تأثير التعويم على الاقتصاد وعلى المواطن (2)

احمد حسن عمر
2024 / 2 / 7

بداية فكرة التعويم
دكتور/احمد حسن عمر
أدت التطورات الاقتصادية والسياسية في أوائل فترة الستينيات من القرن الماضي إلى بيان ما آل إليه نظام النقد الدولي المبني على اتفاقية برايتون وودز التي تعتمد نظام ثبات أسعار الصرف التي تستند على الدولار الأمريكي الذي يتسم بقابليته للتحويل إلى ذهب دون حدوث تغيير للسعر.
إذ أنه لم يعد يتمكن من ضبط التغيرات الكبيرة المستمرة في أسعار صرف العملات في الدول المشاركة في الاتفاقية.
لذلك، وبعد انهيار هذه الاتفاقية، بدأ التفكير في تعويم العملة حيث أدت اتفاقية سيمشونيان التي أبرمت عام 1971 إلى تعزيز ذلك الأمر.

وللتعويم نوعين هما :
تعويم العملة المطلق (التعويم الخالص، أو التعويم الحر) وهو ترك العملة تتفاعل مع قانون السوق (العرض والطلب) دون تدخل حكومي، وهو غير مطبق فعليا.
تعويم العملة المدار (التعويم الموجَّه) وهذا النوع من التعويم  تقوم من خلاله الحكومة بتحديد سعر صرف العملة المحلية وفقاً لمصلحة الدولة الاقتصادية ، وتعمل بهذا النوع الدول التي تتميز باقتصاديات قوية ومرنة، ولديها قاعدة صناعية متميزة وتستحوذ على حصة كبيرة بها من التجارة لعالمية.
 ويطلق على هذا التعويم حرب العملات التي اندلعت بعد عام 2008 وشهدها الاقتصاد الدولي بهدف الحد من الواردات وتعظيم الصادرات.
وهناك سعر الصرف الإداري، وهو لا يعتمد على آليات العرض والطلب، ولكن يعتمد على قرار من السلطة النقدية بسعر محدد.
وتلجأ الدول التي تعانى من ارتفاع معدلات التضخم وضعف اقتصادها إلى التعويم المدار الذى بتكلفها بفاتورة كبيرة يدفعها عامة الشعب،  وتلجأ تلك الدول لسياسة التعويم في ظل معاناتها من أوضاع اقتصادية ومالية خانقة.
ومع قله احتياطي العملات الأجنبية وصعوبة الحصول علىها للحفاظ على استقرار الأسواق في ظل اختلال المدفوعات (زيادة الواردات وانخفاض الصادرات)الناتج عن سوء الأداء الحكومي،
 مما يستنزف احتياطى العملات الأجنبية في الواردات وتتأثر سلباً موارد النقد الأجنبي وتقل تدفقات الاستثمارات الأجنبية. وتجد الحكومة نفسها وقد تضخمت التزاماتها لتصبح أكبر بكثير من قدراتها لكون موارد العملة الأجنبية المتاحة أصبحت خارج سيطرتها.ما يجعلها غير قادره على ضبط سعر صرف العملة الوطنية ويكون التحكم فيها للسوق السوداء او السوق الموازية
  وذلك تضطر الدول التي تعانى من أزمات إقتصاديه لإتخاذ قرار التعويم رغماً عنها استجابة لشروط صندوق النقد الدولى المانح للقروض. علاوة على حزمة من الإجراءات التقشفية منها تعويم سعر العملة الوطنية وخفض أعداد العاملين بأجهزة الدولة والقطاع العام، وتبني برامج خصخصة الشركات المملوكة للدولة وتسهيل اجراءات دخول الاستثمارات الأجنبية وتحرير التجارة.
ويختلف التعويم عن "انخفاض قيمة العملة"، الذي تحدده السوق المفتوحة على أساس العرض والطلب، والتعويم عكس الربط، فالعملات المربوطة مقابل عملة رئيسية أو سلة عملات يتم تعويمها من خلال "فك" الربط جزئيا أو كليا.
أما انخفاض قيمة العملة فعكسه ارتفاع قيمتها، كما يحدث للعملات الرئيسية في الأسواق الحرة مثل الدولار الأميركي أو اليورو أو غيرها. إذ ترتفع قيمة تلك العملات أو تنخفض في السوق حسب العرض والطلب، وقوة أساسيات الاقتصادات التي تمثلها، وتصرفات المضاربين في أسواق العملات.
وفي الوقت الذي يشهد فيه سعر الدولار في البنوك المصرية استقرارا، إذ يجري تداوله بالقنوات الرسمية عند مستويات أقل من 31 جنيها، نجد أن الدولار يتحرك بعنف بالسوق الموازية (ما يعرف بالسوق السوداء) ليصل إلى مستويات مبالغ فيها، وأصبحت عملية «تعويم الجنيه» قاب قوسين أو أدنى، حيث ترددت أنباء قوية عن نيه البنك المركزي لتنفيذها وهذا يعنى رفع البنك المركزي يده عن العملة بشكل كلي، بالإضافة لفك ارتباطها بأي عملة أخرى أو بالذهب وتركها عائمة ترتفع وتنخفض وفقًا لآليات العرض والطلب، وعلى هذا الأساس يتحدد سعرها فى السوق الرسمية بالبنوك العاملة فى السوق المحلية، بهدف السيطرة على سعر الدولار في السوق السوداء ومواجهة المضاربين وتجار الصرف على العملة وتكبدهم خسائر كبيرة، علما بأن السعر الحالي للدولار في السوق المصري هو سعر غير حقيقي.
وتعود سياسية تعويم الجنيه في مصر إلى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي نفذها بطريقة غير مباشرة، من خلال السماح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء الاقتراض من الغرب،
وظهر مصطلح «تعويم الجنيه» للمرة الأولى في 2003، عندما أعلنه عاطف عبيد، رئيس الوزراء وقتها، وهو ما تسبب في ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 50 %، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيه إلى 5.35 جنيه.
تسلسل زمني لخفض قيمه الجنية
منذ شهر نوفمبر من العام 2016 ومع موافقة صندوق النقد الدولي على منح مصر قرضاً قيمته 12 مليار دولار حينها، تم خفض قيمة العملة المصرية أربع مرّات، على النحو التالي:
في المرة الأولى في نوفمبر 2016 قفز من 8 جنيهات للدولار إلى 19 جنيهاً، ليستقر بعد ذلك عند مستوى 16 جنيهاً أمام الدولار.
في مارس 2022، وبعد الحرب في أوكرانيا، تم خفض قيمة الجنيه ليتراجع من مستويات في حدود الـ 16 جنيهاً أمام الدولار إلى 18 جنيهاً.
الخفض الثالث كان في شهر أكتوبر الماضي، مع الاعتماد على سعر صرف مرن للجنيه الذي وصل إلى ما بين 22 إلى 24 جنيهاً للدولار، وبعد الإعلان عن موافقة صندوق النقد منح القاهرة قرضاً جديداً.
وفي الشهر الأول من العام الجاري تم خفض قيمة العملة لتصل إلى دون الـ 31 جنيهاً أمام الدولار.

خصائص تعويم العملة
التقلب: سعر صرف العملة المعوّمة يتغير باستمرار مع كل تغير في العرض والطلب على العملات الأجنبية، ما يجعله عرضة للتذبذبات والتقلبات.
الاستقلالية: الدولة التي تعوّم عملتها ، تستطيع متابعة أهداف السياسة الداخلية دون قيود خارجية، مثل عبء الدين أو نقص العملات الأجنبية.
التكيف: التعويم يساعد على تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، حيث ينخفض سعر صرف العملة في حالة العجز، ما يزيد من تنافسية الصادرات، ويرتفع في حالة الفائض، ما يحفز على الاستيراد.
التحرير: التعويم يسمح بتداول العملات المعوّمة دون أي ضوابط أو قيود من قبل الحكومة أو المصرف المركزي، ما يزيد من كفاءة سوق الصرف.
استقرار ميزان المدفوعات:  التعويم يساعد على تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، وهو بيان يبين التعاملات التجارية بين دولة وبقية العالم. عندما يكون هناك عجز في ميزان المدفوعات، ينخفض سعر صرف العملة، مما يجعل صادرات الدولة أرخص وأكثر جاذبية للدول الأخرى، وبالتالي يزيد الطلب عليها ويرفع قيمة العملة.
تحرير السياسة الداخلية: التعويم يسمح للحكومة باتباع سياسات اقتصادية داخلية تهدف إلى تحقيق النمو والتشغيل والاستقرار دون قيود خارجية. على سبيل المثال، لا تحتاج الحكومة إلى اتباع سياسات تقشفية أو انكماشية لتصحيح عجز ميزان المدفوعات، بل يمكنها استخدام أدوات السياسة المالية والنقدية لتحفيز أو كبح الطلب المحلي.
التبادل الخارجي غير مقيد: التعويم يسهل تداول العملات المحلية والأجنبية دون قيود أو ضوابط من قبل الحكومة أو البنك المركزي، وهذا يزيد من كفاءة وسائل التحويل والتسديد بين المتعاملين في سوق الصرف.
تجنب التضخم: تعويم العملة يساعد على منع حدوث التضخم، وهو ارتفاع مستمر في مستوى الأسعار العامة. عندما تكون عملة دولة مثبتة بالنسبة لعملة أخرى، فإنها تتأثر بالظروف الاقتصادية لهذه الدولة. فإذا كانت هذه الدولة تعاني من التضخم، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة عملتها، وبالتالي ارتفاع قيمة عملة الدولة المثبتة. هذا يزيد من تكلفة استيراد السلع والخدمات من الخارج، ويؤدي إلى زيادة الطلب على السلع المحلية، وبالتالي زيادة أسعارها. أما في معنى تعويم العملة، فإن سعر صرفها يتغير باستمرار بحسب ظروف السوق، مما يجعلها قادرة على التكيف مع التغيرات في مستوى التضخم، فإذا كان هناك ارتفاع في التضخم في دولة أخرى، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة عملتها بالنسبة لعملة الدولة المعوّمة. هذا يجعل استيراد السلع والخدمات من هذه الدولة أرخص، ويقلل من الطلب على السلع المحلية، وبالتالي يحافظ على استقرار الأسعار.
أسباب تعويم العملة:
اختلاف معدلات النمو الاقتصادي بين أهم الدول الصناعية المتقدمة وذلك من خلال ظهور قوى اقتصادية كبرى مثل أوروبا الغربية واليابان والتي صارت تنافس الولايات المتحدة الأمريكية.
تأثير تباين مستويات التضخم بين الدول الصناعية على أسعار الفائدة، إلى جانب تأثيرها على تغيرات أسعار صرف العملات أيضا.
تأثير ارتفاع معدل الإنفاق الأمريكي بما يشمل الإنفاق على الاستثمار الخارجي وتمويل الإنفاق على حرب فيتنام الذي أدى إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي.
ازدياد معدل التنافس وتعارض المصالح الذي جرى بين الدول الصناعية المتقدمة.
الانهيار الذي لحق بنظام برايتون وودز والذي يرجع إلى افتقار الاقتصاد الدولي إلى السيولة العالمية التي يتيحها تدفق الدولارات الأمريكية إلى الخارج نتيجة عجز الميزان التجاري.
تمويل حركات المضاربة الضارية، خاصة عند تمويل سوق الدولارات الأوروبية لحركات المضاربة الضارية التي شهدها الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني والليرة الإيطالية والمارك الألماني في أواخر فترة الستينات، تأثرا باتساع مجال حركة رؤوس الأموال المستخدمة في المضاربة الشديدة.
 وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هي أبرز الدول التي اتبعت نهج التعويم على مستوى العالم لكي تتمكن من الحفاظ على مستواها التنافسي ودعم توجهاتها الاقتصادية والسياسية
وقد صدقت اتفاقية صندوق النقد الدولي في شهر مايو من عام 1976 على أن تعويم العملات يمثل مبادرة نحو إصلاح نظام النقد الدولي، وذلك في محاولة منها لمسايرة مثل هذه التطورات الجديدة على المستوى الاقتصادي والسياسي.
العرض والطلب على الدولار وتأثيره على السعر
نظرية العرض والطلب في السوق تعني، عندما نستورد سلع من دول أخرى فإننا نحتاج الدولار بكميات كبيرة، لإتمام عمليات الاستيراد مما يجعل الطلب على الدولارات يزيد وبذلك يرتفع سعرها، بينما في حالة رغبة دولة أجنبية أن تستورد منا سلع معينة، سوف تقوم بدفع ثمن هذه السلع بالدولار، وبالتالي لو كان صادرتنا أكثر من واردتنا، سيؤدي ذلك لخفض سعر الدولار مما يجعل عملتنا ترتفع وتصبح أقوى.

وهناك يعض العوامل التى تؤثر في العرض والطلب على العملة الأجنبية، منها الاستقرار السياسي في الدوله والذي يساعد على جذب الاستثمارات، بالإضافة لفرق الصادرات والواردات لصالح الاحتياطي الأجنبي، وأيضاً الفرق بين الفائدة على الدولار والجنيه المصري، مما يؤثر بالسلب على الاقتصاد المصري .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي