جماليات القبح.. وعلاقة المصري بالبيئة المحيطة

محمد احمد الغريب عبدربه
2023 / 10 / 5

المقدمة:
الجدل حول علم الجمال، ودوره في فهم ظاهرة القبيح، يثير كثير من الاسئلة والإشكاليات، فمعظم الأفكار الجمالية تهتم بما هو جميل، وإذا اهتمت بمفهوم القبيح فكان من شأنه ما هو موجود في الفن وكيف أن يكون لديه لمحة جمالية، ولم تسعي لفهم القبيح في الحياة اليومية، والبيئة، والقبيح كما هو قبيح في الواقع، القبيح الذي يتولد من فعل الانسان، او من تطور الحضارة، القبيح المنتشر هنا وهناك، القبيح في البيئة، والمشكلات التي تنتج عن ذلك، ومن الاسئلة التي تثار أيضا في هذا السياق، هل لعلم الجمال دوراً في فهم مشكلات البيئة، ورفع وعي المواطن بفهم القبيح في البيئة، ومحاولة تخفيف حضوره، أو تحويله الي جميل.
وبالنظر الي البيئة في مصر نجدها مليئة بالمخلفات وانتشار القبيح في كل مكان، فقد تحولت الاشياء الجميلة الي اشياء قبيحة، واصبح ليس هناك اهتمام من المواطن بتفعيل الجميل او الحفاظ عليه، انما دائما هناك محاولة لتحويلة لشئ قبيح واستغلاله، وهي سمة العصر، حيث اصبح الانسان نفسه مجرد شئ، نتيجة التقدم التكنولوجي والعلمي، وأصبح الوعي والبعد الثقافي والحضاري للفرد لا يضع في اعتباره إنسانية الانسان نفسه، وهذه الازمة في الوعي نفسه حول ادراك الانسان لنفسه وأهميته، ادت الي اهتزاز في رؤيته للبيئة، والاهتمام بجمالياتها، وهذه رؤية نقدية عالمية للانسان، ظهرت في كثير من المدارس النقدية للحداثة والحضارة والعالم، وهي رؤية وجود كلي للاشياء والانسان، وهذه التشوية في الوعي الانساني ينعكس علي علاقة الانسان بالبيئة، فالقبح اصبح شئ داخل الانسان والوعي تجاه البيئة اصبح قبيحاً، فكانت البيئة قبيحة نتيجة لهذا القبح الانساني بالاساس.
وكما ذكرنا يمكن القول ان العديد من منتجي النظريات الجمالية والفكر الجمالي ومنظري الثقافة والفنون في الغرب او في الثقافة المحلية، لم يهتموا بفهم القبيح، ويفهم أن هنالك حالة انعكاسية بين هذا الفكر الجمالي، وبين ذوق الناس، فقيام المواطنين بالتعامل مع البيئة والطبيعة باستهانة وعدم احترام وكأنها شئ للاستخدام والاستفادة فقط، يضع علم الجمال وفلسفاتها في قفص الاتهام وأن يصبح مساهماً في زيادة القبح، ويعكس ذلك أن هذا العلم غير مهتماً، وغير واعي بمشاكل الإنسان المعاصر. والا أن كانت هناك نظريات استثنائية في هذا السياق لبعض المفكرين، الا أن النظريات الجمالية وجماليات البيئة، مرتبطة بالوعي الغربي، ولذا هي مختلفة عن طبيعة الوعي المصري والعربي، وعن البيئة المصرية التي نعيش فيه التي تعاني من انتشار القذارة في الشوارع والتلوث، وتشويه المناطق الطبيعية والبيئية وانتشار ظاهرة الضوضاء والازدحام والفقر والمرض، ونستخلص من ذلك ان يغترب الوعي الفلسفي البيئي بين دراسة الوعي الغربي من جانب، وديمومة الوعي المتأزم في بيئة قبيحة من جانب أخر. حيث يدرس طالب الفلسفة الوعي الغربي الذي كان سببا في المشكلة، والحلول التي وضعها تكمل لا أكثر، وفي نفس الوقت عليه أن يتعامل مع أزمات البيئة المحلية، إلا يخلق هذا نوعاً من اغتراب الوعي[1].
وهذه الورقة تحاول النقاش مع نظريات الجمال وفلسفاتها والاشتباك معها لمعالجة قضية القبح في البيئة، وتحاول هذه الورقة أيضا فهم ابعاد القبح في البيئة المصرية، وعلاقة الانسان المصري بالبيئة ومدي تقديره لما حول محيط حوله، وكيف يمكن تحويل صور القبح في البيئة الي اشياء جميلة، وذات ابعاد بصرية ملفتة. وتلتفت الي الورقة ايضا الي بعض الافكار الجمالية التي يمكن الانطلاق منها لفهم ظاهرة القبيح في البيئة، وفي مشكلة البيئة عموماً، ومنها الافكار الجمالية المتعلقة بفلسفة الحياة اليومية، والافكار الوجودية، والفينومينولوجيا.
طبيعة القبح في البيئة والاهتمام به:
لا يمكن القول أن القبيح موجود فقط في البيئة، وانه ناتج من افعال الانسان فقط، ولكن القبيح موجود في كل شئ، فبجانب مصطلح قبحيات البيئة، هناك مصطلح يدور حول قبحيات الثقافة، وقبحيات الوعي كما ذكرنا اعلاه في المقدمة، فالوعي نفسه أصبح قبيح، نتيجة اختلال وجود توازن الانسان، فيمكن القول أن القبح موجود في كل مكان، وانه يعتبر شبكة تراتبية يعيش فيها الانسان المصري، عملت علي تشويش وعيه وكينونته وادائه ونشاطه وافكاره، فاصبحت علاقاته بالاشياء والمعاني مشوشة وقبيحة، ومثال علي ذلك أن هناك امور قبيحة كثيرة في الثقافة المصرية بشكل عام والشعبية خاصة، بالنظر الي نوع الموسيقي والافلام والسينما والادب الذي يهتم به المصريين، فهناك حالة من القبح وعدم الاتزان في الوعي لدي المصري بشكل عام في ثقافته، هذا التردي الثقافي يمثل احد انواع قبحيات الانسان المصري.
وايضا هناك قبحيات في صميم وجود الانسان وهي قبحيات العلاقات، فالعلاقات الانسانية والاجتماعية الان في منتهي التردي والقبح، فاصبح الانسان وفقا لسماته المعاصرة يعيش في حالة من التشيؤ والمادية وعدم الانسانية، فاصبحت العلاقة مع الاخر تعتبر علاقة افتراس ومصلحة ومنفعة، فعلاقات الاسرة والجيران والاقارب اصبحت في وضع سئ، فليس هناك تواصل حميمي كما كان يحدث، وهذه الازمة في مفهوم العلاقات لدي الانسان انعكست علي علاقته بالبيئة، فاصبح لا يهتم بجماليات البيئة والمكان والمحيط الذي يعيش به، فاذا نظرنا الي العمارات والأبنية، لا يوجد فن معماري يزخرف ويجمل هذه العمارات، وانما هناك ابنية اسمنتية يتكدس فيها الافراد، وتتراص العمارات بجانب بعضها البعض، فيصبح المشهد كارثياً، فليس هناك اشجار ومساحات فارغة للرؤية، والاحساس بالبراح والجمال والطبيعة.
وهذا يؤكد ان هناك جهات مسؤولة تحديداً علي زيادة القبح في البيئة المصرية، فالمسؤلون السياسيون والاداريون، ورجال الاعمال يحققون مصالحهم علي حساب جمال البيئة، ومنظر جذاب للاماكن والاشياء، بجانب سوء وعي المواطن المصري، هناك جهات بعينها تساهم في زيادة قبح البيئة، وعلي هذه الجهات ان يكون لديها وعي بما تفعله، فليس الامر مصلحة مادية وقتية، فالقبح اللذين تسببوا فيه بشتي المجالات سينقلب عليهم حتما في نهاية الأمر، فكل فعل له رد فعل.
الاهتمام بالقبيح
مفهوم القبيح دائما ما لا يتم التعرض له ودراسته حق دراسة، لذا يجب الالتفات له وزيادة الوعي بما هو قبيح في البيئة، وذلك عن طريق التنبيه له بعلامات في كل وسائل الاعلام ومصادر التثقيف ، وايضا في الكتابات النظرية والفكرية، يجب الالتفات اليه، بعد أن ظلت الأفكار والفلسفات تهتم بعلم الجمال بعيداً عن مضمون القبيح، وملامحه، وايضا معرفة الابعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشكله، فمعايير الجمال والقبح تتأثر بهذه الأبعاد، فهناك اطراف لديها مصالح تقوم مثلا بزيادة القبح في البيئة وفي الاماكن.
وللاهتمام بمفهوم القبح نجد وجود كثير من الاشكاليات التي يطرحها هذا المفهوم ، فهناك اختلافات في تحديد ما هو قبيح، وما هو جميل، وهذه الاختلافات يجب ان يتم الوعي بها، فمثلا هناك بعض المواطنين يرون ان بعض العمارات ليس بها قبح، رغم اختفاء عنصر الفن المعماري بها، فوعيهم لم يصل الي ادراك الفصل بين القبح والجمال، وايضا بعض المخلفات التي نجدها في البيئة المصرية، مثلا بجانب بعض الاماكن السياحية والتاريخية والطبيعية، وهي ليس مخلفات مباشرة، ولكنها بعض الانشطة والاشياء التي تجعل المنظر قبيحاً للغاية، مثل ما يفعله البعض في منطقة الاهرامات من انشطة تؤدي الي قبح منطقة الاثار الفرعونية نفسها، والعمارات التي يتم بنائها علي امتداد شارع الهرم والتي تتجاوز الادوار المسموح بها فهي تؤثر علي منظر الاثار، فالبعض يجد ان هذه الامور ليست قبيحة، انما هي جزء من المنطقة السياحية الجميلة. وايضا مظاهر القبح تختلف من كل عصر الي عصر أخر، فهو يتطور، ويكون له ملامحه وصفاته الخاصة، فمظاهر القبح في مصر في فترة الخمسينيات والستنيات وهي فترة حكم الرئيس عبد الناصر، تختلف عن مظاهر القبح في الوقت الحالي، فكان وقتها مثلا النيل في مظهر جمالي رائع، والان المنظر اصبح قبيحا بسبب ما يفعله بعض المواطنين حول النيل من افعال تضر بالمظهر الجمالي والطبيعي له ولا احد يلتفت اليه، ولا يعتبر ذلك قبحاً لدي الكثيرين.
نظريات جمالية
رغم ما ذكر أن علم الجمال وفلسفاته لم تهتم بفهم القبيح، الا ان هناك محاولات من بعض الفلاسفة، مثل امبرتكو أيكو، والفيلسوف كارل روزنكراتنس، ونحاول هنا مناقشة بعض الافكار الفلسفية التي اهتمت بعلم الجمال، فمثلا الفيلسوف الالماني إيمانول كانط ركز علي المفاهيم القبلية في تذوق الجميل والذات، في كتابه نقد ملكة الحكم، وفي رأيه أن الجمال لا يرجع إلي الأشياء وإنما مصدره الذات ولكنه مع ذلك ليس ذاتياً صرفاً وليس مجرد شعور سيكولوجي ولكن فيه صفات الكلية والضرورة، فيه الشروط السابقة علي الخبرة الحسية، وبهذا هناك اهمية لعناصر القبلية سابقة عن الخبرة، وذلك يعني أن الحكم علي الجميل لديه، يكون حكم منعكس لا يقع علي الاشياء الخارجية وأنما يقع علي الذات نفسها وما يجري بها إزاء الأشياء الخارجية[2]. ويلاحظ هنا أن فلسفة الجمال لدي كانط، النسق الفلسفي الابرز خلال عصر التنوير في اوروبا، قد ارتكز علي الذات، واستبعد الخبرة، واذا نظرنا لفلسفة البيئة، سنجد تعارضا بين فلسفة الجمال هذه وفكرة الحفاظ علي البيئة ومفهوم القبيح، فهنا الذات مركزية، وعيها وادراكها للجميل أو الذوق، ينطلق منها، وليس من البيئة والاشياء والواقع المعاش، وأن كانت فلسفة كانط الجمالية بعيدة عن التأسيس لمفهوم البيئة وفهم القبيح والجميل وعلاقتهم ببعض، إلا انها تساهم في تذوق الجميل ولديها طرح نسقي متماسك في الجميل.
واذا انتقلنا الي فلسفات جمالية تتعلق بمفهوم الخبرة المعاشة والحياة اليومية، ممكن نجد تقاربا لفهم القبيح والجميل في البيئة، فعند الفيلسوف الامريكي جون ديوي، نجد ان مفهوم الجميل لديه يقترب من مفهوم خبرة الحياة اليومية، والخبرة الجمالية، فخلاصة رأيه في الخبرة الجمالية أن أي خبرة إنما هي تفاعل يتم بين الكائن الحي والبيئة غايته إشباع حاجته، وإذا كانت الخبرة ناجحة بحيث ارتبطت بسياق يصل بين ذكريات الماضي وتوقعات المستقبل فهي الخبرة في معناها الأتم، وعلي هذا النحو يري ديوي في الخبرة الجمالية عملية تستغرق زمناً معيناً أو هي كما يقولون لها وحدة مستمدة من أنها حاضر بهيج له مستقبل. ويري ديوي ان الخبرة الجمالية ليست خبرة تستمد من المتاحف والمعارض والمكتبات، وأنما توجد الخبرة الجمالية في سياق الحياة اليومية والعملية، فكل خبرة عاديةسواء كانت عملية ذهنية او مجرد أداء عمل يدوي ناجح، لها طابع جمالي[3].
وهناك ايضا الاتجاه الوجودي خاصة عند سارتر وهيدجر والفينومينولوجيين، وهو اتجاه ينظر إلي الوعي في ارتباطه بالأشياء بمعني أنه يبحث في وجود الأشياء وجودا موضوعيا، أنه يقوسها كما قال هوسرل واتباعه في فرنسا من امثال ميرلوبونتي، فالوعي يقتصر علي وصف الاشياء كما تبدو للإنسان، ذلك أن الوعي لا وجود له خاليا من الاشياء بل هو ابدا متعلق بها، وبهذا تجاوزت الفينومينولوجيا وربيبتها الفلسفة الوجودية الميتافزيقيا التقليدية التي اخذت بالتفرقة بين الموجودات وبين الوعي، وأصبحت المشكلة الرئيسية في الفلسفة هي البحث في ظواهر الوجود كما تبدو للذات الإنسانية[4]. وهذه الفلسفة ترفض المجردات العقلية وتعتبر الوجود الإنساني وجودا عينيا ملتصقا بالحياة وبالعالم وأنه الوجود في العالم ومع العالم ومن أجل مشروع معين، كما يقول سارتر، وذلك يعني أن الانسان يعيش في البيئة المحيطة وفقا لصفاتها وتفاعلاتها، وليس خارجاً عليها، ورفع الوعي لهذا المستوي يجعل الانسان ينظر للبيئة جمالياً وفقا لوجودها في حالة علاقة متداخلها معها، لذا تختلف رؤيته للقبيح، فهو سيجد القبيح جزء منه، ويجب ان يحوله لجميل، فالعلاقة هنا ليس علاقة استخدام وهيمنة، فالانسان يعيش في البيئة ويصبح موجود في داخلها وباطنها، ويتفاعل معها.
وهناك اصحاب التيار الحدسي للفلسفة، اللذين نظروا للفن كنوع من المعرفة غير أنه معرفة لا تتعلق بالكليات أو بالقوانين العامة بتتناول ما هو جزئي او فردي، وهم وأن كان لكل منهم مذهبه في الفن وفي تفسير الحدس وعلاقاته بالخبرة الفنية إنما يمثلون في الواقع حركة احتجاج علي النزعة العقلية التي سادت فلسفة القرن الثامن عشر بعد الثورة العلمية في ذلك العصر. وقد حمل برجسون علي العقل حملة جعلته ينظر إليه علي أنه مجرد أداة للأنسان للتحكم في البيئة وفقد فرق برجسون بين العقل كاداة لسيطرة الإنسان علي البيئة والذي يعتمد علي الوصف ويركن إلي التصورات العامة التي تساعد الإنسان في السلوك العملي، وبين الحدس الذي لا ندرك به سوي حقائق الشعور الباطني وما شابهها من معرفة لا تهدف إلي العمل والمنفعة. ولقد اشاع هذا الاتجاه الحدسي البرجسوني تاثير كبيرا علي معاصريه خاصة نلاحظه عند هربرت ريد الذي يري في الحياة الفنية حياة للإحساس لا يمكن للعلم ولا العقل النظري أن يزودنا بها[5].
وتتفق هذه الفلسفة في رؤيتها للانسان والاشياء والبيئة والحياة الفنية مع التيار الوجودي، فهي ركزت حول الحدس الذي يختلف عن العقل الذي ينظر الي الامور من حيث انه شئ يتفاعل معها من اجل المنفعة او بشكل عقلاني بحت، ام الحدس فهو ينظر الي الاشياء بشعور باطني، لا يهدف المنفعة البحتة والبعد الاستغلالي، وهي ايضا نظرة تجاه الفن الجميل.

وهذه الفلسفات هي من نتاج الفكر الغربي والوعي الغربي، واذا كان يمكن الاستفادة منها في فهم مشكلة البيئة والقبح، ولكن هناك ما يمكن البحث فيه واستخلاصه من افكار وفلسفات تخص الوعي العربي الاسلامي يمكن الاشارة اليها، فيمكن احياء التراث الشرقي وخاصة الصوفي الجمالي في النظرة الي الطبيعة والبيئة، ويمكن ان نصل الي مفهوم التصوف البيئي من منظور جمالي، فعلاقة الانسان الطبيعة والبيئة هنا تكون منطلقة من نظرة جمالية في بعدها التصوفي، فالتصوف ينظر الي الاشياء نظرة بها حميميه دينية او الهية، وليس شرط الديني بالمفهوم التقليدي، انما الروح الالهية والتقديس والتعالي، فيمكن تقديس البيئة، ومن المعروف ان الصوفية ممارسة ومعايشة وخبرة، كما لديها جماليات خاصة بها مما يساعد في التعامل مع البيئي. والصوفية ايضا تتخذ الزهد شعارها، وتصفية القلوب دثارها، مع صحة الاعتقاد وسلامة العمل في الجملة، ويتوخى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لاعن طريق اتباع الوسائل الشرعية .
وفي سياق مفهوم التصوف البيئي يمكن الاهتمام بالفن الاسلامي والعربي، ودمج هذه النوعية الاعمال الفنية في البيئة المحيطة، حتي تتفاعل مع ما هو قبيح، وذلك بتكوين اعمال في سياق هذا الفن الاسلامي، استحضار هذه الروح في اعمال جديدة معاصرة. وهذا التوجه في المحلي للافكار والوعي، يتماشي مع فكرة عدم الاغتراب في الوعي، فالافكار الصوفية مثلا لها حضور كبير لدي الشعب المصري، كما انها جزء من الدين الاسلامي الذي يمثل الاغلبية، فاتباع هذه الافكار سيكون له صدي وفعالية.

التعامل مع القبيح في البيئة
1- القبيح عندما يصبح جميلاً
هل يمكن اعتبار القبيح في البيئة جميلاً ؟، وكيف ينظر إليه، وهل هو في حد ذاته جميل؟، أم يمكن تحويله لجميل، فهناك إشكالية حول كيف يتم دفع المواطنين الي تحويل القبيح في بيئتهم الي ما هو جميل، وممكن ذلك برفع الوعي بما هو جميل في هذه القبح، بدايةً، حتي يتطور وعي المواطن تدريجيا ويشعر أنه امام قبح يجب مواجهته. فهناك الكثير في الاداب والفنون ما يعتبر القبيح جميلاً، وليس قبيحاً في المطلق، فهو يعطي معني وتعبيرا لدي المتلقي، فهناك رأي لدي بوزانكيت يقول أن كثيراً مما يسمى قبيحاً بصورة عامة هو في حقيقته راجع إلى ضعف المشاهد فالأشياء لا تبدو لنا قبيحة إلّا لأننا نفتقر إلى القدرات اللازمة لتقدير قيمتها الاستطيقية و يذكر أن في هذا النوع من الموضوعات جمالاً[6]. وهناك رأي يقول أن القبيح في العمل الفني وعن طريق القنان المبدع، يثير انفعال شعوري يفوق في كثير من الأحيان ما يستطيع الجمال أن يثيره من تعاطف لدى المتلقّي، فبعض الاعمال فنية المؤذية بفجاجتها، قد تؤدي هذه النتيحة.
ومن الصعب تصديق أن البيئة نفسها يمكن أن تكون قبيحة، فأشد المناظر الطبيعية قسوة قد تثير في النفس شعوراً بالجليل والجميل، والقبح الحقيقي إنما يوجد في طريقة التعامل مع البيئة، في استغلالها وإهمالها وقتلها حتي تتحول إلي بيئة قبيحة. الصحاري جميلة بلا شك حتي في أشد لحظات قسواتها. ولكن هل هي المسئولة عن المجاعة؟, وهل ندرة المطر هي المسئولة عن تكوين الصحاري[7].
ومن خلال هذه الاشكالية في علاقة القبيح بالجميل، يمكن أن يتم تغير الوعي الي ادراك القبيح في البيئة والطبيعة وانه قد يتمثل في شكلاً جميلاً أخر، وهي درجة من الوعي صعبة ومقعدة وتحتاج الي مجهود كبير حتي يتم استيعابه، والتدرب عليها، ويمكن تغير ابعاد وظروف ما يكون قبيح، ليكون جميلاً، بمعني عدم التخلص منه نهائياً والقضاء عليه، ولكن وضع لمسات وملامح جديدة وتفاصيل متعددة ومتنوعة لتغيره نحو الجميل، بمعني العمل علي اعداد خطط وافكار جديدة من اجل تجميل القبيح، وذلك بوعي المواطنين ووعي الادارة والمجتمع.
2- الفن البيئي
وما سبق ذكره من العمل علي تحويل القبيح الي جميل ينقلنا الي الاهتمام بما يطلق عليه الفن البيئي، وتحويل كل ما يحدد أنه مهمل الي شكل جمالي وذات قيمة بصرية، بالاضافة الي الاهتمام بالقبيح وليس المهمل فقط في تحويله الي شئ جميل، وذلك بفعل المقاومة والفعل المعاكس، فمن الممكن وضع شئ ذو صفة جمالية في مكان به مخلفات او قبح، فالتضاد في الامر يلفت الانتباه ويشجع علي جدلية من اجل التطور، وذلك يتجادل ويتفاعل وفق عناصر جدلية هيجل وهي عنصر التناقض والتضاد، ويمكن الاستعانة بادوات الميديا ووسائل الاعلام لتغير الوعي، مثل السينما والدراما، لتخليق هذا الوعي بشكل مباشر او بشكل مبطن، ويفضل ان يكون مبطن لكي يطول الامر، ويكون تطوير الوعي اعمق، ويكون المواطن او الملتقي هو من يحاور نفسه ويشعر بغموض في المعني، ورغم رجحان كفة تعميق المعني في الرسالة او الاشارة للمواطن يبدو انها تخالف مشكلة البيئة التي تتسم انها تخص المواطن العادي، ولكن يمكن اتباع المسارين، الوعي المباشر، والوعي الطويل والاعمق، حتي يكون هناك فائدة علي أكثر من جانب.
والاستعانة بالفن البيئ، والذي اصبح له انتشار علي الساحة الفنية علي اكثر من صعيد، هو أمراً مهماً وهو مرتبط بتحويل المخلفات الي عمل فني، حيث تصبح البيئة احد تجليات الجمال والفن، وتريح النظر، وذلك عن طريق الفن الشعبي والنقوش والرسم في كل مكان، ولكن بطريقة فنية، حتي يحول المشوه والقبيح إلي جميع، وذلك هو فن ليس في القاعات، وانما هو في الطرق والشوارع والبيوت، والاسطح، ليس له زمن خاص، ومكان خاص، ولكنه في اي مكان، وهو فعل تشاركي عام، ويولد ذائقة عامة، حيث يشارك الجميع في تكوينه وتذوقه، وهذا الفن يسعي لتغيير الذائقة البصرية لدي الجمهور باستمرار، ويتشابك هذا الفن مع الفنون التشيكلية، ولكنه يختلف عنها، حيث الذائقة البصرية والجمالية تكون هدف في الفن البيئي والفن التشكيلي، ولكن خصائص الفن البيئي مختلفة .
وايضا أن يكون هذا الفن به تفاصيل البيئة والطبيعة نفسها، أن يكون معبرا عن الانسان ومناسبا مع ملامح البيئة، حيث يكون هناك اندماج وروح بين هذا الفن والطبيعة، ولا يكون مغتربا، بعيداً او يكون مثلا مشابهاً لثقافة مغايرة، فمثلا عندما تكون هناك محاولات لازالة القبح حول النيل، يتم الاستفادة من فن يناسب ملامح وصفات المصريين، والنيل نفسه، وممكن ان يكون الامر قريب من الفن النوبي والعادات النوبية الجنوبية، لأنه مصدر وروح وثقافة النيل نفسه، وهذا يكون هناك تكيف لهذا الفن مع النيل.
وفي سياقات الأعمال العالمية البيئية المتميزة قدمت المكسيك وثورتها نموذجاً يحتذى به في الفن البيئي حيث احتاجت إلى مساحات واسعة لتغطية أحداثها وأفكار ثوارها مما جعل الفنان المكسيكي يعمد إلى جدران بيئته لتحقيق أمنيات شعبه لعرض هذا التوجه الجدي وإعلان ثورته ضد الرأسماليين بأسلوب فني بسيط ومباشر يفهمه رجل الشارع بكل بساطة علماً بأن طبيعة الفن المكسيكي تتميز بالقوة في الطرح الفني والتعبيري والجمالي مما أكسبه صفة العالمية وريادته في مجال الفن البيئي في العالم[8].
وأي نجاح لعمل فني بيئي يكمن في أربعة جوانب مهمة تتمثل في الجوانب التقنية والمهارية والنظرية وأخيرا الأكاديمية؛ ولكن السؤال هو:هل يستطيع الفنان البيئي خلق تزاوج بين كل هذه الجوانب وبين المواد الخام المستخدمة في هذه الأعمال خروجاً عن المألوف وبعيداً عن أطر اللوحات القماشية وولوجاً إلى فن أكثر جدلا وهو :فن النفايات؟... عندما قامت الفنانة جفين هيلدر والفنان فيليب هاميال بتحويل القطع المنزلية المهملة كالنقدية والمفاتيح والأوعية الصدئة وسلاسل الدراجات لأعمال ذات قيمة فنية تم عرضها في إحدى جاليريهات مدينة سيدني باستراليا[9].
3- الفن الجروتسك:
ويمكن ايضا النظر الي ما يصطلح عليه فن الجروتسك، حيث وُجدت آثاره على جدران الكهوف والمغارات، واتسم بالعجائبية في تصويره حيوانات ذات أشكال نباتية، ووجوه آدمية مصورة بشكل لا يتفق مع الواقع، وهو أن يصبح القبيح جميلاً، ووهذا معني فني، قد يساعد في ابراز الشعور بالقبيح، والشعور به أنه قد يكون جميلاً، وأنه معطي، يجب التحاور معه، وفهمه، وهذا الفن يقع في منطقة التناقض، حيث من القبيح يكون هناك جميلاً.
ويشير شاكر عبد الحميد إلي فكرة الاستجابة وليس هيئة العمل الفني وتذوقه الجمالي حيث ويضح " مع تقدم الفكر البشري وتطور الوعي بأن الجمال ليس هو الفن وأن الجمال يمكن ان يكون موجوداً في الطبيعة، وفي الفن وكذلك ان المهم استجابة الإنسان للجمال في العمل الفني، وليس ما يكون عليه هذا العمل من تناسق واتزان، وأن جانباً كبيراً من جماليات العمل الفني قد يكمن في اعماق مكوناته وما تحتوي عليه من خيال وذاتية وتفرد وخروج عن المألوف، وأن غرابة تكوين العمل الفني التي احياناً ما يربطها البعض بالقبح قد تكون هي الاكثر قيمة من ذلك التناسق الظاهري في الالوان والاشكال الذي يقوم علي اساس قوانين راسخة في تاريخ الفن ومع الوعي كذلك بوجود جمال كامن داخلي في الفن يفوق في قيمته الكمال الظاهر، مع كل تلك التطورات والاحداث التي شهدها تاريخ الفن والحياة التي اكدت نسبية القيم الانسانيه ومنها الجمال والقبح.[10]

4- التعايش مع الطبيعة
والفن البيئي يمكن النظر اليه انه يتعلق بتفاصيل في مكان العيش، وفي تفاصيل صغيرة، وذلك يعني الاهتمام باقل الاشياء، بمعني النظر الي الاشياء المهملة أنها موجود ولها اهمية وخلق حالة حوار معها، وفهم كينونتها. وعدم أهمال اي شئ مهما صغر شأنه وحجمه، وقلة قيمته. وذلك يمثل دعوة صريحة ومباشرة لكي يتعايش الانسان مع الاشياء التي حوله، والطبيعة التي يعيش فيها، فليس هناك فواصل وحواجز بينه وبين الاشياء وتفاصيل الطبيعة.
وينظر الي الفيلسوف الألماني هيدجر علي أنه ابرز من اشار في افكاره الي اهمية التفاعل مع الاشياء وفهمها والحوار معاه، فيشير هيدجر الي أن الانتقال من الوجود الزائف الي الوجود الاصيل، يعتبر انتقال الكينونة من الغرق في الكائن الي انفتاح الكون، والغاء الانغلاق اي بمعني الانفتاح ازاء العالم باعتباره كذلك، مع العزم كالغاء للانغلاق تنتزع الكينونة ذاتها مما يظهر داخل العالم ويصبح انفتاح العالم هذا الانفتاح الذي يميز مسبقا دائما الكون في العالم المميز للانسان صريحا وبذلك يحدث التباعد ازاء الوجود اليومي وتحدث تجربة العالم من حيث هو المجال الذي نحن دائما في الفة معه[11]. وهذه الصغية الهيدجرية توضح لنا أهمية التفاعل والحوار مع البيئة والاشياء.
والفن البيئي يساعد في اعادة تصالح علاقة الفرد بالطبيعة والبيئة، ويصبح البيئة والاشياء القبيحة بها مفتاحا للجمال مرة أخري، ومصدراً متجدد للابداع الفني والجمالي، وايضا ذلك يجعلنا ننفتح اكثر علي الطبيعة والبيئة والاشياء المحيطة بنا، ويجعلنا نعيش وندخل اكثر في الوجود خاصة البعد الطبيعي والبيئي، ومن هنا قد يتلاشي بعد الاغتراب، ويتم رويدا رويدا القضاء علي القبح، فالوعي بالطبيعة سيكون اشمل واعم، ورغم اهمية هذا الفن البيئي في تحويل القبيح الي جميل الا أنه يساهم في محاربة الطابع الاستغلالي ولصناعي للحضارة الرأسمالية التي تسعي في استفحال استغلال البيئة وانتشار النفايات في كل مكان دون الاعتبار.
ويمكن الالتفات الي الابعاد الطبيعية في الثقافة المصرية، مثل الابعاد الريفية، والابعاد النوبية لجنوب مصر، وبعض ملامح الثقافة الصحراوية، وايضا الصفات الفرعونية المصرية، بمعني ان يتم التركيز علي صفات الثقافة المصرية التي كانت تمتزج بالطبيعة، خصوصاً ان مصر دولة مركزية زراعية حضارية، تعطي للطبيعة اهمية كبيرة، فهناك تمركز حول نهر النيل، وهناك مدن جنوبية، وهناك مدن صحرواية، فالطبيعة والبيئة حاضرة في حياة المصريية، ومن الممكن ان استحضار هذه الطبائع الثقافية للمصريين، يساعد في مواجهة القبيح في البيئة، فيجب العمل علي حضور الثقافة المصرية الاصلية، بجانب عدم الافتنان والتأثر الشديد بالثقافات الاخري.
5- الاعمال الفنية في البيئة:
هناك أهمية للتحول من وضع وعرض الاعمال الفنية في المتاحف والمعارض، والاماكن الفنية المغلقة حتي في المنزل او في المؤسسات او اماكن العرض، الي عرضها في الشارع، وذلك سيؤدي إلي التحام بين العمل الفني والمحيط البيئي، و يكون هناك علاقة بين العمل الفني والمشاهد والبيئة فالاعمال الفنية التي توضع في الأماكن المفتوحة من البيئة هي أعمال قد يراها الناس كل يوم، ومن ثم ينبغي ألا تكون متفاوتة تماما مع أذواقهم، بل أن تكون من الأعمال التي يصل الفنان، من خلالها، إلي نوع من التوفيق المتميز بين أسلوبه الخاص، وتوقعات الناس، ومستوياتهم الثقافية العامة وأذواقهم الجمالية[12]. وضع هذه الأعمال الفنية سيؤدي الي تخفيض نسية القبيح، او وضعها في اماكن تشير الي وجود قبيح فيها.
وقد تكون الاعمال الفنية اقرب او مكونة من مناظر طبيعية، فهي صاحبة التفصيل الجمالي الاكثر لدي الشعوب، حيث تبين أن المناظر الطبيعية التي فضلت أكثر من غيرها، علي نحو شائع لدي ثقافات عدة، هي مناظر ذات درجة متوسطة، او مرتفعة من العمق او الانفتاح، اي مناظر مشذبة نسبيا، وذات سطوح شبيهة بالأرض المعشبة ذات الأطوال المنتظمة، وكذلك مناظر الاشجار المتفرقة أو الموزعة علي هيئة أجمات او كتل كثيفة[13].
6- استطيقيا المصانع
المصانع تؤثر علي البيئة، وجمالياتها ، فالدخان والمخلفات التي تخرج من المصانع، بجانب وجودها وشكلها، يؤثر علي البيئة، وهناك الكثير من الاعمال الفكرية والفنية ناقشت تأثير البعد الصناعي علي النفس الانسانية، واصابةً الفرد بالاكتئاب بشكل دائم، نتيجة، وخاصة اننا نعيش في عصر من الصناعة التكنولوجية وانتشار الاشياء المصنعة في كل مكان، وانتشار المصانع والمدن الصناعية التي تلوث البيئة بمخلفاته، وبوجدها الحاد والصلب والجاف امام عيون الانسان، فالنظر اليها يصيب الانسان بالحزن، واقرب مثال مدينة حلوان، التي تحولت المدينة والطرق اليها مصانع واترتبة مما يصيب الانسان بالخوف والحزن نتيجة توحش المصانع ومظهرها.
ويمكن ان يكون هناك معني للجمال في المصانع، ولابد من ذكر المؤلف الهام، للفرنسي ريموند لوي، الذي اقام منهجا للاستطيقا الصناعية والتجارية والدعاية قبل كل شئ، وهو الذي نجح بواسطة أمكان التغيير الكلي للمظهر الخارجي للمنتجات سواء أكان المنتج عربة نقل ام علية سجائر في إعطاء الولايات المتحدة معني أكثر دقة للانسجام. وقد روي مغامرته هذه في كتابه: سوق القبح راكده، وقد تتبع فيه اهتمام مساويء الذوق وانحرافه في العصر الصناعي الالي الذي قتلت الميكانيكا فيه التصوف[14]. فعن طريق استطيقيا المصانع يمكن احتواء الابعاد المتوحشة والجافة للمصانع والورش وذلك بفن وزخرفات في تفاصيلها وشكلها الخارجي والداخلي.
7- مشاركة الفنانين
هناك علاقة جدلية ومتشابكة بين الفن والبيئة والطبيعة، حيث تمثل الطبيعة والاشياء المحيطة بالانسان مصدره الاساسي في التأمل والتفكير والخيال، والملهم الدائم للابداع، فكل فن عظيم وجيد، به شئ من الطبيعة والبيئة، لذا يجب لأن يكون للفن دور في الحفاظ علي البيئة، وأن يتم تخفيف نسب القبح التي تظهر في تفاصيلها، لذا يجب ان يشارك الفنانين، في انشاء الميادين، وتصميم الشوارع، والعمارات، ويتم أن يتم وضع الازهار والنباتات والاشجار بشكل فني في الشوارع، وفي انشاء الجدران والجسور يجب أن يكون هناك جانب فني جميل في التصميم، وان تلون الجدران بالوان فنية، بمعني ان الدعوة الي الفن يجب ان تكون شاملة، وتختص كل مناحي وتفاصيل والحياة.
وذلك يعني أن يكون الفن متعايش في الحياة اليومية، وفي كل شئ، وليس نخبوياً وذلك من سمات العصر الحالي، حيث هناك اغتراب بين الفن والمواطنين والبيئة والطبيعة، ويجب ان يعيش الفن في الوجود كما هي الدعوة الهيدجرية، ليكون الواقع بتفاصيله عملاً فنيا مشاركاً من الفنانين.
الاخلاق والقبح
يمكن القول أن هناك بعد اخلاقي يحدد سلوك الانسان تجاه البيئة، فالقاء المخلفات في الشوارع، وعدم الحفاظ علي نظافة الاماكن، الذي يؤدي الي قبح، وهو سلوك علي مستوي الخاص للافراد، يرجع الي اخلاق ليست فاضلة، اخلاق سيئة، وايضا الاهمال العام للبيئة، وزيادة نسبة القبح في البيئة علي المستوي العام نتيجة المصانع واهمال مظاهر الجمال في المجتمع والاماكن من اجنب المؤسسات الحاكمة، يمثل اشاعة لاخلاق عامة للمجتمع ليس جيدة، وذلك في العموم يمثل اخلاق الشر التي تنتشر في وجدان الفرد والمجتمع، ويتسبب معه سوء تعامل مع البيئة والطبيعة والاشياء وينتج عنها قبح لا يتوقف.
وبجانب تغير الوعي تجاه علاقة المواطن المصري تجاه البيئة، يجب التمهيد نحو تحسين اخلاق المجتمع، وثقافته، ووضع البيئة والاشياء المحيطة بالفرد في المناقشات والاهتمامات الاخلاقية للمجتمع والفرد، ليكون فعل التفريط وتقبيح وتشويه البيئة فعل شر، يجب التوقف عنه، ومحاولات تجميل البيئة، والاهتمام بتحويل القبيح ليصبح جميلاً يعتبر فعل الخير، ويأتي منظومة الاخلاق الجيدة التي تفهم طبيعة البيئة في اشتباك مهم مع الوعي، فمحاولات تغيير وارتقائه لدي الفرد يؤدي الي رقي الاخلاق، ويساهم في ذلك في تحسين العلاقة مع البيئة.
وأخيرا : اشكالية القبيح في البيئة مستمرة، والالتفات له فكريا وجماليا نادراً، ولكن مصطلحات ومفاهيم مثل التفضيل الجمالي، والجروتسك، الطبيعة والفن، جماليات البيئة، المحاكاة، الخبرة الجمالية، الفن اليبئي، الحياة اليومية في الفن، الغرابة، تساهم في الاقتراب من الاشكالية، وتفهم القبيح في البيئة، ونؤكد ان حل مشكلة القبيح في البيئة المصرية، لن يتم الا بوعي محلي غير مغترب، فيجب الالتفات الي ما يخص البيئة المصرية من ثقافات وافكار في تحييد نسب القبح، وعدم اهتمام المصريين بالتخلص من التشوية، وتوقفهم عن المساهمة في الاضرار بالمحيط البيئ والطبيعة.

هوامش:
1- كرم عباس، الفلسفة الخضراء: مقدمة في فلسفة البيئة، مركز جامعة القاهرة للتعليم المفتوح، القاهرة، 2014، ص89.
2- أميرة حلمي مطر، مدخل إلي علم الجمال وفلسفة الفن، القاهرة، دار التنوير، 2013، ص17
3- أميرة حلمي مطر، المرجع السابق، ص 76-77.
4- أميرة حملي مطر، المرجع السابق، ص 181
5- أميرة حلمي مطر، المرجع السابق ص 168.
6- علي عبد المعطي محمد، بوزانكيت: قمة المثالية في انجلترا، القاهرة، دار المعرفة الجامعية ص 264-266.
7- فلسفة البيئة، كرم عباس، مرجع سبق ذكره، ص91.
8- علي عبد المعطي محمد، بوزانكيت: قمة المثالية في انجلترا، القاهرة، دار المعرفة الجامعية ص 264-266.
9- فلسفة البيئة، كرم عباس، مرجع سبق ذكره، ص91.
10- شاكر عبد الحميد، الفن والغرابة: مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، 2010، ص182.
11- مارتن هيدجر، كتابات اساسية: الجزء الاول، ترجمة اسماعيل المصدق، القاهرة، المجلي الاعلي للثقافة، 2003، ص 35
12- شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي : دراسة في سيكولوجية التذوق الفني، عالم المعرفة، عدد رقم 267، مارس 2001، الكويت، ص 397.
13- شاكر عبد الحميد، المرجع السابق، 406.
14- دنيس هويسمان، علم الجمال : الاستطيقيا، ترجمة أميرة حلمي مطر، القاهرة، المركز القومي للترجمة، عدد 1949، 2015، ص121.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي