|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
المنصور جعفر
2024 / 5 / 31
هذه بعض معالم وتصورات وقف الحرب وتأسيس السلام التي ألقاها بأشكال مختلفة زعماء نخبة السودان السياسية. وهي نخبة مكونة من الزعماء الحزبيين وقادة العسكريين وشيوخ القبائل وكبراء السوق والمتسيسين من التكنوقراط والبيروقراط وحتى زعماء مواليهم وسط فئات الطبقة الكادحة والطلاب.
1- من أهم معالم فهم النخبة السياسية (الحاكمة أو المتمردة أو المتطلعة أو الحالمة) لتاريخ وأوضاع البلاد إنكارها التام لحقيقة انها نخبة تحكم طبقي سياسي متسلط على معيشة وحقوق وكرامة غالبية الناس فبشكل عفوي أو إحتيالي تركز كل شريحة من هذه النخبة على تبرئة ذاتها ووصف نفسها وصفاً سياسياً لبه كذبة انها محايدة طبقياً واثنياً ومناطقياً ودولياً مع توكيد رغبتها في الحكم أو في إصلاحه مخفية أهم أخطاء سياساتها منذ تأسيسها أو تذكر بعضها مدغمسة.
2- تصويرها الحرب حادث مأساوي أو حادث اعتباطي، نشأ أيهما من خطط أو من إنفعالات شخصين أو من تصادم مشروعين نتيجة عامل طارئ أو عامل تآمري داخلي أو خارجي، أو احتباك مؤامرة أكبر. وبهذا السياق المبرئي للذمة واللائم لآخرين يبتعد زعماء النخبة في تصريحاتهم وخطبهم وأوراق هيئاتهم عن تصوير الحرب كآخر أشكال إنهيار شرعية الدولة نأهيك عن إقرارهم بمسؤولية سياساتهم عن تآكلها.
الأساس العمومي لشرعية أي دولة هو العدل وقد تراكم تآكل شرعية الدولة النخبوية في السودان في عهودها المختلفة عام 2024 بتجمع اشلاء الدولة في بضعة مدن وفي عام 2014 حينما أعلنت فشلها في مؤتمر الحوار وعام 2004 عندما نكصت عن روح مقررات اتفاق السلام عام 1994 باتفاقات فرانكفورت المستهترة بقيم المساواة والوحدة وعام 1984 مع تحول الدولة إلى جهاز قمع وفساد متكامل وعام 1974 عندما بدأت في زيادة لبرلة الإقتصاد وأواخر عام 1964 عندما بدأت تصفية ثورة أكتوبر 1964 وقبل ذلك فترة عام 1954 عندما بدأ المتعايشين مع الاستعمار الانجليزي استلام السلطة منه وقبل ذلك تآكلت شرعية الدولة فترة 1933 1944 بالضرائب العالية والتوزيع الضيق لخدمات حقوق التعليم والصحة والطرق إلخ وقبلها تأكلت شرعية الدولة فترة عام 1924 وما بعده عندما توالى الحكم الاستعماري مع زعماء الطوائف والقبائل العربية وكبراء السوق والأفندية والعسكر ضد الفئات الكادحة، وقبل بداية دولة الاستعمار عام 1899 وقبل بشاعات دولة الخليفة عبدالله الاسلامية الدامية في الفترة منذ عام 1885 إلى 1899 وقبل تلك الفترة تآكل شرعية الدولة الاسلامية العثمانية التي جمعت مظالم الإستعمار والفساد والإرهاق الضريبي والتجاري، وقبلها تآكلت شرعية الممالك المختلفة بين عامي 1504 و1821 باحتكاراتها السلطانية وانحيازاتها القبيلية، ولم يكن عام 1504 نفسه سوى آخر سلسلة أعوام إنقسامات وانهيارات ممالك الفراعنة و الكنداكات. أي أنه لم توجد فترة حكم نخبوي في السودان إلا وكانت ذات تآكلين متداخلين: تآكل طويل وعميق ممتد عبر العهود والمجتمعات والبلاد المختلفة للسودان و تآكلات قصيرة داخل كل عهد سياسي تنتهي إلى زوال معالمه الشكلية وحضور حكم ممثلين جدد للنخبة.
3- تصور ان وقف الحرب وحل الأزمة كامن في تأسيس شراكة دم جديدة مبرأة من العيوب، يدعمها من يسمونه "المجتمع الدولي". اي الجزء الفاشل المتناقض والمتصارع من النظام العالمي المنهار.
4- قيام النخبة بتبرير مشروعها لتجديد شراكة الدم بأخرى طاهرة نقية برصة أهداف نبيلة هي:
(أ) وقف المعاناة وسفك الدماء وإلغاء احتمالات زيادة الجوع والفظائع،
(ب) تحقق أهداف الثورة (حرية سلام وعدالة)،
(ج) فتح المجال لإصلاح كل المؤسسات بترتيب عبقري بواسطة نظم وعناصر "وطنية"،
(د) تحقيق تحول ديمقراطي من النوع (اللي ما يخرش الميه) الذي لا يعتريه الباطل.
شكل غير مباشر تدعو النخبة إلى تحقيق هذه الأهداف النبيلة بواسطة سدنة للمتحاربين وخونة للثورة وشركاء بالعجز أو الصمت في تآكل أو تدمير المؤسسات أو رافضين لتحكم الهيئات النقابية وقواعد المحليات وفئات الكادحين في امور الحكم.
5- قيام النخبة بتأجيل/إلغاء مطالب الثورة الثلاثة (= المدنية والمحاسبة وتحسين المعيشة) وتبديلها بتشكيل حكم يسوقونه و يسوغونه باسم "جبهة عربضة" وهو اسم مموه لتحالف ضيق لفئتي البرجواز الكبيرة والصغيرة ضمن شراكة دم جديدة مع فتح أمور الإستثمار.
الهدف الرئيس والحلم النبيل لهذه (الاصلاحات) هو العودة إلى الحالة السياسية للدولة القديمة (= مركز وهوامش + فقر وأمراض وتخلف + ندوات وصحف + احتفالات ومظاهرات، إلخ). على أساس ان الحرب حادث وحدث ولن يتكرر. وألا داعي لوجع الراس بخوتة أمور معقدة وتغييرات سياسية حادة.
6- الكلام المدغدغ للعواطف: بداية بدغدغة عواطف بعض الحزبيين بكلام عن حدوث إصلاح عسكري يمنع الإنقلابات، ودغدغة عواطف بعض العسكريين بالاعتماد عليهم في إحداث انضباط وطني، ودغدغة عواطف الطفيليين بكلام عن انفتاح تجاري، ودغدغة عواطف الأفندية بكلام عن تحقيق دولة الكفاءات، ودغدغة القبائليين بالسماح بإدارة نصف المجتمع/الدولة بنظام الحواكير، ودغدغة كبراء المدن بكلام عن التعويضات والإعمار وتحويل الخرطوم الى دبي، وتعشيم بعض الحقوقيين بكلام عن المساواة، وتعشيم اللجان بكلام عن الحكم الشعبي، وتعشيم الشرطة بكلام عن الانضباط، وكل تعشمه النخبة بما يحب.
7- لعب النخبة بالكلمات بتركيز متنطع على كلمات "قومية" و"مهنية" (جيش قومي) (جيش مهني) والطنقعة بربط المعاني المثالية لمفردات "الدولة" و"الوطن" و"الجيش" و"الشعب" ثم جعلها لوازم لبعضها (كسر رقبة) فكلام النخبة يجعل مفردة "دولة" = مفردة "وطن" رغم الفرق الحياتي بين المفردتين. من ثم يجعلون مفردتي "الوطن" و"الدولة" مرهونتين بمفردة "الجيش" رغم انه دمر نفسه ودمرهما.
وكذا كلام النخبة عن "شعب واحد جيش واحد" بشكل يخالف المظالم والتقسيمات الطبقية والعنصرية السائدة في مجتمعات بلاد السودان، وفي داخل المجتمع العسكري: ففي عنصرية النخب نأهيك عن الوضع الشعبي لمفردات "جلابة" و"غرابة"، و"عرب" و "زرقة"، و"أولاد ناس" فان وجود "الشعب" عند النخب ليس كتلة واحدة، و"الجيش" نفسه عند النخب رتب ومقامات وفيه حسب عنصرية النخب "أولاد قبائل" و"عبيد". نأهيك عن "مثلث حمدي". أو ما قاله البرهان لأهله عن انهم "البحكموا وما بحكموهم".
8- قيام النخبة بتبديل وصف الدعامة ووصف الجياشة فاعلام النخبة جعل الخراب للدعامة وغيره للجياشة بينما "الدعامة" اما يدفنون أشلاء الدولة المتفسخة منذ فترة طويلة، أو ينفذون حكم الاعدام في أمورها أما "الجياشة" فيحاولون إبقاء نظام/مظالم الدولة أو تأبيد إنهيارها وهي نفسر الدولة المختلة الأسس التي كونتها قوات الجيش الطبقي القديمة.
9- يتصور كلام النخبة ان وقف الحرب وبدء السلام لا يبدأ بعمل قاعدي صبور بل بلم غالبية من أشعلوها بسياساتهم في مؤتمر جامع (سمك لبن تمرهندي) وامضاءهم ميثاق وعهد "وطني" جديد.
10- اختلاف بعض النخبويين في تصوير ان قيام الشيوعيين بالابتعاد عن أسلوب النخبة الفوقي ذو المحسوبيات والشلل والطائفية والتمويلات أو اقترابهم إليه هو أساس لفشل أو لنجاح مساعي النخبة أو غالبيتها لإعادة الوضع القديم للدولة الظالمة نقياَ من شوائبه وخالصاً من نقائضه.
انتهى المقال