بعد موافقة حماس هل سترغم واشنطن اسرائيل على وقف الحرب؟؟

هاني الروسان
2024 / 5 / 9

الان وبعد ان وافقت حماس على مقترح وقف إطلاق النار فانه لم يعد امام نتنياهو الذي فقد كل الخيارات ولم يبق له من اوراق يناور بها إلا أن يدفع بالحرب-الازمة لفتحها على كل الاحتمالات دون ان يمتلك اي ضمانة لاحتمال نجاح اي منها، بما فيها اجتياح رفح وارتكاب مجزرة إنسانية قد تكون الابشع، لكنها قد تنهي حقبة صعود اليمن الصهيوني التي بدأت منذ 1967.
وهنا لن نمل من تكرار القول ان السياقات التي حفت بهجوم السابع من أكتوبر قد حولت غزة من جبهة مواجهة محلية، إلى إحدى اخطر جبهات المواجهة بين قوى نظام دولي تفكك مكونه الأول بانهيار الإتحاد السوفييتي، فيما الثاني دخل مرحلة تفكك منذ نفس التاريخ، رغم زهو الصعود الذي رافق مرحلة عولمة الاقتصاد وما بدى عليه من صور صمود فضحته اكثر من واقعة ربما كانت آخرها انتهاء مرحلة الانتقال السلس للسلطة في امريكا التي تجلت وحشية مظاهرها في واقعة الكونغرس، وما سبقها خلال فترة حكم ترامب من خروج غير مألوف عن تقاليد السياسة الخارجية الأمريكية وانسحاب بريطانيا من الإتحاد الاوروبي ومحاولات استبدال النيتو باوكوس تمهيدا لبناء ما بات يعرف بنظام اقليم الاندو المفتوح والذي سيحول الشرق الأوسط، الى الغرب الأقصى للإقليم الهندي الباسيفيكي الصاعد في مواجهة الصين ولاحتواء مختلف قوى النظام الدولي الجديد الاخذ في التشكل.
ولذا فإنه لا يصح النظر الى جبهة المواجهة في غزة بنفس المعايير التقليدية لمفهومي الانتصار والهزيمة المتعارف عليهما في الحروب بين جانبي صراع، حيث أن المعيار الوحيد الذي يجب الاخذ به هو فقط اتجاه الحاصل الذي سيأخذه شكل اي اتفاق يمكن التوصل اليه فيما اذا كان سيكون في صالح قوى النظام الدولي الراحل ام لا.
واليوم ما بتنا نلحظة ولو بقدر ملتبس الوضوح من تخارج بين أهداف اليمين إلاسرائيلي وبين مصالح الولايات المتحدة، الذي اتضحت بعض ملامحه بعد اعراب واشنطن عن استعدادها لفصل مسار علاقاتها مع السعودية عن مسار تطبيع هذه الاخيرة مع اسرائيل وقبولها الشروط السعودية التي كانت لاسابيع ماضية مستحيل القبول بها، هذا الاختلاف يعكس نوع من تخوفات الدولة الامريكية العميقة من ان يؤدي ضيق أفق هذا اليمين الى إلحاق هزيمة استراتيجية بها في الاقليم من ناحية، ويؤكد من ناحية اخرى على اهمية احتواء السعودية، إذ من خلال ذلك يمكنها أحكام قبضتها على اوروبا احد اهم عناصر مبدأ مونرو لاستمرار سيطرتها على العالم واحتواء محاولات اختراقها روسيا بعزلها عنها من خلال الامساك باسواق ومصادر الطاقة في اسيا وافريقيا وربطها بها، كما انه لن يكون بمقدورها مجابهة الصعود الاقتصادي الصيني الضخم لو انهارت اتفاقية البترودولار.
كذلك فان واشنطن صارت اكثر اقتناعا بأن السعودية قد لا تقبل بالتطبيع مع اسرائيل والذهاب بعيدا في المقامرة بدورها القيادي للنظام العربي في ظل تنامي حجم أدوار منافسيها على هذا الصعيد، بدون اتفاق لحل القضية الفلسطينية يوفر قدرا من القبول الفلسطيني، تعلم إدارة بايدن يقينا ان التجربة المرة للسلطة الفلسطينية مع اسرائيل ستحول دون ذهابها هي الاخرى بعيدا في المقامرة لتوفير غطاء سياسي لأي طرف عربي آخر قد يطبع مع اسرائيل متجاوزا قرارات قمة ببروت.
وزيادة على ذلك فان النجاعة والفعالية التي باتت عليها الإستراتيجية الايرانية داخل الاقليم والانتشار البؤري في جغرافيته الذي يتسق ومعايير ما يسمى بالحروب غير المتناظرة، قد وفر لها ولأول مرة إمكانية ان تضع نفسها موضع إحدى دول المواجهة المباشرة مع اسرائيل، للإطاحة بجدوى كل اتفاقيات التطبيع في بناء نظام امني للاقليم، وجعلها اللاعب الأساسي في مفاصله الاستراتيجية والتوسع بها، كما لاح في تهديدات المتحدث باسم قوات الحوثي الذي أعلن الانتقال بالتصعيد إلى مرحلته الرابعة ما يعني استهداف السفن في البحر الأبيض المتوسط المتجهة إلى اسرائيل وفرض حصار عليها، ومضاعفة الاعباء الملقاة على عاتق الولايات المتحدة لتأمين الملاحة في المنطقة بعد فشلها في تفعيل ما اسمته بتحالف "حارس الازدهار" وزعزعة نفوذها التقليدى في المتوسط، إلى جانب مضاعفة حدة المخاطر الأمنية للثروة الغازية والنفطية فيه.
هذه المعطيات وغيرها فاقم من حدة التخارج بين أهداف نتنياهو للافلات من السجن، واليمين الديني للعودة إلى سياسات التهجير والاستيطان، من وراء استمرار الحرب وتوسيع نطاقها، وبين أهداف الولايات المتحدة بعدم الرغبة في التنازل عن بقاءها القوة الوحيدة المهيمنة على النظام الدولي، مع ما تتطلبه شروط ما قبل الذهاب إلى الحرب المباشرة دفاعا عن هذا البقاء كاحتواء خصومها، والذي على ما يبدو انه ما خلصت اليها واشنطن من استنتاجات بعد ان فشلت تجاربها السابقة في الوصول إلى نفس الأهداف عن طريق الصدام المباشر واللجوء الى ما يسمى بإعادة هندسة البيئة الاجتماعية لخصومها كما حاولت ذلك في كل من أفغانستان والعراق، وأن السبيل الافضل للوصول لذلك هو الحلول الوسط التي تمنحها الوقت الكافي لاعادة ترتيب أوراقها، لانهاك الخصم ثم تفتيت قوته.
وعليه فمن غير المنتظر ان تنجر واشنطن وراء نتنياهو بالذهاب لاجتياح رفح، الا اذا توفرت لها معلومات استخباراتية موثوقة تؤكد إمكانية تحقيق بعض أهداف الحرب، اذ بدون ذلك سيعني تبديد نتنياهو لآخر أوراقه والوقوف أمام حائط مسدود، وهنا تشير بعض الاوساط الدبلوماسية في تحليلها لما رشح من بعض التسريبات عن أجواء فحوى اخر اتصال هاتفي بينه وبين بايدن إلى إمكانية ان تلجأ واشنطن من خلال ما تبديه من عدم ممانعة صارمة وعن سبق اصرار إلى عملية خداع مزدوج، لدفعه لعملية ستكتب نهايته كأفضل سيناريو للتخلص منه في حال الفشل، وإذا ما حدث العكس وهو ما تستبعده عديد المستويات العسكرية فان البيت البيض سيسجل حضوره في مثل هذا الانتصار ويوظفه.
وعلى ضوء ما تقدم فهل يعني أن موافقة حماس على مقترح وقف إطلاق النار ستؤدي لوقف آلي للحرب، ام انها قبل ذلك ستعمق من شقة الخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة، التي ستجد نفسها في وضع حرج قد يضاعف من ضغطها على إسرائيل؟، الحقيقة ان استثنينا الاحتمال الأضعف لتوريط نتنياهو في رفح للتخلص منه، فالارجح ان واشنطن ستستغل الرفض الاسرائيلي لفترة وجيزة لحمل حماس على تقديم مزيد من التنازلات التي من شأنها توفير غطاء لاسرائيل لتعديل موقفها، ولكنها لن تذهب بعيدا في التلاعب بالسقف الزمني الذي قد يؤدي الى انهيار المفاوضات، إذ قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة فان واشنطن ستكون معنية بارغام اسرائيل على القبول بإنهاء الحرب، لان بديل ذلك هو الذهاب إلى مجهول لن يكون في مصلحتها.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي