عندما أصبحنا ملزمين بالدفاع عن القتلة و إجرامهم

مازن كم الماز
2023 / 10 / 18

ما يجري في غزة هو نموذج عما نسير إليه بخطا متسارعة ، لقد وصل الفصام الشعوري الذي تحدث عنه سيد قطب ، بيننا و بين العالم الى نقطة متقدمة و ربما إلى نقطة اللاعودة، لم نكن أبدآ أبعد عن العالم مما نحن عليه اليوم ، لا يفهمنا و لا نفهمه ، نعاديه و يعادينا ، لا نشعر بآلامه خاصة تلك التي نسببها له و لا يشعر بآلامنا ، لا نشعر بالأعباء التي نسببها له بينما يكاد يصرخ هو من تلك الأعباء ، أعباء الرجل الأبيض التي تخلى عنها و نطالبه نحن بها بينما نشتمه صباح مساء ، إن ما يجري في غزة هو المستقبل الذي ينتظرنا لكن على نطاق شامل ، و أجمل ما في الموضوع أننا نعتقد أن قدرتنا العالية على الصراخ و إزعاج العالم مجدية و فعالة بينما نحن نتحول أكثر فأكثر إلى كائنات شاكية باكية متسكعة أو قاتلة و هي أفضل أحوالنا اليوم بينما لا يرانا العالم إلا بيادق في صراعاته الأكبر الحقيقية و عبئًا مؤقتًا يمكنه الحد منه إذا أزعجه أكثر مما يجب ، لا يرى فينا أحد أي خطر جدي و في اللحظة التي يمارس فيها أكثرنا هوسًا ما فعلته حماس على نطاق أوسع أو على نطاق عالمي و يبدو أن هذا ما نسعى إليه بكل قوتنا ، لن يكون من الصعب على العالم التخلص منا بسهولة لا تذكر ، نحن العبء الذي ينوء بثقله العالم ، نحن و أمثالنا ، الفارق الأكبر أن الهنود لا يذهبون إلى أوروبا و امريكا بالكثافة التي نفعل و أنهم يمارسون هوسهم الهوياتي في بلادهم بعيدًا عن أنظار العالم و دون أن يسببوا له الكثير من الإزعاج ، مضى الوقت الذي كان فيه من الممكن أن نحلم و نتحدث عن نهضة ما ، عربية أو إسلامية ، ما تمكنا من إنجازه كان في أفضل الأحوال قوى إقليمية تتصارع مع جيرانها و تحاول إخضاعهم بإسم العروبة أو الله ، عبد الناصر ثم السعودية الوهابية التي ورثتها قطر ثم ايران الخمينية و تركيا أردوغان ، لم يكن ذلك إنجازًا خارقًا بكل الأحوال فكوريا الشمالية تمكنت من تحقيق ما هو أكثر من ذلك و بإمكانيات بشرية و مادية أقل بكثير … إذا تركنا النفط و الغاز جانبًا و هي أشياء لا يد لنا فيها فقد حققنا فشلًا اقتصاديًا حضاريًا لا يضاهى … و بعد كل ذلك لا نجد حاجة لأية مراجعات بل نزداد تمسكًا بكل ما هو متخلف في وعينا و ما لا يمت بأية صلة لعالمنا و تحدياته و أفكاره و مساره ، إننا نصرخ فقط مطالبين العالم هذه المرة بأن يحل مشاكلنا ، يطعمنا و يمنحنا حياة ما ، لم يعد لنا شي آخر لنقوله أو لنفعله ، ليس الآخرون بأفضل منا ، المشكلة هو أننا نحن أسوأ منهم ، يجب الاعتراف أن القضية ليست سهلة ، أن نقترب من الغرب أو أن نسبقه و نعكس علاقتنا به كما حلم السلاطين و وزراءهم و كبار موظفيهم منذ القرن الثامن عشر يبدو اليوم أمرًا عسيرًا ، و مع كل يوم يصبح من الصعب أكثر فأكثر أن نواجه واقعنا كما هو أو أن نغيره ، و لقد كنا ذوي حظ سيء من ديكتاتوريينا كما من "ديمقراطيينا" , من "اشتراكيينا" كما إسلاميينا ، ليس صحيحًا أن صناديق الاقتراع ستحل أيًا من مشاكلنا ، هي فقط ستسهل على النخب الجديدة أن تحكمنا لبعض الوقت ، و كما أثبتت تجاربنا أن كل هذه النخب عقيمة عاجزة و فاسدة و تعوض عن كل ذلك بتملق كل ما هو متخلف و قطيعي و تكريسه و حمايته و الحفاظ عليه ، شاهدنا كيف انحط نظام أردوغان و ملالي إيران في عقد أو عقدين إلى فساد و هراء فاق ما كان سائدًا قبلهما و لم تحتج المعارضة السورية أو حكام العراق الحاليين أو النهضة التونسية حتى كل هذا الوقت لتكشف عن عجزها و فسادها … إن أحلامنا الامبراطورية ليس فقط بلا أي أساس بل هي وصفة لحروب دائمة و مدمرة و ربما ليوم قيامة قريب و بعيدًا عن أن نكون جزءً من عالم واحد مترامي الأطراف لا حدود فيه و لا سادة و لا عبيد و هو الأمر الذي نرفضه بشدة ليس هناك أي أمل في أن نكون جزءً من حضارة العالم اليوم و بدلًا من الدفاع عن بعض القتلة و تبرير جرائمهم سيكون علينا أن ندافع عن كل الضحايا

الإنكار الذي نمارسه هو الوحيد الممكن لكي نبقى قادرين على النظر في المرآة التي تجعلنا نبدو أجمل بكثير عما نحن عليه في الواقع ، درجة الإنكار في نفي تهمة مجزرة الكلية الحربية في حمص ثم مجزرة المستشفى المعمداني هستيرية ، إن مجرد الاستماع لاحتمال أن نكون نحن أو من يمثلنا أو من ندافع عنه هم القتلة و المجرمون مرعب و مرفوض تمامًا ، تحاول المعارضة السورية إخفاء إجرام ثوارها و أحرارها بكل قوتها ، و هي إن اضطرت أحيانًا لنقد قوى الأمر الواقع لكنها حريصة طوال الوقت على تجميل وجوههم و أفعالهم القبيحة و الإجرامية ، في الواقع لم يبق مجرم أو قاتل أو مغتصب لم يستخدم قضية فلسطين و جرائم إسرائيل لتبرير جنونه و جرائمه و جحيمه ، من المفتي الحسيني إلى عبد الناصر و عبد الحكيم عامر إلى القذافي و الأسد الأب و الابن إلى صدام و انتهاء بالعاروري بن لادن و الزرقاوي وصولًا إلى مجرمي و قتلة حماس و الجهاد الإسلامي ، لقد مسحنا الخرى عن طيز كل هؤلاء و الدماء عن أيديهم و سنستمر حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي