|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2024 / 2 / 14
في تعقيدات تحليل المشهد السياسي او رسم صورة نهائية لحدث ما، هناك ما يشبه لعبة البازل حيث يلعب حجم الصورة وعدد ألوانها والتقارب بينها وعدد قطعها وخاصة منها تلك التي تسمى بالمستعصية التي لا قيمة لها في تحديد ملامح الصورة ولا يعرف مكانها أصلاً ولكنها ضرورية لاكتمال تركيب اللوحة. بل ان في مشهد الحدث السياسي كثيرا من القطع التي لا علاقة لها بالصورة النهائية للحدث ووظيفتها فقط هي التضليل للحيلولة دون التمكن من رسم الصورة الدقيقة لذلك الحدث واهدافه.
تماما هذا ما تُحاط به ما تسمى معركة رفح التي تحف بسياقاتها كثير من الاسئلة، فرغم تحذيرات الأمم المتحدة التي قالت إن أقدام إسرائيل عليها يدخل في عداد جرائم الحرب، وتخوفات الإتحاد الاوروبي من تدهور الوضع العسكري في سيناء كما عبر عنها جوزيب بوريل والموقف الامريكي الذي لم يكتف بالاشتراطات والرفض المعلن لعموم النهج الاسرائيلي كما وصفته مجموعة المستشارين في البيت الأبيض للناخبين العرب في ولاية ميشيغان حسب ما نقلته نيويورك تايمز، بل ان الرئيس بايدن قرر وفقا اكسيوس إيفاد وليم بيرنز مدير وكالة المخابرات المركزية ومهندس وثيقة باريس للقاهرة لاتمام صفقة تبادل الأسرى مع حماس ووضع ملامح خطة سلام أشمل. وبالرغم ايضا من رفض الخارجية السعودية للاجتياح وتهديدات ولي العهد التي اوردتها الوول ستريت وقالت انه ابلغها للوزير بلينكن وفحواها، ان لم يتم عقد صفقة سلام مع الفلسطينيين خلال أسابيع محدودة فإنه لن يكون هناك تطبيع خلال هذا العام في إشارة لا تخلو من تهديد بترحيل ذلك إلى الإدارة القادمة والتي قد يكون على رأسها ترامب.
وفوق ذلك كله وبالرغم من الغضب المصري من احتمالات الهجوم الذي قد يصل الرد عليه عسكريا وفقا لموقع عربي 21 الذي قال ان ذلك كان رأي القيادات العسكرية وقادة المخابرات العسكرية، فيما أبدى الرئيس السيسي واللواء عباس كامل خلال اجتماع دعا له هذا الاخير رغبة في الاكتفاء بالرد الدبلوماسي، الذي تم تفعيل قنواته مباشرة حيث نقلت "نيويورك تايمز" ان مسؤولين مصريين حثوا نظرائهم الغربيين على إبلاغ إسرائيل بأنهم يعتبرون أي تحرك لإجبار سكان غزة على العبور إلى سيناء بمثابة انتهاك من شأنه أن يؤدي إلى تعليق معاهدة السلام لعام 1979.
والحقيقة ان القاهرة وفي اطار وضع رفضها للتهجير موضع التهديد واتساقا مع طروحات القادة العسكريين فانها أرسلت نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى شمال شرق سينا في إطار سلسلة تدابير لتعزيز الأمن على حدودها مع قطاع غزة، ومنع إسرائيل من تجاوز بنود اتفاقية السلام في المنطقة د التي لا يتجاوز عمقها 4كم ولا يسمح بأن يتواجد بها أكثر من 4 آلاف جندي إسرائيلي بأسلحة قوات المشاة الميكانيكي فقط، دون مدرعات ومدفعية أو طيران. وان دخول أي من هذه الانواع يعد خرقا لمعاهدتي السلام، وكامب ديفيد.
وبالرغم من كل الذي ذكر وأكثر منه فان نتنياهو قد امر جيشه بوضع الخطط اللازمة لتنفيذ اجتياح رفح التي زعم ان بها 4 كتائب لحماس بكامل عتادها بالإضافة إلى وجود نحو 12 نفقا متصلة بمنطقة سيناء، وانه وفقا لصحيفة تايمز أوف اسرائيل فان على الجيش إنجاز هذه المهمة قبل حلول رمضان تحسبا لردود فعل غاضبة يمكن ان تشهدها المنطقة.
واللافت هنا ان نتنياهو الذي يرغب في تحقيق هذه المهمة المستحيلة في غضون شهر مع تجنب إيقاع خسائر في صفوف المدنيين كما زعمت صحيفة هآرتس التي قالت إنه سيتم اجلاؤهم من منطقة رفح إلى مناطق آمنة، دون ان تذكر كيف سيتم نقل حوالي مليون ونصف المليون نازح في مثل هذه الفترة الوجيزة والى اي منطقة تحديدا حيث لم تعد هناك مناطق يمكن لها استيعاب هذه الاعداد بعد أن دُمرت ابسط مقومات الحياة في أكثر من 80% من مساحة غزة.
ولاستحالة إمكانية من هذا القبيل فان الجيش الإسرائيلي، ان نفذ عمليته هذه فانها ستكون في مساحة لا تتجاوز 55 كم مربع، يعني أن كل كم مربع سيكون فيه 27272 فلسطيني ما يجعلها أعلى كثافة سكانية في الكون، حيث أن كل متر مربع يقطنه 27.272 نسمة، ما يعني أن أي رصاصة يتم إطلاقها ستكون لها تداعيات إنسانية فضيعة فما بالك بقصف جوي وصاروخي ارضي وبحري.
لكن وفي الوقت نفسه الذي يبلغ فيه نتنياهو مصر بقرار اقتحام رفح ويستدعي احتياطه، يرسل وفدا إلى القاهرة لمفاوضات اتمام صفقة التبادل، وكأن كل الذي يدور الحديث حوله ليس أكثر من مناورة دبلوماسية إلى جانب المناورة البرية والضغط العسكري الذي دخل شهره الخامس من اجل تحقيق صورة نصر، ترمم كارثة الهزيمة الاستراتيجية وخاصة الأخلاقية التي منيت بها إسرائيل.
الحقيقة ان إجابات قاطعة عن الاسئلة التي تحف بالتلويح باجتياح رفح ستبقى معلقة ورهينة لحقيقة الموقف الأمريكي- المختطف الان من قبل نتنياهو على حد تقدير عبد الله اللهيان وزير الخارجية الايرانية- الذي نرجوا ان لا يكون غطاء لتمرير مؤامرة التهجير من غزة اولا قبل الالتفات إلى الضفة الغربية لتنال قسطها لاحقا.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |