيش عن تطبيق شرع الله ، واقتحام الخصوصيات فى الأماكن العامة ، موضحا أنها ظاهرة ، اختفت من العالم العربى ، ووصلت الى مجتمعنا .
أقرأ المقال ، غير مصدقة أن هذا يحدث فى مصر . هل تحولت محمية وادى دجلة ، الى
" ولاية " دينية ، أو " امارة " اسلامية ، بدون علم أو موافقة الشعب المصرى ، الذى نزل 30 يونيو 2013 ، بالملايين فى أضخم ثورة شعبية ، ليؤكد على تشبثه بالدولة المدنية ، وأن الحكم الدينى ، مطرود ، بلا رجعة .
ما هذا الانتهاك الصريح الفج العلنى ، فى وضح النهار ، لخصوصيات المواطنين ، والمواطنات ، والمنصوص عليها فى الدساتير المحلية للدول المتحضرة ، وفى المواثيق الدولية ؟؟. وهذا ينطبق على الدستور المصرى 2014 ، الذى ينص فى المادة 59 :
" الحياة الآمنة حق لكل انسان ، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ، ولكل منْ يقيم على أرضها ". هل ما حدث فى محمية وادى دجلة ، له علاقة من قريب أو من بعيد ، بالحياة الأمنة ؟. وهل كلام وتصرفات موظف الاشراف ( من المطوعين ) ، يوفر الأمن والطمأنينة للمواطنين ؟. أم يسبب الارهاب ، والفزع ، والاهانة ، وسحق الكرامة ، واغتيال المواطنة ؟؟ ، وبالتالى ، يعد تجاهلا ، واستهانة ، واستهزاء ، بالدستور المصرى ، " كتاب
الوطن " ؟. كيف يحدث هذا ؟.
هؤلاء " المطوعين " ، الذين يقدمون طواعية هذه الخدمة المشبوهة الخبيثة ، منْ سهل لهم المهمة ، منْ وافق على وجودهم ، منْ اعتمد وظيفتهم ، منْ أطلقهم أحرارا ليقتلون مكتسبات الدولة المدنية المصرية ؟؟. هناك بالتأكيد جهة ما ، أو وزارة ما ، أو مؤسسة ما ،
فتحت لهم الأبواب على مصراعيها .
اذا كانت مؤسسات الدولة ، لا تعلم ، فهذه مصيبة . واذا كانت تعلم ، فالمصيبة أعظم .
هل تغاضت الجهة التى اعتمدتهم ، عن الارهاب الذين يمارسونه فى عز الظهر ، لأنهم
" مطوعون " ، من تلقاء أنفسهم ، ولا يتقاضون مرتبا ؟؟. أم أن هذه الجهة ، من جنود الدولة الدينية ، ومتحالفة مع الاخوان والسلفيين ، ومنْ على مزاجهم ؟؟.
ان السعودية ، التى أنفقت المليارات على مدى نصف قرن ، لتصدير الوهابية والسلفية الى مصر ، قامت بالغاء هيئة الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ، عام 2016 ، والتى أنشئت عام 1940 ، لتكون " شرطة دينية " ، تشيع الارهاب والرعب ، حيث كانت تقوم بدوريات فى الأسواق ، والأماكن العامة ، تستبيح خصوصيات الناس ، للرقابة على تطبيق شرع الله ، والتأكد من عدم اختلاط النساء بالرجال ، وأن المرأة ملتزمة بالزى الاسلامى ، والتجسس على اغلاق المحلات بالاجبار وقت الصلاة . وأعطيت صلاحيات الضبط والتحقيق والتفتيش . وبدلا منها ، تأسست هيئة الترفيه ، لرعاية وتنمية كل الأنشطة والفعاليات التى تقدم الترفيه ، كجزء أساسى من رؤية 2030 ، للتقدم والنهضة على جميع المستويات .
وفى ايران ، تم الغاء " شرطة الأخلاق " ، أو " شرطة الآداب " ، عام 2022 ، بعد تورطها فى مقتل مهسا أمينى . وقد لعبت دور الشرطة " الدينية " ، منذ 2005 ، تراقب
وتعتقل ، كل منْ يخالف الزى الدينى ، أو يرتدى ملابس غير لائقة .
الاسلام بجناحيه " السُنى " تمثله السعودية ، و " الشيعى " تمثله ايران ، قد تبرأ من
" هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " ، و " شرطة الأخلاق والآداب " . تُرى أى اسلام ، يمثله " المطوعون " ؟؟.
فى مصر ، يحق لأى شخص ، أو مجموعة من الأشخاص ، التقدم ببلاغات للنائب العام ،
ضد ناس ، باسم ازدراء الأديان ، أو التحريض على الالحاد ، أو اهانة الذات الالهية ، أو الاساءة الى الرسل والأنبياء ، أو الاستهزاء بالكتب المقدسة ، أو التشكيك فى ثوابت الوطن ، أو اشاعة الفسق والفجور ، أو انكار المعلوم من الدين بالضرورة ، أو السخرية من الشخصيات المقدسة . ومن حق النائب العام ، باعتباره " محامى الشعب " ، تحريك القضية ، أو حفظها .
لكن الملاحظ ، أن كل يوم ، على جميع الفضائيات ، ومنذ سنوات طويلة ، هناك آلاف الأشخاص ، فى داخل مصر ، وخارجها ، " واخدين راحتهم على الآخر " ، يقومون بازدراء القيم المدنية ، واهانة مفاهيم المواطنة ، والاستهزاء بمواد الدستور ، والتحريض على الكراهية والعنصرية ، وسب وقذف الفنانات والفنانين ، واشاعة التطرف الدينى ، وتكفير الشخصيات الفكرية المبدعة ، واستقباح المرأة غير المحجبة ( غير ملتزمة دينيا ) ، واستحسان تعدد الزوجات ، والقبضة الذكورية على النساء ، والتهديد العلنى لأصحاب الأفكار المختلفة ، والتشكيك فى نوايا ومشروعات ومواقف القيادة المصرية ، والجيش المصرى ،
وتوظيف " السقطة واللقطة " ، والصيد فى الماء العكر ، واستهداف الأطفال لغرس التزمت الدينى ، واجبارهم على الطقوس الدينية ، وغيرها من السماد الضرورى المسموم ، لزراعة وازدهار " الدولة الدينية " ، و " الوصاية الدينية ".
ومن أسوأ معالم الدول الدينية ، انتهاك حريات وخصوصيات البشر ، ممثلة فى الدعاية الكاذبة والتدليس ، وشغل هيئة " الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ".
وهؤلاء ، لا أحد يبلغ عنهم النائب العام ، أو يرفع عليهم قضايا ، أو حتى يفند دعاواهم ، ويكشف أغراضهم الحقيقية الممنهجة . مع أنهم الخطر الكارثى الحقيقى على مصر .
هناك ظواهر كثيرة ، لم نستأصلها من جذورها ، أو بدأنا فى التصدى لها ، بعد أن
استفحلت ، وأصبح من الصعب قطع رأس الأفعى ، التى سممت دمنا ، وحياتنا .
" المطوعين " ، محاكم تفتيش مستحدثة ، وعصور وسطى متحورة . وهى تحتاج الى
" بتر " فى أولها ، حتى لا تسرق الوطن . وعلى الدولة اتخاذ الاجراءات الفورية الناجزة ، لضمان عدم تكرارها ، ومعاقبة منْ تورط فيها ، والتوعية الاعلامية بها ، وتشجيع الناس على الابلاغ عنها .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي