|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2024 / 4 / 15
يبدو أن الشروط التي على أساسها سيكون هناك وقف لاطلاق النار وتبادل للاسرى هي التي ستحدد الطرف المنتصر او الاكثر استفادة من هذه الحرب التي اندلعت قبل سبعة اشهر في غزة وتضع حدا لطموحات البعض، وتنهي ادوار البعض الآخر.، كما يبدو أن الفهم المشترك بين حماس وإسرائيل لذلك هو ما يدعوهما للتشدد كل في شروطه وعدم تقديم تنازلات قد تعني نهاية الطرف الذي سيقدم عليها.
وحيث في التفاصيل الدقيقة تكمن عقدة الحل وإمكانية نجاح جولة وليم بيرنز وإخراج هذه الصفقة إلى حيز الوجود، بعد ان لم يعد خافيا ان مصالح نتنياهو الشخصية ليست فقط انها ما عادت تتطابق ومصالح إسرائيل الكيان، بل انها صارت خطرا عليه، رغم انه إلى هذه اللحظات يعتبر اللاعب الرئيسي في هذه الحرب مدعوما بشلة من أقصى اليمين الديني المتطرف، وأن من شأن هذا الطلاق بين الدولة ورئيس حكومتها ان يساهم في حلحلة عقدة الخلاف مع حماس، وفقا لشروط ليست من تلك التي يرددها نتنياهو لان مصلحة إسرائيل العليا ليست في هذه الشروط بقدر ما هي في المحافظة على دورها الوظيفي اقليميا في اطار الاستراتيجية الامريكية على الصعيد الدولي.
وما قد يعزز هذا الاعتقاد أن النزعة ذات الطابع اليميني التي تصبغ المجتمع الإسرائيلي بكل اطيافه السياسية لا زالت تعارض بشدة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأن ادراك الولايات المتحدة لهذه الحقيقة من ناحية وعدم نضوج قناعتها بحل اقامة هذه الدولة من ناحية ثانية والغياب التام للموقف العربي الفاعل في هذا الاتجاه من ناحية ثالثة تجعل من استدامة الانقسام الفلسطيني بتجاوز هدف القضاء التام على حماس حجة حيوية للنزول بسقف شروط الحكومة الاسرائيلية لإنجاح صفقة لوقف اطلاق النار تحول دون طرح هدف اقامة الدولة الفلسطينية والبحث عن بدائل تكون أكثر انسجاما وطبيعة مخططات يمين الدولة في إسرائيل ولاتحول دون دينامية دورها المرتقب اقليميا، خاصة وان كل الدعم اللامحدود عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا الذي قدمته واشنطن للجيش الاسرائيلي قد فشل في تحطيم الصمود الفلسطيني بعد أن ارتكب ولا يزال ابشع انواع المجازر والتدمير الممنهج للحياة في غزة والتي سيكون لها ما بعدها على وجود إسرائيل وسمعتها وفضح كل سردياتها الكاذبة.
هذا الافتراق بين أهداف نتنياهو الشخصية ومصالح إسرائيل سيسهل على بايدن - الذي تشير كافة استطلاعات الرأي الى تدهور شعبيته - تجاوز اشتراطات رئيس الحكومة الاسرائيلية والضغط باتجاه إخراج صفقة لوقف إطلاق النار، تنقذ اولا هيبة الجيش الإسرائيلي التي تدهورت اكثر مما تدهورته في السابع من اكتوبر بعد ان حصد الفشل تلو الفشل منذ ما سماها بمناورته البرية ولم يحقق اي من اهدافه سوى قتل المدنيين العزل، وتتيح ثانيا للولايات المتحدة الوقت الكافي للالتفات لتنفيذ استراتيجيتها باحتواء النفوذين الروسي والصيني وتقليم اضافر اذرعهما في الاقليم ومحيطه، واعادة رسم الحدود الجغرافية للنفوذ فيه، والإسراع بتنفيذ صفقة التطبيع الكبرى مع السعودية، هذه الاخيرة التي باتت تخطط لإيقاف او تأجيل مشروع نيوم بعد أن بات مؤكدا تقلص الطموحات السعودية من ورائه.
صحيح ان الجيش الإسرائيلي أعلن يوم الأحد الماضي أنه استكمل "مرحلة أخرى" في إطار ما وصفها باستعداداته "للحرب" عند الحدود الشمالية مع لبنان حيث يستمر القصف المتبادل مع حزب الله، بينما قال وزير الدفاع غالانت إن سحب كامل قواته من جنوبي قطاع غزة يأتي في إطار الاستعداد للهجوم على رفح، غير ان حقيقة الأمر تشير الى ان هذا الانسحاب من جنوب القطاع جاء بضغط امريكي لاستباق اي اتفاق محتمل حتى لا يحسب على أنه انصياع لشروط المقاومة لإنجاز صفقة التبادل.
فالولايات المتحدة التي قطعت مع اللين والتسامح المفرطين في التعامل مع نتنياهو ومهدت لذلك منذ عدة أسابيع، نجدها من جانب لم يعد فيها الرئيس بايدين والحزب الديمقراطي مستعدان لخسارة المعركة الانتخابية من اجل نتنياهو ومن الجانب الاخر فأن مصالحها العليا تقتضي منها التعامل مع الواقع وحقائقه بأقل الخسائر، وأن القضاء على حماس بالصورة التي تتحدث عنها اوساط الحكومة الاسرائيلية لم يكن مطروحا في اروقة صنع القرار الأمريكي، وقد كان ذلك واضحا منذ بداية الحرب وجاء على لسان اكثر من مسؤول أمريكي من أمثال وزير الخارجية ووزير الدفاع وغيرهما، مما يشير بكثير من الواقعية إلى استفاذ هذه الحرب لمبررات استمرارها، لاسيما وأن حماس اليوم لم تعد حماس الأمس، كما أن حجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة من شأنه ان يشكل عابئا عليها لاعادة الاوضاع لما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
كذلك فانه وفي الوقت الذي لن يكن بوسع احد إنكار أن إسرائيل هي الحليف الأكثر تميزا بالنسبة للولايات المتحدة، فإنه لن يكون بوسع احد اخر الاعتقاد بان نتنياهو وشلة اليمين المتطرف حوله اليمين يحظى بنفس المكانة التي لإسرائيل الدولة، وبالتالي فان إنقاذ هذه الاخيرة من ميولات هذا اليمين الصبيانية تصبح مصلحة أمريكية تقتضي ترتيب الأطراف المنتصرة والاخرى المنهزمة والتي يقف على رأسها نتنياهو يليه اليمين المتطرف ومن ثمة حماس، لكي تتربع واشنطن على قمة هرم المنتصرين ثم إسرائيل الأداة والمشروع، وهو ما يعيه المفاوض الفلسطيني ويضغط باتجاه اعادة تريب الشروط وفقا للواقع الفعلي الذي يراها وينظر اليه بغير العين الامريكية، وحسابات تختلف كليا عن حسابات الزمن الامريكي الذي يضيق يوما بعد يوم، والأكثر حساسية والابهض ثمنا مقارنة ببقية الأطراف، وربما بمعطيات خارج حسابات واشنطن .
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |