|
|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |

أكرم شلغين
2024 / 6 / 2
جلست امام التليفزيون حوالي ساعة وبعدها أويت إلى الفراش، لم أستطع النوم فورا بل تسللت أفكار غريبة إلى عقلي. يا ترى، كيف ستكون الحياة بالنسبة لي لو كنت لا مرئياً؟ سؤال راق لي مناقشة بعض التفاصيل المتعلقة به فأغمضت عيني وبدأت أحاور نفسي بصوت داخلي:
"لو كنت لا مرئياً، ماذا سأفعل؟"
"أوه، الإمكانيات لا نهائية! يمكنني أن أساعد هؤلاء الذين يستنجدوا بالحجر والبشر ولا يجدون مغيث؛ يمكنني مساعدة الناس دون أن يعرفوا من ساعدهم. أستطيع أن أكون في كل مكان. تخيل أنك تستطيع الدخول إلى المستشفيات ومساعدة المرضى، أو منع الجريمة قبل أن تحدث، تخيل لو أنك تستطيع القبض على عنق من يعطي القرارات بضرب الأبرياء، لو أنك تستطيع أن تضع رسالة أمام كل متغطرس تعلمه ففيها أنك أقوى منه الآن وتنذره فيها بأن أجله قد حان ما لم يغير من نهجه ويعرف أن هذه الأرض لكل البشر ليعيشوا فوقها دون حرمان أو تسلط...!!."
"لكن، كيف سأصبح لا مرئياً؟ هل أتناقص حجماً حتى أختفي عن الأنظار، أم أبقى بحجمي الطبيعي ولا يراني أحد؟"
بدأت أتخيل الخيارات. إذا تقلص حجمي حتى أصبحت غير مرئي، قد أتمكن من الدخول إلى الأماكن الضيقة، والتسلل عبر الفجوات الصغيرة. لكن، ماذا لو هبت الرياح وأنا بهذا الحجم، أين ستحملني؟ وأيضا ماذا لو تعثرت وأصبحت عاجزاً عن العودة لحجمي الطبيعي؟ ماذا لو سُحق جسدي الصغير دون أن يشعر بي أحد؟ ستكون مخاطرة كبيرة، قد أعيش في خوف دائم من التعرض للأذى.
"أما إذا بقيت بحجمي الطبيعي لكن لم يرني البشر، ستكون لي قوة وسلطة أكبر. يمكنني التنقل بحرية، واختراق أي مكان. ولن أخاف من العودة لحجمي الطبيعي
. ولكن، كيف سأتعامل مع الوحدة؟ كيف سأتحمل عدم قدرتي على التفاعل مع الآخرين علناً؟"
تخيلت نفسي في الأماكن العامة، أستمع إلى المحادثات، أراقب الناس، دون أن يشعروا بوجودي. سأكتشف أسراراً وأرى أحداثاً لم يكن من الممكن لي أن أشهدها.
إن فعلت ما يمكنني عمل وأنا لا مرئي للوقوف بوجه طغاة ومجرمين فهذه بطولة ...ولكن لو وجدت نفسي أقتحم خصوصيات البشر؟ ماذا عن الأخلاق؟ ماذا عن التجسس وانتهاك خصوصية الآخرين؟ سيصبح الأمر متعباً ومؤلماً نفسياً
أضيع لبرهة ثم أعود لأفكر:
"ربما سأستخدم هذه القدرة لأهداف خيرة. سأكشف الـ...، وأحمي الضعفاء. ولكن، ماذا عن الجانب المظلم؟"
"سأكون قادراً على الانتقام من الظالم. سأعاقب المجرمين الذين فعلوا كذا وكذا ولم يطالهم القانون...لن يتلقوا دعوة لجزيرة كما رسم خيال أغاثا كريستي بل سأقتص منهم على الفور وسأوقف الظلم بيدي دون أن أعاقب. ولكن، هل سأبقى أنا نفس الشخص؟ هل ستحولني هذه القدرة إلى وحش؟"
بدأت أشعر بقلق يتسلل إلى نفسي. ربما لن يكون الأمر بهذه السهولة. القدرة على أن تكون لا مرئياً تأتي بمسؤوليات كبيرة. المخاطر كبيرة، وقد أفقد جزءاً من إنسانيتي في الطريق. ربما الأفضل أن أبقى كما أنا، أواجه التحديات بوضوح وأتعامل مع حياتي بواقعية، بدلاً من الغرق في الأحلام المستحيلة.
برغم حلاوة الفانتازيا لكنني لا أستطيع الذهاب أعمق بها. ربما ليست القدرة على أن أكون لا مرئياً هي ما أحتاجه، بل القدرة على أن أكون مرئيا بشكل أفضل. أن أرى الآخرين وأفهمهم بعمق أكبر، وأن أجعل وجودي ذا معنى. هذا هو التحدي الحقيقي. وبرغم مرونة الخيال في تصميم كبري أو صغري فإن صلابة الواقع في إدراك الحجم الحقيقي هو ما أحتاج. بعد نفس عميق عرفت أنني لن أختار أن أكون لا مرئياً.