|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
رحيم فرحان صدام
2024 / 1 / 17
نتناول في هذا المقال واحدا من ابرز مؤرخي القرن الهجري الثاني وهو الواقدي : محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم ، المديني الولادة والنشأة ، وقد إنتقل إلى بغداد في أثناء خلافة المأمون ، وولي قضاء الجانب الغربي ، ولم يزل فيها حتى وفاته سنة ( 207هـ /822 م ) .
وكان من علماء المغازي والسير والفتوح واختلاف الناس في الحديث والفقه والأحكام، ومن ممثلي مدرسة المدينة في بغداد، وكان صاحب مؤلفات كثيرة جماعة للكتب، ترك بعد وفاته خزانة كتب كبيرة . تناول بحوثاً مهمة في التاريخ الإسلامي، وألف في الفتوح والأحداث التي وقعت في صدر الإسلام مثل الردة والسقيفة ووقعة الجمل ووقعة صفين والخوارج وغيرها (۱) . وقد أتى الدهر عليها ، ونجد مقتبسات منها في في كتاب انساب الاشراف للبلاذري وتأريخ الطبري وفي الكتب الأخرى.
وقد كان الواقدي في كتابه المغازي معنيا بذكر تفاصيل الأحداث حريصا على تدوين الرسائل والكتب والخطب وذكر المحاورات والمناوشات، لم يهمل الجزئيات والتفاصيل سجل كل ما يمكن تسجيله في هذه الحروب مع تفسير شاف لأسباب الوقائع والأحداث؛ ولذلك أنفرّد الكتاب بمعلومات وروايات وأشعار لم تذكرها كتب التاريخ والأدب قبله، وقد اقتبس بعض المؤرخين من هذا الكتاب وذكروا بعض نصوصه مختصرة من مثل ابن سعد في الطبقات الكبرى، والطبري في تاريخه ، وابن حجر في الإصابة، وغيرهم.
ومما هو جدير بالذكر ان الواقدي كان يجمع الاسانيد ولم يكن حريصا على ذكرها ، اذ يقول : " وقد جمعت كل الذي حدثوني... بقالوا " (2)
؛ ولذلك فان بعض علماء الحديث يضعفونه ويقولون عنه انه كان لا يتقن الحديث؛ وذكره الامام احمد بن حنبل فقال " ليس انكر عليه شيئا الا جمعه الأسانيد ومجيئه بمتن واحد على سياقة واحدة عن جماعة وربما اختلفوا ..." (3)
وهذا وان لم يرض اغلب علماء الحديث والجرح والتعديل لكنه يدل على حس تاريخي جيد يعنى بسبك الروايات والتوفيق بينها لتقديم صورة كاملة للحدث .
ان كثرة المعلومات التي عليها الواقدي من تتبعه لأثار مواضع الوقائع وسؤاله من ابناء الصحابة ومواليهم عن أحوال سلفهم جعله ينفرد بروايات و اخبار لا تدخل تحت الحصر وهي ما تعرف عند المحدثين بالغرائب بسبب عدم وجود متابع له في اخباره هذه 0 وليست هذه الغرائب مما تنكر في الأحداث التاريخية ، لأن سببها عدم متابعة الآخرين له عليها .
وقد أشار الى غرائبه هذه غير واحد ، فقال علي بن المديني :" كان الواقدي يروي ثلاثين ألف حديث غريب وكان ذلك إلى حفظه المنتهى في المغازي والسير والأخبار وأيام الناس والوقائع والفقه، وغير ذلك "(4) .
ولا يفوتنا ذكر موقف الامام الذهبي من الواقدي اذ قال ما نصه :
" وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ ، أَمَّا فِي الفَرَائِضِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ، فَهَذِهِ الكُتُبُ السِّتَّةُ، وَ (مُسْنَدُ أَحْمَدَ) ، وَعَامَّةُ مَنْ جَمَعَ فِي الأَحْكَامِ، نَرَاهُم يَتَرَخَّصُوْنَ فِي إِخْرَاجِ أَحَادِيْثِ أُنَاسٍ ضُعَفَاءَ، بَلْ وَمَتْرُوْكِيْنَ، وَمَعَ هَذَا لاَ يُخَرِّجُوْنَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ شَيْئاً، مَعَ أَنَّ وَزنَهُ عِنْدِي أَنَّهُ - مَعَ ضَعْفِهِ - يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى ؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ 000 وَتَمَّامِ عَشْرَةِ مُحَدِّثِيْنَ، إِذْ قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي -رَحِمَهُ اللهُ-." (5)
ان قراءة متمعنة للنص اعلاه يتضح ان الذهبي لم ينص بشكل واضح ودقيق على موقفه من الواقدي اذ نلمح التناقض واضحا في اقواله فبالنسبة لعلم الحديث نجده يقول : " انه ضعيف " وبعد ذلك قال:" يُكْتَبُ حَدِيْثُهُ وَيُرْوَى " ؛ لأَنِّي لاَ أَتَّهِمُهُ بِالوَضْعِ ، وَقَوْلُ مَنْ أَهدَرَهُ، فِيْهِ مُجَازَفَةٌ مِنْ بَعْضِ الوُجُوْهِ ".
وبعد ان دافع عنه ضد من اتهمه بوضع الحديث رفض توثيقه بقوله " كَمَا أَنَّهُ لاَ عِبْرَةَ بِتَوْثِيقِ مَنْ وَثَّقَهُ " واخيرا نجده يدعي :ْ " قَدِ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ اليَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَنَّ حَدِيْثَهَ فِي عِدَادِ الوَاهِي " .
هذا هو موقف الذهبي من الواقدي كمحدث فلا هو متروك الحديث ولا يضع الحديث ولا هو ثقة ويكتب حديثه ويروى عنه من غير احتجاج وهو موقف غريب يعتريه التناقض الفاضح .
اما موقفه منه كمؤرخ فهو الآخر يمتاز بالتناقض اذ يقول ما نصه : " وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الوَاقِدِيَّ ضَعِيْفٌ، يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ، وَنُوْرِدُ آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ "
فاذا كان الوَاقِدِيَّ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الغَزَوَاتِ وَالتَّارِيْخِ فكيف يورد آثَارَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِجَاجٍ. فلا هو استغنى عن مروياته التاريخية ولا هو يحتج بها .
وعلى اية حال فان عدداً آخر من علماء الحديث بنفس المستوى العلمي امتدحوه في رواية الحديث النبوي الشريف بأحسن عبارات الثناء ، لكن الجميع سواءً كان قادحاً أم مادحاً لم ينصوا بشكل واضح ودقيق على موقفهم من الواقدي في رواية أخبار المغازي والفتوح وهو الأمر الذي يهمنا، في مقابل ذلك امتدحه المؤرخين وأشادوا بعلمه وبعلو كعبه في رواية أخبار المغازي والفتوح ، فقال عنه كاتبه وتلميذه محمد بن سعد " كان عالماً بالمغازي والسيرة والفتوح (6) " وأثنى عليه محمد بن سلام الجُمحي (ت232 هـ/ 846 م) بقوله " الواقدي عالم دهره" (7) وامتدحه أبو عبد الله مصعب بن عبد الله الزبيري ( ت 236 هـ/850 م) بقوله " ما رأيت مثله أحد قط "(8) وقال إبراهيم الحربي ( ت 270 هـ/883 م) " الواقدي أمين الناس على الإسلام"(9) فضلاً عما تقدم اثبتت احدى الدراسات الحديثة امانة الواقدي في النقل عن الكتب (10).
ينظر :
(1) الخطيب البغدادي: أبو بكر احمد بن علي بن ثابت(ت:463ه/1070م)ـ تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2002م، جـ3 ، ص4 .
(2) الواقدي: محمد بن عمر بن واقد الاسلمي مولاهم (ت:207ه/822م) ، المغازي ، تحقيق: مارسدن جونس، ط3، دار الاعلمي، بيروت، 1989م . 1/ 99 .
(3) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ج 3 ص 16 ؛ ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي(ت: 571ه/ 1175م) ، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري ، دار الفكر، 1995م. ج 54 ص 455 ؛ ابن الجوزي ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي ، (ت597هـ/1204م)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992م .(10 /176 ) .
(4) ينظر : ـياقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد الله الرومي(ت:626ه/1228م)، معجم الأدباء، تحقيق: إحسان عباس، ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993م، ج5 ص 391 .
(5) الذهبي: شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان(ت:748ه/1347م)، سير أعلام النبلاء، دار الحديث، القاهرة، 2006م.(9/ 469).
(6) ابن سعد : محمد بن عبد الله، (ت 230هـ/837 م)، الطبقات الكبرى، تحقيق : إحسان عباس، دار صادر، (بيروت ـ 1968م) ، جـ5 ، ص425 .
(7) المزي: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف (ت:742ه/1341م) ، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1980م. ، جـ26 ، ص189 ؛ ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل احمد بن علي (ت:852ه/1448م)، - تهذيب التهذيب، ط1، دائرة المعارف النظامية، الهند، 1908م، جـ9 ، ص325.
(8) الذهبي : سير أعلام النُبلاء ، جـ9 ، ص460 .
(9) الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، جـ3 ، ص5 ؛ المزي : تهذيب الكمال ، جـ26 ، ص189 ؛ الذهبي : ميزان الاعتدال ونقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت ، 1963م، جـ6 ، ص275 .
(10) الكبيسي : محمد فيصل ، منهج الواقدي وموارده في كتاب المغازي ، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الآداب ـ جامعة بغداد ، 1989. ص 150 0