السوسيولوجيا والسيكولوجية في وصايا لقمان لابنه

طلعت خيري
2024 / 3 / 26

قلنا ، لقمان الحكيم شخصية دينية تاريخية ، ظهرت ما قبل التاريخ ، بعد موسى تحديدا في فترة الملك داوود احد ملوك بني إسرائيل ، الذي حكم مناطق ما وراء نهر الأردن استلهم لقمان سوسيولوجيا المعرفة ، من الحكمة التي أتاها الله لداوود ، فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ، كوصايا عقائدية واجتماعية ذات توجهات أخروية ، وعظ بها ابنه ، علم الله لقمان الحكمة ، وعلمه كيف يشكر فضله ، فالعلم فضل من الله ، ولقد أتينا لقمان الحكمة، يا لقمان لا تعول فضل الله على ذكاءك وقدرتك الذهنية ، وان اشكر لله الذي ألهمك الحكمة ، وعلى الذين استلهموا الحكمة من لقمان وابنه ، ان شكروا لله ، ومن يشكر ، فإنما يشكر نفسه ، ومن كفر بها فان الله غني حميد


وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{12}

لكي يبعد الله الدين عن ازدواجية المعاير الدعوية المجتمعية ، على الأنبياء والرسل وأصحاب الحكمة الربانية ، دعوة الأقربين إليهم أولا ، فدعا نوح ابنه ، ودعا لوط زوجته ، ودعا إبراهيم أباه ، ودعا محمد عشيرته والأقربين إليه ، دعا لقمان ابنه ليعظه ، وإذا قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ، لا تشرك بالله تختلف عن لا تجعل مع الله اله أخر، وتشمل إلوهية منظري الأديان السياسية التاريخية والتراثية ، لا تشرك بالله تعني ، لا تجعل لأي من كان دور فيما سخره الله للبشرية ، وتشمل الاعتقاد والرزق الخير والشر والسعادة ، شركاء الله هم ، ابن الله ، وبنات الله ، وأولياء الله ، ان الشرك لظلم عظيم ، الظلم العظيم ، هو ظلم الإنسان لنفسه ، باتخاذ شريك مع الله

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{13}

ترتكز سوسيولوجيا المعرفة ، لدى لقمان على بعض الوصايا ، منها بر الوالدين ، التي دعا إليها ابنه أولا ، لتطبيقها على نفسه ، حسب أولوية الدعوة للأقربين ، ولإقران بر الوالدين بالإيمان بالله واليوم الأخر ، قال الله ، ووصينا الإنسان بوالديه ، حملته أمه وهنا على وهن ، الوهن الأول مراحل الحمل المختلفة ومخاطرها على الجنين ، والوهن الثاني الولادة والحضانة ، وفطامه في عامين ، ان اشكر لي ، أي لله ، ولوالديك على الفطرة التي أودعها الله فيهما ، لتولي مهمة الرعاية منذ الطفولة الى الكبر، في دعوة دنيوية ذات أبعاد أخروية مصيرية ، والي المصير

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{14}

سيتولى ابن لقمان مهمة الدعوة الى الإيمان بالله واليوم الأخر، المقرن ببر الوالدين ، بوالديه أولا ، حسب أولوية الدعوة للأقربين ، على ان يبقى الإيمان بالله واليوم الآخر فوق كل الوصايا ، وان جاهداك الوالدين ، بالضغط عليك بكل الوسائل المتاحة لديهم ،على ان تشرك بي ما ليس لك به علم ، دليل من الله بأنه اتخاذ شركاء ، فلا تطعهما – وصاحبهما في الدنيا معروفا ، مع الالتزام الكامل بصحبتهما برهما على أعلى المستويات ، واتبع سبيل من أناب الي ، رجع الي ، في دعوة دنيوية ذات توجهات أخروية ، محذرة من عواقب الأعمال المخالفة لوصايا الله ، الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{15}

ان الإيمان بالله واليوم الأخر، لا يقبل الشرك بالله ، ولا العمل السيئ ، ولو كان مقدار حبة من خردل ، فأينما كانت تلك الحبة في داخل الأشياء كالصخرة ، أو خارجها في الأقطار البعيدة ، كالسماوات والأرض، يأتي بها الله يوم القيامة ، كحجة على الإنسان ، لكن الله لطيف بالأمور التي يجهلها الإنسان ، والخارجة عن سيطرته ، كما انه خبير بالأسباب والدافع التي أدت الى ارتكابها دون قصد ، وهذا من باب رحمته للتجاوز عنها

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ{16}

ان الإيمان بالله واليوم الأخر غير كافي ، لابد من إعمال دنيوية تكرسه واقعيا ، كنشاط مزكي هادف للاعتقاد الأخروي ، أوصى لقمان ابنه ببعض الأنشطة الإيمانية المزكية للنفس ، يا بني أقم الصلاة ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، واصبر على ما أصبك ، ان المصائب الدنيوية الناجمة عن الابتلاءات البشرية أو الانهيارات الاقتصادية أو العوامل المناخية أو الحروب والنزاعات أو التصرف الشخصي اللاواعي لا علاج لها إلا بالصبر ، والصبر هو المداومة على المصيبة لإعطائها فترة زمنية أطول لحلها ، ربما الظروف الآنية التي سببت المصيبة لا تعطي لها انفرجا على المدى القريب ، وعلى المدى البعيد يفتح الله مجالات أوسع للحل ، واصبر على ما أصبك ، ان ذلك من عزم الأمر ، عزم الأمور ، شدائد الدنيا

يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{17}

ترى بعض أصحاب الشهادات العليا ، فخور بنفسه ، غير متواضع ، يتكلم بصوت عالي ، رافضا للرأي الأخر، صانعا لنفسه سيكولوجية تختلف عن باقي البشر ، علما ان من مثله ملاين في العالم ، ليس هو الوحيد ، وقد لا يكون هو الأفضل ، أوصي لقمان ابنه بالتواضع ، بان لا يجعل الحكمة التي وهبها الله له ، محل للتباهي والافتخار بين الناس ، كما ان الإيمان بالله واليوم الأخر، يحتاج الى سيكولوجية اجتماعية متواضعة ، كجزء من الاستقطاب المجتمعي ، وان التكبر احد أسباب إعراض الناس عن الدين ، وان كان قيما ، ولا تصعر خدك ، تصعر ، تعني تصغر خدك للناس ، وهو تعبير عن الكبرياء باستدارة الوجه عن من هو اقل علما ، ولا تمشي في الأرض مرحا ، مفتخرا بحكمتك وعلمك ، ان الله لا يحب كل مختال فخور، مختال وضع لنفسه مكانة عالية في مخيلته ، جعلته ينظر الى الناس بعين صغيرة ، فخور ، متباهي بنفسه

وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ{18}

ان احتكار المعلومة أو إخفائها ، وعدم الإدلاء بها أو تبطينها بكلام بعيد عن الحقيقة والشفافية ، يعني حرمان الناس من سوسيولوجيا المعرفة ، وهذا نوع من أنواع الفساد الثقافي والتربوي والمهني والإداري والمعلوماتي ، فالمحتكر مستفيد سياسيا واقتصاديا من الجهل المعرفي ، غالبا ما يكون رد فعل المحتكر على طالب المعلومة بالانفعال ، للتوقف عن مطلبه ، واقصد في مشيك ، والمشي هنا لا يعني المشي على الإقدام ، لان الله ذكر المشي في قوله وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ، واقصد في مشيك ، تعني أوصل الحقيقة لطالبها بكل وضوح وشفافية ، بعيدا عن الغموض ، واغضض من صوتك ، واخفض من صوتك ، وتجاوب مع طالب المعلومة بكل رحابة صدر، ولا ترفع صوتك على متلقيها ، ان أنكر الأصوات أزعج الأصوات لصوت الحمير

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ{19}

مجمل وصايا لقمان لابنه

1- الشكر لله على فضل العلم والمعرفة
2- الإيمان بالله واليوم الأخر وعدم الإشراك به
3- بر الوالدين
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
5- على صاحب العلم والمعرفة التواضع بين الناس
6- على صاحب العلم والمعرفة عدم احتكار المعلومة أو إخفائها

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي