|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
أمل سالم
2024 / 3 / 17
"الثقافة الجديدة"-بداية وتطور.
تحتل مجلة "الثقافة الجديدة"، التي تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، مكانة هامة عند المثقفين والمبدعين المصريين، وفي فترتها الأخيرة وطّدت مكانتها عند المعنيين بالثقافة العربية عامة، داخل مصر وخارجها. فبرغم صدورها، في أبريل 1970، كمجلة ثقافية محلية، إلا أنها –وبفضل جهود هيئات تحريرها المتتالية- استطاعت أن تفرض نفسها، ليس فقط كقبلة للمبدعين البعيدين عن العاصمة/ المركز، كما كان مخططا لها، وإنما قبلة للمبدعين والكتاب في مصر وخارجها.
"الثقافة الجديدة" وتميّز في المنهج.
وإذا أردنا أن نتحدث عن تميّز "الثقافة الجديدة" في تناول المجالات الثقافية المختلفة، فإننا سنقول ذلك في عدة مستويات؛ فعلى المستوى الأول هي بالفعل تمثل ملاذ النشر الورقي الأول –إن لم يكن الأوحد أيضا- لكثير من الكتّاب والمبدعين في أرجاء مصر، في القاهرة وفي المحافظات المختلفة. ويرجع ذلك لسببين؛ الأول: انتظام صدورها؛ فقد تخطت المجلة ما كان يعتريها من توقفات، مثلما حدث عقب صدورها عام1970، حين كان يرأس تحريرها سعد الدين وهبة، إذ توقفت عن الصدور مدة عشر سنوات قبل أن تعاود الظهور ثانية في عام 1980، وكذلك توقفها الثاني عام 1988، والثالث عام 2001. بل وحافظت المجلة على ميعاد طرحها للقارئ؛ فالقارئ والباحث عنها أصبح يجدها لدى البائع في اليوم الأول من الشهر تماما، فالعديد من الدوريات الأخرى تفقد قارئها عندما لا تلتزم بيوم محدد لطرحها للبيع.
السبب الثاني: أنها امتازت بالمصداقية من حيث الجودة في اختياراتها للنشر، سواء في الجانب الإبداعي؛ من شعر وقصة ونقد، أو في الجانب الفكري بفروعه المختلفة، وتجنبت كثيرا من المستويات التي لا ترقى لتقديمها كنماذج إبداعية، تلك التي نصدم بنشرها في دوريات أخري. كما التزمت "الثقافة الجديدة" بالحيادية فيما تقدمه؛ هذه الحيادية صدّرت الطمأنينة للكتّاب، فأتاحت بذلك الفرصة لعدد كبير منهم أن يُظهروا أجود ما عندهم، وفي مختلف الحقول الثقافية.
أما على المستوى الثاني فقد اهتمت المجلة بمضمون الأعداد الخاصة والملفات؛ ويجب أن نذكر -على سبيل المثال لا الحصر- أن العدد التذكاري عن طه حسين في ذكراه الخمسين، أحدث ردة فعل في الوسط الثقافي، بداية من اختيار العنوان القيّم: "طه حسين سيرة عقل مصري"، وهذا العدد الذي نفد حال طرحه واستلزم الأمر طبعة ثانية منه، وما زال السؤال عنه عند باعة الجرائد إلى اليوم؛ فقد جاء العدد قيّما، وشاملًا، ولائقا بقامة مصرية وعربية وإنسانية كبيرة، هو عميد الأدب العربي، الظاهرة الثقافية نادرة التكرار! وقد بذل في هذا العدد التذكاري من الجهد ما يوجب علينا الإشادة به والشكر لباذليه.
تشكيل الذائقة الواعية عبر "الثقافة الجديدة"
أما عن الملفات التي تقدمها "الثقافة الجديدة"؛ فقد أحسنت بتناول بعض هذه الملفات كتّابا ومبدعين فأظهرت أهمية طرحهم الكتابي، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه "التبصير الثقافي"؛ ففي ظل زخم النشر وسهولته، وكثرة عدد المطبوعات الإبداعية كثرة غير مسبوقة، وتباين مستويات الكتابة الإبداعية، فإن القارئ أصبح في حاجة ماسة إلى تنمية الذائقة الثقافية؛ التي تمكنه من الحكم على مستوى المنتج الإبداعي حكما قائما على أسس منطقة ونقدية، وهذا ما تقوم به "الثقافة الجديدة"، وبحرفية ومهنية شديدتين، عبر تناولها للإعمال القيمة وبكتابات جادة متخصصة، تخلّت عن تعقيدات تخصصاتها من أجل الوصول إلى القارئ – وهو المستهدف- من أيسر الطرق وأقصرها .
كما لا يجب أن يغيب عنّا ذكر أهمية الملفات الثقافية التي تناولت المكونات الداخلية والخارجية الخاصة بمصر؛ كتلك التي تناولت التركيبة الجغرافية المصرية (بحيراتها، ومحمياتها، وصحاريها...)، وكذلك ما يتعلق بالفلكور المصري، (الموالد في مصر...)، وكذلك ما تناول الامتداد الإقليمي المصري؛ كملف (أفريقيا، التحديات والفرص)، فقد شاركت "الثقافة الجديدة" الدولة في اهتمامها بدراسة كل ما يتعلق بمصر وبتركيبتها الديمغرافية. فيكفي أن نقول إن "الثقافة الجديدة" أصبحت فاعلة ومؤثرة، فعندما تناولت بملفها محميات مصر، زاد اهتمام وزارة البيئة بها، وعندما تطرقت إلى بحيرات مصر بالدراسة والنشر، اعتنت الدولة بالبحيرات؛ فطورت العديد منها، مثل بحيرة عين الصيرة التي تحولت من بركة للمياه الراكدة إلى منطقة حضارية تزيّن العاصمة.
التناول المختلف عبر "الثقافة الجديدة".
على إننا يجب أيضا أن نتطرق إلى فكرة التناول المختلف التي تميز "الثقافة الجديد"؛ فيكفي مثلا أن نفتح العدد ليطالعنا متابعة عن رسالة للدكتوراة، تم مناقشتها في إحدى كليات الجامعات المصرية؛ مما يعني أن هناك رؤية للوصول إلى الثقافة من خلال ربط العمل الثقافي بالمؤسسات التعليمية، ويعني أيضا أن الاهتمام بكل ما يدور في المؤسسات المصرية هو عمل ثقافي بالفعل، محل اهتمام المجلة، إذ له أهميته في تكوين الشخصية المصرية.
كما إن تناول "الثقافة الجديدة" للأدب عموما يتم في يسر وسهول، يمكنان غير المهتم بالأدب من تلقيه وفهمه وتكوين فكرة عما يتناوله الموضوع المطروح. والأمر نفسه يتكرر عند التطرق إلى المسرح أو الفنون التشكيلية...، بحيث لا يقتصر تقديم النوع الثقافي والإبداعي على المعنِيّ والمهتم به فقط، مما يشير إلى نظرة شاملة لمكونات الثقافية المختلفة، وعلاقتها ببعضها، في فكر هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".
كما أن التناول المختلف، الذي أعنيه، من زاوية أخري قد يأخذ شكلا ونمطا آخر؛ فقد تتناول المجلة موضوعا مكررا، لكنها لا تكرر ما سبق وأن قيل فيه، وهذا عمل سهل، يلجأ إليه كل مستسهل، وكثيرا ما نصادفه عند الاحتفاء بالمناسبات المختلفة؛ دينية كانت أم قومية...
غير أن احتفاء "الثقافة الجديدة" باليوبيل الذهبي لنصر أكتوبر 1973 العظيم جاء مغيرا، وتجنّب تماما التكرارية التي وقع فيها الكثيرون. إن كتاب "الثأر من النكسة-سيرة ثقافية من 1967إلى 1973"، الذي وزع مجانا مع عدد نوفمبر 2023 من المجلة، عمل قيّم، شكّل نوعا خاصا من الاحتفاء، فبالإضافة إلى المعلومات القيمة التي تم تضمينها الكتاب عن تاريخ بعض المكونات المؤسسية الثقافية المصرية، فإن الكتاب أظهر كيف أن المكونات الثقافية المختلفة (السينما، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، وأكاديمية الفنون، ووزارة الثقافة...) شاركت، ليس فقط في تخطي النكسة، وإنما في الثأر منها.
إن القيمة الثقافية التي قدمتها "الثقافة الجديدة" في عمليها المميزين في الأعداد الأخيرة، وأخص بالذكر: عدد أكتوبر2023، وهو العدد التذكاري "طه حسين سيرة عقل مصري"، وكذلك كتاب "الثأر من النكسة-سيرة ثقافية من 1967إلى 1973"، للصحفي القدير طارق الطاهر، الذي وزع رفقة عدد نوفمبر2023، يجعلني أطالب القائمين على التعليم بالاستعانة بهما في مناهج التعليم الخاصة باللغة العربية ومواد المواطنة والتربية الوطنية، بل وبوجودهما ضمن قائمة المكتبات المدرسة.
"الثقافة الجديدة" والأرشيف الإلكتروني
وحيث أننا نحتفي بمجلة "الثقافة الجديد" في اليوبيل الذهبي لها، ويكون عدد أعدادها، في يناير 2024، قد وصل إلى 400 عدد فإنني آمل أن يتم وضع جميع أعدادها، في صيغة pdf، على الموقع الرسمي للهيئة العامة لقصور الثقافة؛ فلدينا مجلة ثقافية لا تقل قيمة بأي حال عما سبقها من مجلات ثقافية مصرية، كمجلة الأستاذ لعبد الله النديم، ومجلة الرسالة لصاحبها أحمد حسن الزيات، والثقافة لأحمد أمين، كما أنها جزء أصيل من الذاكرة الثقافية المصرية.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |