هل يطيح اليمين الاسرائيلي بالدولة؟؟

هاني الروسان
2024 / 5 / 18

رغم تنوع الأسباب والعوامل التي تتظافر لتؤدي الى سقوط هذه الدولة او تلك الامبراطورية، الا أن تاريخ الادب السياسي عادة ما يختزلها ويقدمها لنا على شكل من العلاقة احادية الاتجاه التي تتغول فيها السلطة بسياساتها واختياراتها واحتياجاتها على احتياجات الدولة الحقيقة، إن لاخطاء في التقدير السياسي والفكري او لفساد وترهل اصابها وان الاتجاه الطبيعي لتلك العلاقة تاريخيا يأخذ مسارا جدليا لتأمين شرطية الاستمرار مع المحيطين الداخلي والخارجي وخلاف ذلك يتحول إلى نوع من القدر الالهي لانهاء وجود تلك الدولة وختم مرورها في التاريخ البشري، وهذا على ما يبدو انه طريق إسرائيل اليه.
وهنا وقد لا يكون مفيدا استعراض نماذج تلك الدول والامبراطوريات التي طواها التاريخ، بقدر ما هو مفيد التوقف امام أداء اليمين الديني الصهيوني المتطرف وتمثلاته في استخدامات السلطة لقراءة ما اذا كان قد وضع شروط وضروريات انهيار دولة إسرائيل. وكما انه قد لا يكون مفيدا ولا يتسع المجال لاستعراض كافة حماقات هذا اليمين-القدر الذي يقود اسرائيل لحتفها، إذ يكفي القول بأنه اضاع ما وفرته اتفاقات أوسلو من ضمانات للبقاء المتوازن لدولة الاحتلال، وما قدمته المبادرة العربية في قمة بيروت 2000 من فرصة استثنائية لاندماجها الهادئ نسبيا في المنطقة، وأن تلك كانتا هدية السماء التي لن تتكرر مرة اخرى، حيث لم يعد للفلسطيني ما يمكن ان يتنازل عنه اكثر مما فعله في تلك الاتفاقيات، كما لن يكون بوسع النظام العربي ان يضمن لإسرائيل شروط اندماج افضل من تلك التي قدمها في قمة لبنان، طبعا ان كان الحديث يدور عن شروط صفقة او مصالحة تاريخية، كان يمكن ان توفر لواشنطن فرصة احتواء الاقليم وعزله. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن ما قامت به اذرع اليمين الحاكمة باسرائيل بعد أن قتلت إسحاق رابين واودت بمحاولة باراك، ومن ثمة بتجربة اولمرت الذي تولى رئاسة الحكومة بعد إصابة شارون بجلطة دماغية هذا الاخير ورغم تاريخه الاسود وبعد صراع مع أجنحة اليمين الليكودي المتطرف من أمثال نتنياهو انسحب ليشكل حزب كاديما الذي قال ان من بين أهدافه الحفاظ على دولة إسرائيل كوطن قومي امن لليهود، وإعادة احياء الروح الوطنية فيها، ومنح ما سماها بالمساواة للأقليات المقيمة في إسرائيل، قلنا ان كل ما قامت به اذرع اليمين الديني المتطرف بعد ذلك هو انها استغلت حالة الضعف والتراجع الكبيران اللذين اصابا النظام العربي بعد ما المت به دوامة من التفكك والتشظي منذ عام 2011 بعد دوامتي 1990 و 2003، للتنصل من كل استحقاقات عملية السلام، وذهبت في موجة تصعيد استيطاني مجنونة قتلت اي إمكانية لاستئناف عملية السلام في محاولة لخلق واقع يحول دون وجود واقع فعلي لتطبيق حل الدولتين.
وقد أدى كل ذلك إلى عدة نتائج مترابطة كان من بين أبرزها تزايد الجنوح اليمني المتطرف ليس فقط للسلطة والاحزاب السياسية في إسرائيل بل لعموم المجتمع، الذي تهيأ له انه بمثل هذه الاختيارات والسياسات إنما يتقدم نحو نصر ساحق، بات على اعتابه في أعقاب موجة من التطبيع العربي المجاني من ناحية والنجاح في اضعاف السلطة الفلسطينية في رام الله والهدوء الخادع الذي طبع الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع من ناحية ثانية، رغم التحذيرات الفلسطينية المتكررة من ان هذا الصلف الاسرائيلي يشكل تهديدا لامن المنطقة والعالم.
وحتى بعد صباح يوم السابع من أكتوبر وما حمله من اهانة لكبرياء الجيش الذي لا يقهر ووضع قدرته على الردع في الميزان، الا أن هذا اليمين ظن ان ذلك اليوم لم يكن اكثر من كبوة فارس بعدها سينهض ليطيح بكل ما يعترض سبيله ولا يعيد الأمور إلى نصاب ما كانت عليه، بل إنه سيعيد تخليق الواقع كما يرى ويعتقد، وانه في سبيل تحقيق ذلك زج بأكبر قوة نارية شهدها تاريخ الحروب الحديثة في نطاق جغرافي لا يحتمل لربع هذه القوة، وتم استخدامها بلا قيود او ممنوعات بل وبدعم أمريكي ودولي غير مسبوق مما أدى إلى ابادة الحياة في مساحات واسعة من قطاع غزة تجاوزت ال70% منه.
واليوم وعلى الرغم من جدية بعض أوجه الخلاف بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو وانقلاب الرأي العام الدولي على السردية الاسرائيلية وتنامي عدد مؤيدين السردية الفلسطينية واعراب عدد من الدول الاوروبية عن استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة وبعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة والتحركات الجدية لهيئات القضاء الدولي والفشل المهين للجيش الاسرائيلي في تحقيق اي من أهداف الحرب كما عبر عن ذلك هرتسي هاليفي، وعودة النشاط العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية في مناطق يفترض انها "محررة"، وانهيار قدرة الردع على الجبهة الشمالية التي تحولت المستوطنات فيها الى بيوت تسكنها الاشباح، وتزايد عدد التحذيرات من مغبة الاستمرار في حرب لا أفق لها من تلك التي أطلقها اللواء احتياط إسحاق بريك وعدد آخر من خبراء وكالة المخابرات المركزية الامريكية ومستويات عسكرية متنوعة، الا أن نتنياهو مدعوم بجبهة عريضة من اليمين من داخل الحكومة ومن خارجها يدفع للاستمرار في هذه الحرب، بقوة يعجز المنطق عن فهمها باستثناء انها قدر لبدايات الانتهاء.
صحيح ان الأسباب التاريخية التي ادت إلى زراعة إسرائيل في المنطقة متعددة ومتنوعة الا أن أبرزها يبقى دورها الوظيفي في استراتيجيات بعض دول نظام دولي استعماري النزعة والطابع آخذ هو الاخر بالاخلاء لنظام لن يكون بذات المضامين والقيم السابقة وأن معادلة دعه يعمل دعه يمر تتجه نحو نعمل معا لنربح معا او رابح رابح، وهي معادلة ستأتي على هذا النظام الذي طال زمنه وكثرت امراضه وهرمت ادواته كدولة اسرائيل التي اخذت طريقها نحو الضعف التدريجي رغم كل مظاهر القوة التي تبدو عليها ليس لانها تحت قيادة سلطة يمين ديني ارعن واهوج فقط، بل لأن اهمية دورها الوظيفي وقدرته على التكيف مع متطلبات التحديات المستقبلية التي تتطلب مرونة اكبر في الاندماج وتبادل الأدوار في تأمين مصالح دول المركز لم يعد محل ثقتها وخاصة ثقة الولايات المتحدة، التي تعد الان لبدائل له اقليمية ومتعددة الاطراف واكثر فاعلية بعد ان لمست الصعوبات الكبرى التي تواجهها إسرائيل في تأمين شروط الاستمرار الآمن في الحرب على غزة، ولاحظت انه وبعد اكثر من اربعين عاما من اتفاقيات كامب ديفيد عجزها عن توفير متطلبات هذا الاستمرار وانها مضطرة للبحث عنه من خلال تفعيل ما يسمى باستراتيجية المحيط مع دول مثل اليونان وقبرص وغيرهما بعد أن فشلت في ايجاده داخل الاقليم رغم حالة الانهيار العربي الرسمي، حيث من المتوقع ان يشتد في المرحلة القادمة الصراع بينها وبين قوى النظام الدولي الوليد واذرعه في المحيط الاقليمي، وان اي خطأ في هذا السياق سيكبدها خسائر لا يمكن تعويضها.
ومما لا شك فيه ان الغموض البناء الذي تنتهجه الولايات المتحدة في حديثها عن حل الدولتين، قد يمنحها بعض الوقت الكافي لاعادة النظر في الواقع القائم وفحص الامكانيات المتاحة لكيفية التصرف في موارد المنطقة قبل الصياغة النهائية لهيكل الدفاع الاقليمي الذي تتوخى من ورائه الدفاع عن مصالحها في المنطقة والذي سيكون لإسرائيل فيه دورا كبيرا ولكن ليس حاسما، بعد ان فقدت هذه الميزة التي ستقلل من شأن دوها الذي يعد احد أبرز أسباب وجودها بسبب حماقات يمين متطرف أضاع فرصة الحل الوسط.

هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي