|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
سعد السعيدي
2024 / 1 / 22
في نهاية شهر كانون الاول الماضي رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها اسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ أكثر من 3 أشهر وهو ما ادى الى سقوط الضحايا بعشرات الالوف بين شهيد وجريح. وقد عقدت المحكمة في لاهاي يومي 11 و12 من الشهر الجاري، جلستي استماع علنيتين للنظر في الدعوى القضائية. وفي يوم 16، اي بضعة ايام بعد جلستي الاستماع فاجأت هذه المحكمة التابعة للامم المتحدة العالم باصدارها قرارا يوضح التدابير المؤقتة المطلوب تنفيذها من قبل الاسرائيليين لضمان سلامة المدنيين في غزة من ضمنها تعليق العمليات العسكرية وضمان وصول المساعدات. وهي تدابير طالبت باصدارها الدولة الخصم في القضية اي جنوب افريقيا بانتظار قيام المحكمة باصدار قرارها النهائي وذلك لتجنب سقوط المزيد من الضحايا بينما تنظر المحكمة في الاتهام.
لقد قرأ قاضي الأمم المتحدة بيتر تومكا بصفته مسجل المحكمة، التدابير المؤقتة التي تطلبها جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية، والتي يأتي على رأس الطلبات التي تقدمت بها جنوب إفريقيا هي أن تعلق إسرائيل فورا عملياتها العسكرية في غزة، بالإضافة إلى ضرورة أن تضمن إسرائيل عدم وجود اية وحدات مسلحة عسكرية او غير نظامية قد يتم توجيهها بدعم او نفوذ منها، وكذلك اية منظمة وأشخاص قد يخضعون لتوجيهاتها او نفوذها، وكذلك ان تتعهد بأنها لن تتخذ اية خطوات لتعزيز الجيش.
وذكر قاضي الأمم المتحدة في معرض تدابير حماية المدنيين التي طالبت بها جنوب إفريقيا: «وفقًا لالتزامات إسرائيل بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يجب اتخاذ جميع التدابير التي يمكن تنفيذها في حدود سلطتهم لمنع الإبادة الجماعية، فضلا عن ضرورة عمل دولة إسرائيل وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني.
وطالبت جنوب إفريقيا في الطلبات التي قدمتها إلى محكمة العدل الدولية بضرورة الكف عن ارتكاب اي من الأعمال الواردة في نطاق المادة 2 من الاتفاقية، والتي تنص على منع الآتي:
أ- عمليات القتل الجماعية.
ب- التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لعدد كبير من المواطنين المدنيين.
ج- إلحاق متعمد بالضرر وجعل الحياة صعبة نتيجة التدمير الجزئي أو الكلي للبنية التحتية بهدف دفع المواطنين للنزوح وترك اراضيهم.
د- فرض تدابير قاسية من شأنها الاضرار بحياة المدنيين.
وذكر قاضي الأمم المتحدة بيتر تومكا، أنه يجب على إسرائيل فيما يتعلق بالفلسطينيين اتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها بما في ذلك إلغاء أوامر القيود ذات الصلة لمنع التهجير القسري للفلسطينيين من منازلهم، مشيرا إلى ضرورة ضمان وصول ما يكفي من الغذاء والماء للمدنيين في غزة، وكذلك الحصول على المساعدة الإنسانية بما في ذلك الوصول إلى مأوى آمن، وقدر كاف من الوقود والملابس والنظافة والصرف الصحي، وكذلك الحصول على الإمدادات والمساعدة الطبية اللازمة.
منذ ان نشر قرار المحكمة حول التدابير اعلاه ذهبنا نبحث في الاعلام الدولي عن خبره وذلك ليومين كاملين. لكن ولدهشتنا لم نجد ادنى اشارة له، على عكس الاعلام الهولندي الورقي والمرئي الذي كان قد نشر اخبار اطلاق الدعوى وجلسات الاستماع بسبب التظاهرات حولهما امام مبنى المحكمة. بنفس الوقت فاننا وباستثناء موقعين اعلاميين او ثلاث لم نرى اية اشارة الى هذا القرار في الاعلام العربي باي شكل من الاشكال. إذ كان هو الصمت التام، وهذا على الرغم من ورود خبر اطلاق الدعوى بداية فيه.
رأينا بشأن هذا التجاهل هو ببساطة ان لا العرب ولا غيرهم في الجوار هم ممن يريدون التوصل الى حل لقضية تشريد الفلسطينيين من وطنهم. ولئن كان موقف الغربيين واضحا بسبب من كونهم دعاة استعمار ماضيا وحاضرا، وإن كل دعمهم للاستيطان الصهيوني في فلسطين يقوم على مصالح استعمارية، فالانظمة العربية واشباهها شرقا وغربا يريدون فقط استخدامها للمتاجرة والمزايدة بها كونها الغطاء لشرعياتهم الانقلابية المثلومة. وحل القضية الفلسطينية سيزيل عنهم هذا الغطاء ويتركهم مكشوفين امام شعوبهم. بالاضافة الى هذا سيؤدي الحل الى فقدان بعض البلدان الاخرى لرافعة شرعيتها هي ايضا. فهذه تستند الى معاناة الفلسطينيين لتبرير عمليات النهب والسطو على الاموال العامة وبناء الترسانات العسكرية والصرف على الاتباع في الخارج بحجة دعم الفلسطينيين. بهذا نرى قواتا ومؤسساتا باسم القدس وغيرها مما له علاقة بفلسطين. بينما وظيفتها الحقيقية هي حماية مصالح اوليائها وادواتا لقمع الشعوب ونهب اموالها. وهذا الامر ليس بالجديد، فهو امتداد لما كان يحصل ويجري منذ القرن الماضي.
إن من الواضح بان اطلاق المقاومة الفلسطينية لعملية طوفان الاقصى قد تسبب بصداع واوجاع نفسية شتى لتلك الانظمة المزايدة والمتاجرة. وهو يشتد ويتضاعف مع كل تقدم وتطور يحصل في الملف وعلى الارض مثال قرار العدل الدولية للتدابير المؤقتة الآنف. فهذا القرار سيؤدي حتى ولو لم يجد طريقه الى التطبيق، الى تمهيد الطريق نحو حل مشكلة الفلسطينيين وانهاء المتاجرة بقضيتهم. وإن انعدام ايراد خبر المحكمة في إعلام تلك الانظمة هو الانعكاس لهذه الامراض والصداع بل الازمات النفسية التي انتابتها.
وها نحن الآن مع اصدار هذا القرار وتجاهل الكيان الصهيوني واشباهه من الانظمة العربية له واستمراره في عدوانه الاجرامي على غزة قد حصلت تطورات اخرى جديدة على الارض استندت الى غياب نية دولة الكيان على تنفيذ القرار القضائي الآنف. إذ قامت المكسيك مع تشيلي باحالة ملف العدوان الاسرائيلي على غزة الى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب محتملة. وقد جرى هذا بعد ظهور خبر آخر مشابه اياما قبلها عن فتح تحقيق لدى شرطة لندن حول نفس الموضوع. لاحقا اعلمتنا الاخبار عن اعلان الادعاء العام السويسري عن تقديم شكوى جنائية ضد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لتحريضه على الفلسطينيين على مدونته. وهي جرائم ضد الانسانية. لمن يحاجج بامر ايراد الصحافة العربية لهذه الاخبار مما وجدناه لدى التدقيق فالجواب هو ان الاصل هو ان يُحرص بايراد اخبار نتائج تقديم الشكوى بنفس مستوى الحرص على ايراد اخبار تقديم الشكوى نفسها للحفاظ على موثوقية المصدر الاعلامي. فلا يجوز هنا مع قضية مصيرية مثل القضية الفلسطينية ايراد الاخبار وحجب الباقي حسب المزاج.
حسبنا ان هذه التطورات قد تسببت باختناق اكبر لدى انظمة التجارة بالقضايا الوطنية. وهو ما يشير الى اقتراب هذه الانظمة من لحظة تقديمها جردة الحساب الى شعوبها.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |