|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
رحيم فرحان صدام
2024 / 4 / 29
ظهر ابن كثير في عصر نشط فيه التأليف في كل فن من فنون الدراسات الإسلامية ، ومن الطَّبَيعي أن يكون التأليف في ميدان السيرة النبوية مواكباً لهذا النشاط الذي استقى موارده ونصوصه من التراث الضخم من الكتب والروايات التي دونها العلماء والمحدثون قبل ذلك العصر.
لقد شهد القرن الثامن الهجري في مصر والشام خلال حكم المماليك ، ظهور عدة مؤلفين في مجال السيرة النبوية، أخرجوا مؤلفاتهم في هذا الفن على نحوٍ مفرد أو ضمن مؤلف موسوعي كبير.
لقد شهدت بلاد الشام ظهور مدرسة تأسست على علوم الحديث والمأثور ، مثَّلها ابن تيمية تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (661 - 728ه / 1263 - 1328م) وتلاميذه وأبرزهم الذهبي: شمس الدين: محمد بن أحمد بن عثمان، (ت 748 ه/1357م) ، وابن القيم شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (ت751ه/1350م) وابن كثير فضلا عن المزي جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، القضاعي الكلبي (ت742ه/1341م) وغيرهم.
تميزت هذه المدرسة بالتنوع والجدة في العرض ومقدرة أولئك المؤلفين على تنقية الروايات وتمحيصها وتجاوز طريقة الجمع والاقتباس إلى النقد على أسس طائفية. وقد جمع رموز هذه المدرسة بين التمسك بالنصوص والعقلية غير العلمية.
ويلفت نظر الباحث في هذا الواقع الجهد الذي قام به ابن كثير في كتابه (السيرة النبوية) ، اذ نجد عناية بجمع الروايات من مصادرها وعناية بذكر الأسانيد ونقدها على أسس طائفية، ونزوير الحقائق التاريخية لأسباب طائفية مقيتة .
موقف السيدة فاطمة الزهراء من الخليفة ابي بكر
ومثال على تزويره الحقائق التاريخية هذه الرواية التي نقلها عن البيهقي(1) فقال ما نصه:" ...عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا مَرِضَتْ فَاطِمَةُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا فَاطِمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكِ؟ فَقَالَتْ أَتُحِبُّ أَنْ آذَنَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَأَذِنَتْ لَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَتَرَضَّاهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ الدَّارَ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ إِلَّا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، وَمَرْضَاةِ رَسُولِهِ، وَمَرْضَاتِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.
ثُمَّ تَرَضَّاهَا حَتَّى رَضِيَتْ."
ثم علق ابن كثير على الرواية بما نصه : " وَهَذَا إِسْنَاد جيد قوي، وَالظَّاهِر أَن عَامر الشَّعْبِيَّ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ، أَوْ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ عَلِيٍّ." ( 2 ) ان تعليقه الأخير هو محاولة لتزييف التاريخ اذ اتفق علماء الجرح والتعديل على ان الشعبي لم يسمع من الامام علي( 3 ) ، فروايته مرسلة وإن ثبتت رؤيته للإمام ، وهو من الرواة المكثرين عنه، إلا أنه لا ينتقي في حديثه عن علي، فهو يروي عن بعض الضعفاء عنه، فلزم التوقف في روايته وعدم قبولها، ما لم تحتف بها قرائن يغلب على الظن معها الصحة ، اما قول ابن كثير:" او ممن سمعها من علي " فلا قيمة له والا فمن الذي سمعها من علي ؟ ثم ان الرواية تنفيها رواية البخاري( 4 ) ومسلم( 5 ) عن السيدة عائشة ان فاطمة ماتت وهي غاضبة على ابي بكر ، وابن كثير يؤمن بصحة كل ما جاء في الصحيحين فماله يحرف الكلم عن مواضعه.
الهوامش
( 1 ) البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين الكسروجردي، (ت458هـ/1064م)، السنن الكبرى، دار الفكر، (بيروت ، د.ت). (6/ 301).
( 2 ) ينظر: ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م)، السيرة النبوية ، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - 1395هـ / 1976م.(4/ 575).
( 3 ) ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني(ت852هـ/1459م)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، (بيروت - 1379ه ). (19/ 234).
( 4 ) ينظر: البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم ، (ت 256هـ/ 862 م)، صحيح البخاري - طبع دار الشعب ، القاهرة ، الطبعة: الأولى، 1407ه/ 1987م.(4/ 79).
( 5 ) النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، (ت 261هـ/875 م) ، صحيح مسلم ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.، (3/ 1380).
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |