|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
هاني الروسان
2023 / 10 / 16
ما قامت به قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وبكل المقاييس وفي سياقه القاسي عملا يحاكي الخيال، إذ انه لم يشكل فقط نجاحا عسكريا يصعب على دول ذات قوة وتاريخ عسكري واستراتيجي ان تقوم به، بل إنه شكل مفاجأة استخاراتية صاعقة في مواجهة قوة عسكرية مدججة ليس فقط بأحدث الأسلحة بل بارفع تكنولوجيات الاتصال والتجسس والتنصت وجيش من الجواسيس هذا باستثناء التنسيق الأمني والمعلوماتي مع عديد الدول الإقليمية والعالمية، وفوق هذا كله امتلاكها للسيطرة على الأرض وما تحتها وما فوقها.
والجديد ايضا في هذا العمل العسكري الفلسطيني في مواجهة اسرائيل، هو انتقال عنصر المبادئة من اليد الاسرائيلية إلى اليد الفلسطينية، ما يعني ان حسابات الفعل وردود الفعل عليه اسرائيليا ودوليا قد وضعت في الاعتبار وانها خضعت لتدقيق شامل من حيث النوع والمدى الزمني، لأن الاعتقاد البديهي وربما اليقين الطبيعي ان عملا بهذا الحجم والنوع لن يكون فرقعة اعلامية او لحسابات تحقيق مكاسب سياسية هنا وهناك على حساب هذا الطرف او ذاك، بل هو عمل ينطوي على مضمون سياسي وأهداف بعيدة المدى.
وفصائل المقاومة تدرك جيدا ان السلاح هو في نهاية المطاف وسيلة لتحقيق أهداف محددة وانه ليس هدفا بحد ذاته، ولذا فان السؤال هنا يتعلق بدقة الحسابات التي اخذتها فصائل المقاومة بعين الاعتبارات قبل أن تنطلق بهذا العمل العسكري الضخم الذي ولا شك انه سيترتب على نتائجه الكثير من الانعكاسات العميقة.
وعلى هذا المستوى تشي كافة المؤشرات والتصريحات التي سمعناها من قادة الفصائل بان هذه الخطوة كان قد أُعد لها منذ زمن ليس بالقريب وقد اُتخذت كل الاستعدادات لمواجهة تداعياتها، بل وهناك ما يشي بما هو ابعد من ذلك على مستوى التخطيط للتدحرج بهذه المعركة لمديات زمنية طويلة ووضع النتائج والغايات المتوخاة من ورائها والاطراف التي يمكن ان تكون جزاء منها.
ان المجريات الراهنة لمراحل سيرهذه الحرب في يومها الثالث وعلى النحو الذي تجري به تؤكد انه سيكون لها ما بعدها وان قواعد الاشتباك كما قواعد اللعبة السياسية لن تعود كما كانت عليه، وأن على كافة الأطراف ان تستعد جيدا لتقديم التنازلات الموجعة وربما المصيرية التي ستحدد شكل البقاء ونوعية التعايش.
وهنا السؤال يدور عن الطرف الذي سيكون مدعوا اكثر من الطرف الآخر للانصياع لنتائج هذه الحرب، التي تلوح بذورها في الافقين الإقليمي والدولي، هذا علاوة على أسبابها في تصاعد العدوانية والوحشية التي تترجمها وتجسدها حكومة يمين ديني متطرف ومتغطرس مدعوم من حركة استيطانية عنصرية وارهابية متوحشة دنست المقاسات وحرقت ودمرت الممتلكات وقتلت الأطفال والآمنين من الكبار والنساء وخلقت البيئة المناسبة لحكومة اليمين المتطرف لسد كل أفق سياسي، كما ذهبت لحصار السلطة الفلسطينية الشريك المفترض لها في عملية السلام وعرقلة عملها لاضعافها ووضعها موضع الشريك غير المؤهل في اي عملية سياسية.
وفي هذا لابد من الاشارة إلى الموقف الرسمي الفلسطيني وموقف الرئاسة الفلسطينية الذي يمكن قراءته من جهة على انه وفر غطاء سياسيا غير مباشر لهذه العملية العسكرية عندما أكد البيان الصادر عن الرئيس ابو مازن ان من حق شعبنا الدفاع عن نفسه، ووضع العملية في خانة رد الفعل على الأفعال الاجرامية للاحتلال الصهيوني، كما تحركت الدبلوماسية الفلسطينية بهذا الاتجاه، وفعلت نشاطها نحو توفير حماية دولية للشعب الفلسطيني واجبار إسرائيل على الانصياع لاستحقاق عملية السلام التي قتلتها إسرائيل ووقف العدوان المباشر على الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، ومن جهة ثانية على انه مؤشر واستعداد لمحاولة رأب الصدع وتوحيد الصف الفلسطيني الذي بات يتطلب من الأطراف الأخرى ان تتقدم بعض الخطوات.
ان هذه المعركة النوعية والتي ضربت في العمق واسقطت نظرية الامن الاسرائيلي الزائفة ودقة الحسابات التي بنيت عليها والإجراءات الواهية التي رافقتها وخاصة منها مصادرة الأراضي وشق الطرق الالتفافية وإقامة الحواجز والجدرانها ستكون اختبارا صعبة وربما مصيريا، ليس فقط لامكانيات التجاوز الفلسطيني-الفلسطيني بل لارساء قواعد لعبة قد تمتد لسنوات طويلة تحدد معها مصير الأرض والانسان
هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |