|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2024 / 5 / 4
على غير كل ما تعكسه التصريحات العلنية والمواقف الرسمية الأمريكية من تأييد ودعم مطلقين لاسرائيل للاستمرار في حربها على قطاع غزة، الا ان الحقيقة لا تبدو كذلك خاصة وان واشنطن من خلال سعيها المحموم للتعجيل بصفقة لوقف اطلاق النار لم تكن جادة مثل ما هي عليه هذة المرة على المغايرة والتمييز بين إسرائيل الدولة والمشروع وبين حكومتها التي تفارق اليوم بمصالح رموزها الذاتية، عن مصالح الدولة الوظيفية التي يرتهن بقاؤها ببقاء وظيفتها في إطار إستراتيجية مشغليها من قوى النظام الدولي، ولكن ما هي حدود هذه المغايرة الامريكية.
لقد قلنا في أكثر من مقال سابق ان الهدف الوظيفي للحرب على غزة قد وصل نهاياته، وأن استمرار الولايات المتحدة في السير بركب نتنياهو وزعران اليمين المتطرف في حكومته سيؤدي إلى هزيمة استراتيجية لامريكا تبدأ بالشرق الأوسط ولا تنتهي الا بمغادرتها لمقعد التفرد بقيادة النظام الدولي وفقدانها السيطرة على اتجاهات القرار الاوروبي الذي سيجد مساحة واسعة للتمرد على الرضا الأمريكي، تذكر بتلك التي شهدتها العلاقات بين الجانبين أثناء الحشد الثلاثيني لما سمي بحرب تحرير الكويت، بل وربما هذه المرة بشكل اعمق، واشد خطرا.
وذكرنا ايضا ان المفاجئة الاستراتيجية لهجوم السابع من أكتوبر على المستويين الاستخباراتي والاستعداد القتالي من جانب الفصائل الفلسطينية وما قد يترتب عليه من تغيير في قواعد التفكير بوسائل الاشتباك حتى الدبلوماسي، قد يدفع بالولايات المتحدة لتغيير استراتيجتها الشرق اوسطية والانتقال بها من الإهمال وإدارة ما ينبثق عنها من أزمات محلية الطابع إلى إستراتيجية الاهتمام والبحث عن حلول بعيدة المدى توفر مستوى من الرضا يتمخض عن معدلات استقرار اكبر، ولكن هل حدث شيء من هذا؟؟.
اليوم صارت تعرف واشنطن جيدا ان الشرق الأوسط قد يصل إلى حافة اللاعودة، وأن اي تسويف في توقيت التقاط لحظة "الانتصار" الذي حققته ليس فقط بتحييد المنطقة عن مجريات ذبح الفلسطينيين، بل وفي اعادة احتوائها وتهيئتها لنظام أمني اقليمي يعيد لإسرائيل مكانتها وهيبة الردع التي فقدتها خلال هذه الحرب ويعوض امريكا استراتيجيا عن حالة الوهن الاسرائيلية التي بدت اصغر بكثير من حجمها المفترض، كل هذا من جهة، اما من الجهة الثانية فانها ايضا قد نجحت في الاعداد لاحتواء محاولات التمدد الصيني والروسي من خلال ارساء مشروع الممر الاقتصادي الذي يربط بين الهند والشرق الأوسط واوروبا، الذي قد يؤدي إلى عرقلة مخططات موسكو وبيكن الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب نجاحها في الاقتراب من لحظة اتمام صفقة التطبيع الكبرى بين إسرائيل والسعودية، قلنا اي تسويف في توقيت لحظة الإمساك بهذا الانتصار، سيؤدي إلى دفع المنطقة للانزلاق في مواجهات اوسع نطاقا قد تخرج منها واشنطن كأكبر المهزومين.
ويبدو أن الضغط الأمريكي لانجاح صفقة وقف إطلاق النار إلى جانب تحذير جون هوفمان من خلال ما ذهب اليه مؤخرا في الفورين بوليسي من تفسير لعبارة الرئيس بايدن من ان الوضع في المنطقة لن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب، إنما كان يقصد بذلك الاشارة إلى ان طبيعة العلاقات الامريكية الاسرائيلية التي سادت إلى ما قبل الحرب على غزة، لن تبق كما كانت، هذا التحذير يندرج في سياق التخوف من الانسياق وراء اسرائيل التي أورد انها تلقت من الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية اكثر من 300 مليار دولار، وانها تتلقى الان سنويا نحو 3.8 مليار دولار وان اسرائيل تحولت الى عبء استرايجيي على امريكا، خاصة وانها ظهرت في هذه الحرب عاجزة عن حماية نفسها، ولسد جزء من هذه الثغرة فإن واشنطن شرعت في بناء قاعدة عسكرية ضخمة بمحاذاة قاعدة حتسريم الجوية في صحراء النقب، حيث سيتم توسيع مطارها لكي يستوعب الطائرات الأميركية، وتكون قادرة على استيعاب نحو 23 الف جندي والقيام بأداء مهام لوجستية وانه يتم حالياً نقل الأسلحة والذخيرة الأميركية إلىها لتزويد المقاتلات الإسرائيلية بذخائر متنوعة لم تُستخدم سابقاً في الحروب التي خاضتها تل أبيب.
أن كان كل ما ذكرناه من بعض ملامح ما قد أصبح يمايز بين مصالح الولايات المتحدة وحكومة اسرائيل الحالية ويمهد لامكانية تغيرات ستشهدها طبيعة العلاقة بين الجانبين، الا ان ذلك لا يحجب حجم الضباب الذي ما زال يلف الرؤية الأمريكية ويحول دون تغيير جذري في استراتيجيتها الشرق اوسطية، ويبقيها تدور في فلك واختيارات ورهانات دولة اليمين في تل ابيب رغم خلافاتها مع نتنياهو، كما ان عمى عنجية وغطرسة القوة لا زالت تشكل اساس رهانها في بناء استراتيجيتها الشرق اوسطية الجديدة، إذ ما زالت تواصل لعب عدم الانصياع لحقائق الواقع الفلسطيني الذي بقي ثابتا ومستمرا وتخلط بينه وبين واقع بعض اصدقائها من الذين تنقصهم الحكمة السياسية في تحديد مصادر الخطر المستقبلي، ولا يعون أن القضاء على تمظهراته الراهنة لا يعني اجتثاثه نهائيا، وانه سيبقى مرشحا للعودة باشكال مختلفة وربما اكثر عنفا مما هو عليه الان.
وان كانت الولايات المتحدة لم تدرك بعد ان الاكتفاء باطاحة نتنياهو واجتراح بعض الحلول الشكلية وان ما تعتقد انه نصر قد حققته في معادلة المنطقة الراهنة، سيكون مبعث انبثاق لاخطار أشد فتكا ان لم تغير استراتيجتها الحالية، فإن على اصدقائها الذين جربوا كل المقاربات الأمنية وفشلوا في تحقيق الأمن المزعوم، ان يلفتوا انتباهها لذلك وان لا يقبلوا ان تسلب منهم لحظة تاريخية من خلالها يمكن لهم ان يبنوا مستقبلا هادئا للمنطقة وقابل للاستمرار.
وربما بصورة اكثر وضوحا، فان كان عمى القوة عند الولايات المتحدة يفاقم من استمرار رهاناتها على المستحيل كما إشارت لذلك الجاردينال البريطانية واكده بليكن امام المنتدى الاقتصادي بالرياض ويحول دون رؤية واقعية للمنطقة بعد السابع من اكتوبر، فإن على اصدقائها ان لا يسايروها هذا العمى وان يتشددوا كما هو عليه الموقف السعودي الان كما يرشح من بعض التسريبات في شروط بناء المنظومة ألامنية الاقليمية التي تسعى لها واشنطن، والتي اقلها توفير البيئة الملائمة لاستمرارها، من خلال البدء الفوري بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وعدم مقايضة هذا التحالف الأمني فقط بعدم اجتياح مدينة رفح ووعود بإقامة الدولة كما قيل في وقت سابق عن انه استعداد سعودي للقبول به مقابل الذهاب بصفقة التطبيع وبادخال بعض المساعدات الإنسانية وغيرها من شروط الاذعان لسطوة ارهاب الدولة الاسرائيلية، اذ بدون ذلك فإن على واشنطن واصدقائها الاستعداد لجولة جديدة من العنف والصراع ستكون اشدة قسوة وعنفا.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |