هل كان النبي فقيرا ؟

رحيم فرحان صدام
2024 / 1 / 10

ذكر ابن معين رواية في تاريخه عن فقر النبي وانه اضطر الى رهن درعه عند يهودي مجهول وادعى ان ابا بكر افتكها فقال ما نصه : " عَن عَامر أَن درع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مَرْهُونَة فَافْتَكَّهَا أَبُو بكر " (1)
اما ابن بطة فقد رواها بالصيغة الاتية :" وفي مسند إسحاق بن راهويه أنا عيسى بن يونس حدثنا مجالد عن الشعبي قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة فافتكها أبو بكر وسلمها إلى علي انتهى هكذا رواه مرسلا ذكره في مسند جابر عن الشعبي عنه ." (2)
علما ان رواية الشعبي غير موجودة في كتب إسحاق بن راهويه المطبوعة ولكنها وردت من طريق(3) ، اما أبو القاسم الكوفي ؛ نظرا لكونه علوي النسب فقد أدعى اجماع الرواة على ان الامام علي هو من افتك الدرع فقال ما نصه :"وقد أجمع أهل الأثر ورواة الخبر أن ما تركه رسول الله ( ص) البغلة والسيف والعمامة وأن درعه كانت مرهونة فافتكها أمير المؤمنين وأخذها إليه مع البغلة والسيف والعمامة ." (4)
اما البخاري فقال "توفى رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير.." (5)
هل يمكن أن تصديق أن الرسول يضطر لأن يرهن دروعه عند يهودي مقابل أن يحصل على ثلاثين صاعاً من شعير؟ .
وهل يمكن أن تصديق أن يموت النبي وهو مدين لذلك اليهودي ودرعه مرهونة عنده؟ وأين كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ومنهم الأغنياء ؟
ويمكن الرد على هذه الرواية من خلال صحيح البخاري نفسه الذى ذكر الإيراد السنوي الثابت الذى كان يحصل عليه النبي من ضيعة فدك.(6) كما يذكر البخاري أن أموال بنى النضير اليهود بعد أن طردهم النبي من المدينة كانت فيئاً خاصاً بالنبي "ينفق منها على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقى منها في السلاح والكراع عدة في سبيل الله"(7).
إذن على هذا كيف يتوفى النبي وهو مدين ليهودي بثلاثين صاعاً من شعير وقد رهن درعه عنده؟.
والقرآن الكريم يثبت أن بيت النبي كان مفتوحاً للضيوف يأكلون ويتحدثون ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا..﴾ (الأحزاب 53).

وهناك عدة اشكالات حول الرواية اذ ان النبي لم يكن فقيرا ليرهن درعه عند يهودي ؛ اذ كان له خمس الغنائم وله الفيء وواردات خيبر وفدك ووادي قرى وتيماء ، وقيمة نصف فدك بلغت
( 50،000 ) الف درهماً أو - يزيد قيمة النخل بتربتها عندما اجلى الخليفة عمر اليهود منها، فضلا عن انه لم يكن هناك يهود في المدينة عند وفاة النبي سنة (11هـ /633 م) ؛ لأنه أجلى بني قينقاع سنة (2هـ/624م) ، وبني النضير سنة ( 4ه/ 625م) ، واباد رجال بني قريظة سنة (5هـ/ 626 م)،
وهذه الرواية تتعارض مع قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى } [الضحى: 8] ، فالحديث يدل على درجة كبيرة من الفقر كان يعيشها النبي حتى رهن درعه من أجل الطعام، على حين أن الآية القرآنية تدل على أن الله قد أغناه وأزال عنه الفقر.
والسؤال الذي يفرض نفسه من هذا اليهودي الذي اقترض منه النبي ام انه مجهول الهوية ، لا سيما اننا نعتقد ان كل رواية تأتي بصيغة المجهول كقولهم:" جاء رجل يهودي" ، "وسأل رجل يهودي" وغيرها كلها روايات موضوعة لغرض الدعاية ؛ ولذلك نعتقد ان الرواية موضوعة للدعاية الاسلامية الاعلامية عن فقر النبي وزهده . (8)

المصادر
(1) ابن معين: يحيى أبو زكريا المري بالولاء (ت 233 هـ/ 848 م) : تاريخ ابن معين، تحقيق: د. أحمد محمد نور سيف ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى،(مكة المكرمة-1399هـ/ 1979م) . (3/ 368).
(2) مسند ابن راهويه، ج ٣، إسحاق بن راهويه، ص ٨٧٩.
(3) ينظر: ابن بطة، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكْبَري (ت 387هـ / 997 م)، الإبانة الكبرى، تحقيق: د حمد بن عبد المحسن التويجري ، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، (الرياض- 1426هـ / 2005م). (9/ 698) ؛ الزيلعي : تخريج أحاديث الكشاف (2/ 355) .
(4) ينظر: أبو القاسم الكوفي، علي بن أحمد بن موسى بن الإمام الجواد محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام (ت352 هـ/ 963 م) : الاستغاثة ، مؤسسة الاعلمي ، طهران ، ط1 ، ج1 ص 15 .
(5) البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي مولاهم( ت 256 هـ / 869 م )، صحيح البخاري - طبع دار الشعب ، القاهرة ، الطبعة: الأولى، 1407 / 1987م.ج3 ص 19، ص 107، 177، ج 4 ص 49: 50.
(6) البخاري ، صحيح البخاري ج4 ص 96.
(7) (البخاري ، صحيح البخاري ج 6 ص 184.
(8) للمزيد ينظر: الواقدي ، محمد بن عمر الاسلمي مولاهم( ت 207هـ /822 م) ، المغازي، تحقيق د. مارسدن جونز، منشورات مؤسسة الاعلمي، ط3، (بيروت-1989). (2/707) ؛ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد (ت 310هـ/ 922م) ، تاريخ الرسل والملوك ،الناشر: دار التراث ، الطبعة: الثانية ، بيروت- 1387ه، (2/ 550)،(2/ 479) ، (2/ 581).

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي