من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر66

عبدالرحيم قروي
2024 / 3 / 28

اصول الفلسفةالماركسية
الجزءالثاني
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
تعريب شعبان بركات
الحلقةالسادسة والستون
المادية التاريخية
تابع

ج – البرجوازية خائنة للأمة
يؤدي نمو نضال البروليتاريا الطبقي، داخل الأمة بالبرجوازية إلى تحقيق جبهة واحدة مع البرجوازية الأجنبية، ضد البروليتاريا، وهو تحالف جديد مقدس يذكرنا بالتحالف الذي عقدته سابقاً الدول الإقطاعية ضد الثورة البرجوازية.
نجد مثالا نموذجياً على ذلك في سنة 1871 عند البرجوازية الفرنسية. فقد قضت على كومون باريس بالتحالف مع بسمارك، ولكن النزعة القومية البرجوازية تظهر بمظهرها الحقيقي في مرحلة الرأسمالية النهائية، المرحلة الاستعمارية.
بضاعة الأمم البرجوازية الحديثة، فيما يتعلق بالأفكار الاجتماعية السياسية، هي السلم الطبقي، داخل الأمة، باسم "الاتحاد القومي"، وتوسيع أرض قوميتها بواسطة غزو أراضي الأمم الأجنبية، الشك والكراهية نحو الأمم الأخرى، القضاء على الأقليات القومية، وتأليف جبهة موحدة مع الاستعمار.
وتستخدم البرجوازية قوة فكرة الوحدة القومية على التعبئة للقيام بحروب السلب والنهب. وهذا ما حدث عام 1914، مثلا، للبرجوازية الفرنسية والبرجوازية الألمانية، ومن هنا نشأ قول اناتول فونس المشهور: "يعتقد الجندي أنه يموت من أجل الوطن بينما هو يموت من أجل الصناعيين" تستعين البرجوازية الاستعمارية بكل شيء لإثارة عواطف الكره نحو العمال الأجانب والمستعمرين في قلب البروليتاريا التي تستغلها. وهي تحاول بذلك أن تعيق تجمع البروليتاريا كطبقة واحد".
كلما اشتد الاستعمار كلما ازداد البون بين مصلحة برجوازية الاحتكار الكبرى، وبين فئات الشعب، ذلك لأن الاستعمار هو إعلان الحرب على الشعوب.
بعد أن كانت الرأسمالية، في نضالها ضد الإقطاعية، محررة للشعوب، أصبحت الرأسمالية الاستعمارية أكبر مضطهدة للشعوب. وتحولت الرأسمالية من رأسمالية تقدمية إلى رأسمالية رجعية، فقد نمت قوى الإنتاج بشكل لم يبق معه، أمام الإنسانية إلا أن تنتقل إلى الاشتراكية أو أن تقوم، خلال سنوات أو عشرات السنوات، بتجربة نضال "الدولة الكبرى" المسلح للمحافظة على الرأسمالية، بصورة اصطناعية، بواسطة المستعمرات والاحتكارات والإميتازات واضطهاد القوميات في جميع أشكاله .
بلغت أزمة، الرأسمالية العامة، التي بدأت عام 1917 بظهور أول دولة اشتراكية، بمناهضة البرجوازية الاستعمارية للقومية، الذروة، إذ أن دفاعها اليائس عن مصالحها الطبقية أدى بها إلى خيانة مصالح الأمة بصورة مفضوحة مستمرة.
ترزح البرجوازية الفرنسية الكبرى تحت عبء ملف مفعم بالاتهام، فهي بعد أن ساعدت بنشاط، في ألمانيا، على القضاء على القوى الشعبية ونهضة النزعة الحربية من كبوتها" فإنها، في فرنسا، تعارض نضال العمال من أجل الخبز، والحرية، والسلم بشعارها المخزي: "هتلر ولا الجبهة الشعبية!". كما أنها تقوم بتمثيل دور الوطنية وتعمل على خداع الطبقات بدعاية "قومية" ("فرنسا للفرنسيين") وهي تسلم ألمانيا الهتلرية الحديد الفرنسي، والألمنيوم الذي تحرم منه طيراننا. وقد تأكد، في مونيخ عام 1938، تحالفها مع النازيين، ضد الشعب الفرنسي والبلاد الاشتراكي، حليف فرنسا. وبينما تزج في السجون، بمعاونه الزعماء الاشتراكيين بلوم، سورال، الخ... المناضلين الشيوعيين، الذين فضحوا الخيانة الطبقية، سلمت فرنسا إلى الطيران الألماني. وحل رعب الاحتلال وخزي النظام فيشي الفاشي. وقد قضى هذا النظام، الموالي للرأسماليين الألمان والشركات الفرنسية، على الاقتصاد الفرنسي وسخره لخدمة الحرب الهتلرية، وأجبر العمال على العمل، وأعدم المواطنين بالرصاص وجوع السكان.
حتى إذا ما أقبل التحرير، وانتصر الشعب، عملت نفس البرجوازية الكبرى على تخريب نهضة البلاد. ولما كان هتلر قد اندحر، فقد وضعت نفسها في خدمة الحماة الجدد وهم الاقتصاديون الأميركان ووقفت ضد العمال الفرنسيين يحاول الاستعمار الأميركي، طبقاً لقانون الرأسمالية المعاصرة الأساسي، أن يضمن لنفسه أقصى الأرباح بنهب البلاد المقيدة بمشروع مارشال وبواسطة حرب الغزو الاعتداء. وتمد البرجوازية الكبرى "الفرنسية" يد العون لنجاح هذه السياسة.
أما نتائج ذلك، بالنسبة للأمة الفرنسية، فهي خطيرة، وإذا كنا نعرض للعناصر المكونة للحقيقة القومية واحداً واحداً فلكي نلاحظ أن البرجوازية تسعى للقضاء عليها.
الأرض؟ وأصبحت بين يدي الجيش الأميركي، وقد أقيمت مناطق حرة للمحتل. وسلبت ملكية الأرض من الفلاحين، وتتطلب الستراتيجية الأطلنطية تهديم فرنسا في حالة الحرب (فرنسا " ابن العم الذري").
الاقتصاد؟ خرب الاقتصاد القومي لمصلحة صناعات الحرب، وحل الفقر المنظم بالزراعة الفرنسية (مليون مزرعة عائلية مهددة بالزوال)، وذهب السوق الفرنسي ضحية مصالح الشركات الأميركية (مشروع مارشال) والألمانية (مشروع شومان) وأغلق عدد من آبار المناجم في الشمال والوسط، كما تسير أعادة البناء ببطء فاضح، الخ... ولا ننس ما أصاب البحث العلمي والأعداد المهني.
اللغة؟ ظهرت مشاريع ازدواجية اللغة الأميركية والفرنسية، لسد حاجات المحتل الأميركي، واختصار اللغة الفرنسية Besic-Franch ولقد لاحظ السيد الفريد سوفي بحسرة في جريدة الموند (5 آب سنة 1953) قائلاً:
من المؤلم أن نسمع من يقول بأننا لا ندافع بصورة صحيحة من تراثنا وأنا مستعدون للتخلي عنه.
إذ أن كل شيء منظم بشكل يجعل الأجانب المقيمين في فرنسا لا يتعلمون اللغة الفرنسية.
والدليل على ذلك أنه لم تعد تذكر الولايات المتحدة، ولا مختصر إسمها بالفرنسية E , U بل يذكر المختصر باللغة الإنجليزية U , S , A سوف تقول أن هذا شيء بسيط. غير أن الاستعاضة بالمختصر الإنجليزي بدلا من المختصر الفرنسي أليس نتيجة لإغراء الدائن للمدين، والوالي للمولى؟
ويشعر السيد سوفي بالخوف أمام "اتساع" هذا التسرب الواسع. ثم يضيف، بعد ذكر عدد من الأمثلة" قائلاً:
لا تؤدي هذه الأمثلة من الضعف إلى إفساد اللغة الفرنسية، بل تساعد بقوة على زوالها لأن التبعية اللغوية تؤدي إلى التبعية الثقافية.
الثقافة؟ تخريب الجامعة بصورة منتظمة، والمدرسة العمومية. والسينما الفرنسية، الخ..، والتخلي عن قصر فرساي. واحتقار التقاليد الإنسانية الكبرى التي تغنت بفصائل البرجوازية الصاعدة. وكذلك انتشرت أسوأ المجلات القادمة من أميركا أو المستوحاة منها، وعم التمجيد "لطريقة الحياة الأميركية" الخ.. وكانت البرجوازية، إلى جانب ذلك، تغذي حملة تهدف إلى إقناع الفرنسيين بأن بلادهم قد ولت، وأن عهد التاريخ القومي قد انقضى، وأنه قد ذهب الأمل بوجود فرنسا مستقلة:يتم هذا الانتقاص من الحقيقة القومية تبعية الدولة الفرنسية لمطالب ضروب الاستعمار الأجنبية.
فكيف تبرر البرجوازية، في نظر الجماهير، مثل هذه السياسة المناقضة للمصلحة العامة؟ رأينا في مناسبات عدة، كيف أن الطبقة الرجعية تضطر، كي تمد في أجل حكمها، لأن تقيم من الكذب عقيدة لها ومذهباً. وهذا هو الحال هنا: فلكي تبرر استعباد الشعوب، تنشر البرجوازية الكبرى العالمية نظرية فكرية خاصة هي النزعة العالمية (Cosmopolisme)
وتتكون هذه الكلمة من كلمتين يونانيتين تعنيان: "مواطن العالم". في الوقت الذي كانت البرجوازية فيه – ولا سيما في القرن الثامن عشر – ندافع ضد الإقطاعيين، عن حقوق المستقبل الإنساني، وقد حمل بفخر لقب "مواطن العالم" بعض المفكرين. وكان هذا يعبر عن رغبة في تحطيم الأسس الواهية لمجتمع قديم وإيجاد علاقات اجتماعية جديدة في كل مكان. بهذا المعنى يتحدث جان جاك روسو، في نص يرجع لعام 1755، عن هذه النفوس الكبيرة العالمية التي تخطت الحواجز الخيالية التي تفصل الشعوب والتي... تشمل النوع البشري كافة برعايتها ..
حتى إذا مازالت علاقات الإنتاج الإقطاعية، عادت البرجوازية إلى موضوعات النزعة العالمية، وليس ذلك لخدمة الآمال الكريمة بل لحساب مصالحها الطبقية المستغلة. وقد فضح كل من ماركس وانجلز، منذ عام 1845، ذلك، وفسرا كيف أن النزعة العالمية أنما تنبع من المضاربة بين البرجوازية في مختلف البلاد وأنها لا تهدف لتفتح جميع الناس بل لاستغلال العمال العالمي، ولهذا كتب ماركس يقول:
أن تسمية الاستغلال في صورته العالمية باسم الإخوة الشاملة فكرة لا يمكن أن تولد إلا في قلب البرجوازية .
ومع ذلك فقد اتسع نضال البروليتاريا الثوري منذ ذلك العهد بشكل هائل وأدرك العمال، شيئاً فشيئاً، بفضل انتشار الاشتراكية العلمية، بأن مصالحهم، في مختلف البلدان متحدة ضد عدو طبقي مشترك. ولما كانت البرجوازية الاستعمارية لا تستطيع القضاء على هذه المعتقدات، فأنها لا يمكنها إلا أن تحاول الإنتقاص منها، وهذه هي مهمة الأفكار العالمية: إقناع العمال أن حكم الاحتكارات العالمية سيحقق آمالهم العالمية! وهكذا تستعير نزعة الشركات العالمية وجه النزعة العالمية البروليتاريا كآخر كذبة تدعيها.
ما هو الطابع الرئيسي، في الظروف الحاضرة، لهذه الأفكار العالمية التي هي تشويه للنزعة العالمية البروليتاريا؟ التأكيد الكاذب بأن سبب الحروب الحديثة هو وجود الأمم. ثم تخلص إلى القول بأنه يجب القضاء بسرعة على الأمم وتحطيم سيادتها، لأن هذه السيادة "رجعية" "بالية". وهكذا يأملون في إقناع العمال بأنهم، إذا أرادوا السلم، فيجب عليهم القضاء بأيديهم، على حقيقة الأمة والتنكر لأوطانهم.
غير أن التحليل المادي للمجتمع المعاصر يدل على أن سبب الحروب العالمية ليس وجود الأمم، بل وجود طبقة، البرجوازية الاستعمارية، التي لا تستنكف، في سبيل إنقاذ حكمها المهدد، عن استبعاد الأمم والقضاء على الشعوب.
وهكذا تبدو النزعة العالمية في وضح النهار: فهي بدلا من أن تسعى لتحرير الناس في جميع البلدان، تهدف – في ادعائها جعل كل عامل "مواطنا للعالم" – إلى استغلال تلك الأشباح الإنسانية التائهة المجهولة على نطاق "عالمي" بشكل وحشي معيب.
ندرك المغزى التاريخي للمحاولات الحالية لإيجاد "أوروبا موحدة" إذا اعتمدنا على هذه المعطيات المبدأية، فهي تسعى لتوطيد استغلال مختلف شعوب أوروبا الرأسمالية، برعاية الرأسماليين الأميركان، وأول هذه الشعوب شعبنا.
وسوف يكون من نتيجة توحيد السوق الأوروبي، على أنه الخطوة الأول نحو اقتصاد اشتراكي، تخفيض مستوى معيشة الفرنسيين. كما سيكون من نتيجة إزالة السيادة القومية، على أنها تقدم للديمقراطية، وضع فرنسا تحت رحمة الطيران الألماني، الذي أعيد بناؤه تحت شعار "أوروبي إذ أن إعادة تسليح النازيين سيجعل منهم أدوات طيعة للإضطهاد المناهض للعمال.
ولقد كتب لينين منذ عام 1915 أن الولايات المتحدة الأوروبية، في النظام الرأسمالي، أما مستحيلة وأما رجعية
لما كانت النزعة العالمية تزويراً للنزعة العالمية البروليتارية فهي، إذن، في خدمة الرأسمال العالمي. ولهذا كانت، اليوم، نظرية زعماء الاشتراكية الديمقراطية الفكرية، الذين يأخذون على عاتقهم، أمثال جي موليه،أ، فيليب، لوبالى، خداع العمال. فهم إذن، متضامنون مع قادة الحركة الجمهورية الشعبية، (روبير شومان، جورج بيدو) الذين كانوا دعاة الـ (C. E. D) لأنهم خدام الفاتيكان الموالي للسيطرة الأميركية، وهم يرتدون رداء "الروحية" المسيحية لتجهيز ألد أعداء الجنس البشري بالسلاح، فيما وراء الرين.
ومع ذلك، لا يمكن للاستعمار أن يخلو من التناقضات، بالرغم مما يبذل من جهود. ولهذا كان للنزعة البرجوازية أخ توأم هو النزعة القومية الأوروبية.
وهناك مثالين على ذلك:
تبالغ الشركات الاحتكارية، التي تدعو إلى النزعة العالمية في أوروبا، أمام الشعوب التي تريد استعبادها، بالنزعة القومية في الولايات المتحدة، وتستخدم جميع الوسائل لتردد على مسامع الشعب الأميركي أنه "الشعب المختار" الذي أرسلته "العناية الآلهية" لقيادة العالم.
تتبع البرجوازية الكبرى الفرنسية، التي تعدل من "طبخة" النزعة العالمية لتلائم الأذواق في أوروبا، سياسة نزعة قومية دامية على حساب الشعوب المستعمرة. فهي تأني باسم "المصلحة الفرنسية" لقب الأمة على المراكشيين، والفيتناميين الذي يناضلون من أجل استقلالهم.
فكيف لا نلاحظ الفارق الفظ بين "النزعة العالمية" التي يتزيا بها البرجوازيون الرجعيون وبين نزعتهم القومية الوحشية نحو شعوب الاتحاد السوفياتي التي يحلمون بإعادتها عن طريق الحرب، إلى السوق الرأسمالي.
هذه التناقضات هي أحد مظاهر الضعف في المعسكر الاستعماري.
يتبع

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي