الاقتصاد السياسي للرأسمالية الوثنية

طلعت خيري
2024 / 5 / 20

قلنا في المقالة السابقة ان من إسرار إخفاء الساعة ، ليعلم الله من هو مؤمن بها ، ومن هو في شك منها ، ثم ان تحديد زمن الساعة أو البعث والنشور الأخروي دنيويا ، سينهي فسحة الأمل لدى الإنسان ، ان الحياة الاخروية تختلف تماما عن الدنيا ، بسبب تعطل الظواهر الكونية عن أداء وظائفها الدنيوية ، فلا مجال لتصحيح الاعتقاد أو الانتقال من الأعمال السيئة الى الصالحة ، قل لهم يا محمد ، لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون، رفض جمهور العقيدة الظنية بالإجماع الإيمان بغيبية البعث والنشور الأخروي وعلم الساعة ، لغياب زمن الوقوع ، فكان ردهم ، وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القران ، المقصود الآيات التي تتلى على مسامع الناس ، بالنسبة للذين لا يعرفون القراءة ، ولا بالذي بين يديه ، كتاب القران المعد للقراءة ، بالنسبة للذين يعرفون القراءة

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ

للعقيدة الظنية في مكة جمهور واسع تسيطر عليه طبقة متنفذة فكريا وسياسيا واقتصاديا ، كالكهنة ولأسياد والرأسماليين وزعماء القبائل وأولياء أمور والعلاقات اجتماعية ، أطلق الله عليها مصطلح ، الذين استكبروا لاستكبارهم على الله ، وتسلطهم على الطبقة المستضعفة ، كالفقراء والفلاحين والكادحين ولأيدي العاملة والحرفيين والعبيد والموالين من أصحاب الأهواء والمنتفعين ، أرغمت الطبقة المستكبرة بحكم نفوذها الاقتصادي والسلطوي الطبقة المستضعفة على رفض الإيمان بالبعث والنشور الأخروي ، ولكي يفكك التنزيل إجماع العقيدة الظنية في استحالة البعث والنشور ، نقلها فكريا الى مشهد الآخرة ، للاطلاع على رد بعضهم على بعض يوم القيامة ، ولو ترى ، ترى رؤية تصورية إذا الظالمون موقوفون عند ربهم ، يرجع بعضهم الى بعض القول ، حالة من العتب وإلقاء اللوم على بعضهم البعض ، بداء به المستضعفون الخاضعون تحت ضغوط الأسياد والزعماء والرأسماليين ، ويقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين

وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ{31}

رد الذين استكبروا الأسياد ورأسماليين والزعماء على الذين استضعفوا ، انحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل انتم مجرمون ، انتم مثلنا مستكبرون

قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ{32}

من خلال الاية تبين ان المستضعفين ، كانوا خاضعين تحت تأثير خطاب عقائدي وسياسي وسلطوي، مارسه الزعماء والأسياد والرأسماليين ، وكل من له ثقل مجتمعي على الطبقة المستضعفة ، لصدهم عن الإيمان بالله واليوم الأخر، وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا ، بل مكر الليل والنهار ، بل توصياتكم المغرضة القائمة على رؤوسنا ، اذ تأمرنا ان نكفر بالله ، ونجعل له أندادا ، ولكي يفكك التنزيل إجماع جمهور العقيدة الظنية الرافض للنشور الأخروي ، أطلعهم على مصير المكذبين يوم القيامة ، فقال واسروا الندامة لما رأوا العذاب ، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ، عبارة اسروا الندامة جعلت جمهور العقيدة الظنية يعيد حساباته من جديد للتخلص من تسلط العقيدة الظنية

وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{33}

بعد ان فكك التنزيل جمهور العقيدة الظنية أخرويا ، انتقل لتفكيكه دنيويا ، بلفت انتباه الطبقة المستضعفة الى دور الرأسماليين التاريخي في إضلال المجتمعات ، في مشهد جديد ، لتحذير المستضعفين من الانجرار وراء أصحاب المصالح الاقتصادية ، الخطاب موجه الى المستضعفين ، وما أرسلنا في قرية من نذير ، إلا قال مترفوها ،الرأسماليون والزعماء والأسياد ، إنا بما أرسلتم به كافرون

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ{34}

المشهد التاريخي على مر العصور والأزمنة يعكس ، ان المستكبرين من الرأسماليين والأسياد ، كانوا يستعينون بالمال والرجال ، لإقناع الطبقة المستضعفة في استحالة وقوع العذاب الدنيوي والأخروي ، وقالوا نحن أكثر أمولا وأولادا وما نحن بمعذبين

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ{35}

ان هيمنة الطبقة الرأسمالية المترفة ، اقتصاديا وسياسيا وسلطويا على جمهور العقيدة الظنية ، جعل الطبقة المستضعفة تعتقد ان مصدر العيش والرزق مرتبط بهم ، على اعتقاد ان ما ينفقه الرأسمالي من أموال على شركاء الله الجن والملائكة سببا في استمرار مصدر الرزق ، نعم ربما ارتبط بنشاطه الاقتصادي الواسع ، ولكن ما ينفقه الرأسمالي من أموال على طقوس الجن والملائكة يحصل على أضعافه بطرق ملتوية ، ولكي يفكك لتنزيل الاقتصاد السياسي للطبقة الرأسمالية القائم على دخل الطبقة المستضعفة ، قال ، قل يا محمد ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، لا يعلمون ان الرزق من الله ، لا من شركائه الجن والملائكة

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{36}

ان الطبقة الرأسمالية المترفة ، تنظر الى الطبقة المستضعفة على أنها مصدر للاقتصاد السياسي ، في طقوس دينية تقام سنويا أو موسميا ينفق عليها أموال طائلة ، مع تسخير الطاقات الشبابية لإدارة المواكب ، لتقديم الطعام والشراب ووسائل الراحة ، تدعم العقيدة الظنية الاقتصاد السياسي عقائديا ، على اعتقاد ان ما يقدمه الرأسماليون من أموال وأولاد طاقة شبابية يقربكم عند الله زلفى ، ولكي يفكك الله الاقتصاد السياسي للرأسماليين ، أبطل مزاعم العقيدة الظنية التي ادعت ان الطقوس تقربهم عند الله زلفى ، قائلا وما أمولكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، بمعنى لا تقربكم عندنا زلفى ، مستثنيا إلا لمن امن وعمل صالحا ، فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ، وهم في الغرفات أمنون ، الاية أوقفت الدعم العقائدي والمالي، الذي تقدمه الطبقة المستضعفة للاقتصاد السياسي ، هدد الله الذين يسعون في آياتنا معاجزين ، تعجيز واستحالة البعث والنشور الأخروي ، أولئك في العذاب محضرون

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ{37}وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ{38}

ان الإنفاق على متطلبات المعيشة ، وعلى شركاء الله الجن والملائكة ، أرهق كاهل الفرد فلا يشعر بتحسن معيشته ، كما انه غير قادر على أكمال نواقص حياته ، مستنزفا دخله على شركاء الله ، والسبب فوبيا الجوع والحرمان التي اصطنعها الكهنة ، والمنتفعون من الاقتصاد السياسي ، على اعتقاد ان ما يقدمه الفرد من دخله وكسبة لشركاء الله الجن والملائكة سيوسع رزقه دون انقطاع ، والعكس غير ذلك ، مما يضطر أصحاب الدخل المحدود والمعدمين الى الاقتراض أو بيع بعض مقتنياتهم لسد نفقات الطقوس والنذور ، ولكي يفكك الله الاقتصاد السياسي بشل أنشطته المرتكزة على رزق الطبقة المستضعفة ، قل لهم يا محمد ، ان ربي يبسط الرزق ، لمن يشاء الرزق من عباده ، ويقدر له ، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، ان آلية تعويض النفقات المعيشية بإيرادات جديدة ، فطرة ديناميكية خلقية تدفع الفرد الى تعويض نفقاته بنفسه دون تدخل شركاء الله ، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، وهو خير الرازقين ، الاية أبطلت مزاعم الجن والملائكة يخلفان الرزق

قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{39}

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي