-في التناقض- تعليقات وحواش- القسم الثالث والأخير

نايف سلوم
2024 / 1 / 25

الوحدة والصراع بين طرفي التناقض
الوحدة، الاتحاد، التطابق، التداخل، الترابط، الخ من بين هذه المصطلحات التي تشير إلى وحدة الضدين، فإن أنسبها هو مفهوم الوحدة، وحدة الضدين، أي وجودهما المترابط والمتزامن في نفس الوحدة التاريخية أو البنية (التشكيلة). فلا يمكن تصور وجود البروليتاريا الحديثة من دون وجود البورجوازية الحديثة. أي أن الطرفين يتواجدان في كيان واحد. "إن كل طرف من طرفي التناقض في عملية تطور شيء ما يستلزم وجود الطرف الآخر المتناقض معه، كشرط مسبق لوجوده هو" (في التناقض)
يقول ماو: "إن كل طرف من الطرفين المتناقضين، يتحول، تبعاً لعوامل معينة، إلى نقيضه. وهذا هو ما يقصد بالوحدة" (في التناقض)
وإذا أخذ الكلام على حرفه (بحرفيته) خرجنا بفهم عجيب للعبارة مفاده: أن وحدة الضدين تعني، في شروط معينة، تحول البورجوازية إلى بروليتاريا، والبروليتاريا إلى بورجوازية. وهنا نقع في الخطأ الذي يقول بتماثل الاضداد، وبالاستبدالية ضمن الوحدة، وليس دمار الوحدة القديمة والانتقال والتحول إلى وحدة جديدة بنقيضين جديدين أو يتبدل في موقع الضدين.
وبما أن الطرفين المتناقضين في أية عملية هما متعارضان ومتصارعان ومتضادان فيما بينهما كما يقول ماو، فإن ضمانة بقاء الوحدة التي تجمعهما، هو بقاء الطرف المسيطر في أساس تشكل الوحدة التاريخي في موقعه المهيمن المسيطر، كحال بقاء البورجوازية في حالة السيطرة، والذي هو ضمانة بقاء التشكيلة (الوحدة) البورجوازية. لكن مع تغير الشروط التاريخية وسيرها بغير ما تهوى البورجوازية، ومع تزايد قوة البروليتاريا الوعي التاريخي والتنظيم المستقل عن سلطة البورجوازية، ومع بدء كفة ميزان القوى الاجتماعية التاريخية بالميل لصالح البروليتاريا، يختل توازن البنية البورجوازية ويهددها الانقسام والتصدع ويميل الضدين للتعادي، وازدواجية السلطة لفترة قصيرة، من ثم تعلن البروليتاريا نفسها طرفاً مسيطراً في التناقض والصراع. هنا يتم تحويل البنية البورجوازية إلى بنية اشتراكية، تكون البروليتاريا فيها هي المهيمنة في الثورة الديمقراطية البورجوازية (المرحلة الديمقراطية للثورة الاشتراكية). وفي هذه المرحلة الجديدة بقيادة البروليتاريا تظهر تناقضات جديدة في التشكيلة الجديدة. وتغدو البورجوازية طبقة هامشية ثانوية ذات فلول، أوعبر استمرار الفلاحين الأغنياء وطموحهم البورجوازي.
إن تحول كل طرف من طرفي التناقض إلى الاخر يجري في الموقع الذي يحتله كل نقيض. أي بتحول الطرف الهامشي إلى رئيسي والرئيسي إلى هامشي ضمن عملية تطور الصراع الطبقي. فالضدان يتبادلان المواقع، ولا يتبادلان الطبيعة، فالتبادل في الموقع لا في الجرم أو الجسم أو الطبيعة، إذا جاز القول.
وعندما تتلاشى البروليتاريا كطبقة في النظام الاشتراكي، تتلاشى معها البورجوازية ومعهما الحق البورجوازي بالمعنى التاريخي: (من يعمل أكثر أو أجود يأخذ أكثر).
"إن كلاً من الطرفين المتناقضين في أي شيء، ينزع بسبب عوامل معينة (شروط متغيرة) إلى التحول إلى الطرف المناقض له، وأن ينتقل إلى مركز نقيضه. هذا هو المعنى الثاني لوحدة طرفي التناقض. " (في التناقض)
وهذا ما يقصد بعبارة "وحدة الاضداد".
يقول ماو: إن البروليتاريا التي كانت محكومة تصبح هي الحاكمة بواسطة الثورة، بينما البورجوازية، وهي الحاكمة في الاصل، تصبح هي المحكومة وتنتقل إلى المركز الذي كان نقيضها يشغله من قبل. كيف يمكن أن يحدث هذا التبدل، لو لم يكن ثمة ترابط ووحدة بين الطرفين المتناقضين بسبب عوامل معينة " (في التناقض)
وهذه العوامل المعينة هي "الثورة الديمقراطية البورجوازية" ومرحلتها، والتي تتصارع على قيادتها التاريخية في المرحلة الامبريالية كل من البورجوازية والبروليتاريا. خاصة وأن البورجوازية في أطراف النظام الرأسمالي (البلدان المتأخرة والمتخلفة) لم تعد قادرة في العصر الامبريالي على انجاز المهام الديمقراطية، تلك المهام التي أنجزتها البورجوازية الليبرالية في القرن التاسع عشر، والتي تشمل التصنيع والتحديث الاجتماعي والوحدة القومية.
إن هذا التركيب في مهمات البروليتاريا (المهمات الديمقراطية البورجوازية للاشتراكيين الماركسيين)، وتحول المهمة من حيث الامكانية التاريخية والقدرة على الإنجاز، من البورجوازية الرثة إلى البروليتاريا، هو الذي ينير كلام ماو حين يقول: "ثمة جسر بين الملكية الخاصة والملكية العامة يوصل الأولى إلى الأخيرة، وهو يدعى بالفلسفة بالوحدة (وحدة النقيضين)، أو تحول الشيء إلى نقيضه أو التداخل (في المهمات والمراحل)" (في التناقض)
إن الضمانة التاريخية لإنجاز المهمات الاشتراكية من قبل حزب البروليتاريا في بلد متأخر أو متخلف هو براعة إنجازه للمهمات الديمقراطية البورجوازية. وأن أي استعجال في انجاز المهمات الديمقراطية البورجوازية بحجج "اشتراكية" تعني فيما تعني حجب قوى بيروقراطية محافظة ورجعية هدفها الانقلاب على الثورة الاجتماعية.
إن كل نقيضين مترابطان، فهما يتواجدان في كيان واحد في ظل عوامل معينة (شروط معينة)، ويتحول أحدهما إلى الاخر (بتبادل المواقع) في ظل عوامل معينة (شروط معينة). هذا هو كامل معنى وحدة وصراع الضدين. إن الاضداد أشياء حية مشروطة، قابلة للتحول بعضها إلى نقيضه على مستوى الموقع في التناقض. إن وحدة الضدين لا توجد بشكل اختياري واعتباطي، بل توجد في ظل عوامل ضرورية معينة فقط، ولا يمكن أن يكون هناك من وحدة من دون عوامل ضرورية معينة. أي يتوجب وجود علل داخلية مع شروط وأسباب خارجية حتى تحصل وحدة الضدين الحقيقية لا الوحدة الخرافية.
أما صراع الاضداد فنقول عنها ما قاله لينين: "إن وحدة الضدين مشروط، مؤقت، عارض، نسبي. أما صراع الضدين فهو مطلق، تماماً كما أن التطور والحركة مطلقان" (حول الديالكتيك أو في مسألة الديالكتيك). إن للحركة شكلين: شكل السكون النسبي، وشكل التبدل الملحوظ. وأن كلا شكلي الحركة سببه صراع العاملين المتناقضين اللذين ينطوي عليهما الشيء" (في التناقض)
عندما يتخذ الشيء في حركته الشكل الأول (السكون النسبي)، فإنه يطرأ عليه تبدل كمي فقط لا نوعي، لذلك يبدو في حالة من السكون الظاهري. وعندما يتخذ الشيء في حركته الشكل الثاني للحركة (التبدل الملحوظ)، فإنه يكون قد بلغ نقطة معينة هي قمة التبدل الكمي الذي حصل في الشكل الأول، فينتج عن ذلك تفكك الكيان الواحد، ويحدث تبدل نوعي، ويظهر على الشيء تبدل ملحوظ أو تبدل للشيء نفسه إلى شيء آخر مختلف نوعياً. ويتم حل التناقضات بفضل الشكل الثاني. فإذا كانت التراكمات الكمية غير كافية وتلاشت وحافظت على بقاء الكيان القديم كما هو، قلنا إن التناقض كان متلاشياً غير قادر على تحويل البنية (الوحدة) القائمة.
يقول ماو: ولما كانت وحدة الضدين لا تتحقق إلا بوجود عوامل معينة، قلنا إن الوحدة مشروطة ونسبية. ثم أضفنا أن صراع الضدين يسري في العملية من البداية إلى النهاية، ويسبب تحول عملية إلى أخرى، وأن صراع الضدين موجود في كل شيء، لذلك نقول أن صراع الضدين غير مشروط ومطلق" (في التناقض)
لا وحدة بدون صراع. فعندما يقول لينين "أن ثمة مطلق في النسبي " فإنما يقصد أن ثمة صراعاً في الوحدة.
مركز التعادي أو التناحر في التناقض
"من بين المسائل المتعلقة بصراع الضدين مسالة التعادي (التناحر) بينهما" (في التناقض)
التعادي شكل من أشكال صراع الضدين، لكنه ليس الشكل الوحيد. فبعد أن ينمو التناقض بين الضدين إلى مرحلة معينة، لا يعود التعايش بينهما بسلام ممكناً بفعل شروط وعوامل مستجدة، يصل الضدين عبرها إلى مرحلة التعادي أو التناحر والحرب. وينتقل المجتمع كوحدة متعايشة بين الطبقات إلى مرحلة الثورة الاجتماعية والحرب الأهلية المفتوحة وإلى صراع طبقي سافر ومسلح بين الطبقتين النقيضين.
يقول ماو: وهذا يساعدنا على أن نفهم أن الثورات والحروب الثورية لا يمكن تجنبها في المجتمع الطبقي، وبدونها يستحيل تحقيق أي قفزة في التطور الاجتماعي، والاطاحة بالطبقات الحاكمة الرجعية، ليظفر الشعب بالسلطة السياسية"
إن التعادي بين الطبقتين النقيضين يشير إلى ضرورة الثورة الاجتماعية، وأنها ليست ضرورية في مجتمع طبقي فحسب، بل هي ممكنة كل الإمكان أيضاً، وهي حقيقة تاريخية تتكرر بين وقت وآخر، وقد أكدتها الثورات في تاريخ الجنس البشري. وآخرها ثورات القرن العشرين الاشتراكية-الديمقراطية في روسيا 1917، وفي الصين 1949 وفي كوبا 1959 على سبيل المثال.
هنا لا بد من التفريق بين مفهوم "الثورة الاجتماعية" والتي تعني الانتقال عبر الثورة من نمط إنتاج إلى آخر. كالانتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية في الثورة البورجوازية الفرنسية على سبيل المثال، وبين "الثورة السياسية" التي هي ثورة شعبية بامتياز، لكنها تحافظ رغم عنفها وشعبيتها على نمط الإنتاج القائم، ومثال ذلك الثورة الشعبية في إيران 1979 التي حطمت نظام الشاه المستبد والعميل للإمبريالية الأميركية وقلبته، لكنها أبقت على نمط الإنتاج البورجوازي الذي كان قائماً فترة حكم الشاه.
لكن للتاريخ إمكانات متعددة، وعلينا أن كون حذرين وألا نُفْرط في التعميم، وعلينا دائماً القيام بدراسة الشروط المحددة الملموسة، لمعرفة مآل وكيفية حل التناقض القائم والصراع بين الاضداد بالمعنى التاريخي وبشكل محدد.
التناقض والصراع شيئان عامان ومطلقان، إلا أن طرق حل التناقضات، أي أشكال الصراع، تختلف تبعاً لاختلاف طبيعة التناقضات، ولاختلاف الشروط التاريخية الملموسة والمحددة، والتي يجري الصراع في كنفها. إن التحول من حكم البورجوازية الرثة إلى حكم الاشتراكية الماركسية لا بد له من ثورة اجتماعية، لكن الحفاظ على سلطة الاشتراكيين ليس له شكل واحد يأخذ صفة الاطلاق، بل يتحقق أحياناً وفي شروط تاريخية محددة، وضمن موازين معينة للصراع الطبقي الدولي، ولشكل التحالفات الدولية أشكالاً مختلفة. فبعد أن أطاحت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني (ساندينستا) بأناستازيو سوموزا دي بايل في 1979 منهين بذلك حكم سلالة سوموزا، وأسسوا حكومة ثورية بدلا منها، أضعفوا بهذا سلطة البورجوازية الليبرالية الملحقة بالإمبريالية الأميركية وسلطة ملاكي الأرض الرجعيين لصالح الفلاحين الفقراء. مع امتلاكهم السلطة، حكم الساندينيون نيكاراغوا من 1979 إلى 1990.
في 1984 تم عقد الانتخابات التي قررت أحزاب المعارضة مقاطعتها. فازت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني بأغلبية الأصوات، بينما فاز معارضو الساندينيين بحوالي ثلث المقاعد.
بعد مراجعة الدستور في 1987 وبعد عشر سنوات من قتال الكونترا (1979-1989)، خسرت الجبهة الساندينية للتحرير الوطني انتخابات 1990 لصالح فيوليتا تشامورو ولكنهم احتفظوا ببعض المقاعد التشريعية. في انتخابات نيكاراغوا العامة في 2006، تم انتخاب رئيس الجبهة الساندينية للتحرير الوطني السابق دانييل أورتيغا من جديد رئيسا لنيكاراغوا بإجمالي 38.7% من الأصوات في مقابل 29% لمنافسه مما أدى إلى ثاني حكومة ساندينية في البلاد بعد 17 سنة من فوز الأحزاب المعارضة بالانتخابات. تم انتخاب أورتيغا والجبهة الساندينية للتحرير الوطني من جديد في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2011 ونوفمبر 2016.
ومثل ذلك تجربة فنزويلا شافيز وخليفته مادورو .
يكتب ماو: هناك تناقضات أخرى هي في الأصل ذات صفة عدائية، ولكنها تتطور (بفعل شروط تاريخية محددة) فتصير تناقضات صفتها غير عدائية" (في التناقض) ومثال ذلك تجربة الساندينيين: من الثورة الاجتماعية المسلحة إلى الانتخابات الديمقراطية وصناديق الاقتراع.
بالطبع وكما يقول ماو، العكس وارد أيضاً بحيث "تتطور بعض التناقضات التي كانت في الأصل ذات صفة غير عدائية فتصبح تناقضات ذات صفة عدائية" (في التناقض)
إن التناقض بين الأفكار المختلفة داخل الحزب الثوري وخاصة الشيوعي، هو انعكاس للتناقضات الطبقية في المجتمع. وقد يتطور هذا الخلاف وهذا الصراع أي هذا التناقض من تناقض غير تناحري إلى تناقض تناحري وتعادي بين التيارات داخل الحزب. والامثلة التاريخية كثيرة، خاصة في الأحزاب الثورية ومنها الحزب الشيوعي السوفياتي، والحزب الشيوعي الصيني.
إن حديث ماو عن الصراعات بين تيارات الحزب البلشفي، خاصة صراع ستالين وتروتسكي من جهة، وصراع ستالين وبوخارين من جهة ثانية، فيه مداهنة من ماو تجاه ستالين نظراً لسلطة هذا الأخير الطاغية على الحركة الشيوعية العالمية بين الحربين. وماو مناور كبير، أدهى من أن يدخل في صراع مفتوح مع ستالين خاصة وهو صاحب القول بالتناقض الرئيسي والتناقض الثانوي، وخضوع التناقض الثاني للأول الرئيسي الحاكم.
وكما يقول ماو في نهاية مقالته الهامة هذه: "إن التعادي ليس سوى شكل من أشكال صراع الضدين، وليس الشكل الوحيد، فلا يجوز أن نفرض هذه الصيغة على كل شيء" (في التناقض)
أقول: سيبقى هذا الشكل من التناقض (شكل التعادي) قائماً، ما دام المجتمع الطبقي قائماً، ولا يزول إلا بزوال المجتمع الطبقي، حيث يزول التعادي كشكل للتناقض ويبقى التناقض بأشكاله الأخرى. قال لينين: إن التعادي والتناقض شيئان مختلفان كل الاختلاف" (حول الديالكتيك). "ففي ظل الشيوعية سيتلاشى التعادي، أما التناقض (الاختلاف) فيظل قائماً" (من تعليق لينين على كتاب بوخارين: "الاقتصاد في مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية")
أخيراً أقول لكم ما قاله هيغل: "المنطق حكم مسبق وباطل. إن المنطق يُعلّم التفكير" (دفاتر عن الديالكتيك-1 ص 125)

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي