|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
خليل الشيخة
2023 / 10 / 1
كانت تسكن بجانبي إمرأة امريكية عجوز تحب القطط، وكان لديها قط محترم بلون الفلفل دعته (توتي) وقطة جميلة بيضاء بلون الثلج أسمها (فروتي)، ترعاهما وتقدم الأطعمة الغالية لهما، وعلى مايبدو أن توتي وفروتي كانا يعيشان حياة في غاية السعادة، فالأكل والشرب مؤمن. عندما يخرج توتي إلى الشارع كي يقضي حاجة تراقبه حتى يدخل وتفعل ذات الشيء مع فروتي القطة البيضاء. قرعت مرة علي الباب وطلبت مني بكل إحترام أن أدخل من الشباك وأفتح لها الباب لأنها نسيت المفتاح في الداخل وقالت لي حزينة بان توتي وفروتي بدون طعام منذ الصباح. فدخلت من الشباك بحذر خوفاً أن أسقط وينكسر لي ضلع أو طرف. وعندما شاهدني القط توتي أنزل متسللاً من الشباك فر هارباً ولحقت به القطة فروتي، وربما ظنا أني لص أريد بهما الأذى. فتحت الباب للعجوز واسرعت هي دون تباطؤ لوضع الطعام لأولادها القطط. أما أنا، استأذنت ورجعت لبيتي.
قالت لي جين - وهو أسم العجوز- مرة بأن لديها ثلاث أولاد واحد في السجن لأنه قتل زوجته والثاني يسكن لوحده صاحي يوم وسكران عشرة أيام، لم تراه منذ ثلاث سنوات وبنت متزوجة لاتزورها إلا بالكرسمس وعيد الشجرة. ثم علاوة على ذلك فهي تتقاضى معاش تقاعدي ومعونة حكومية تكفيها وتكفي القطين.
في يوم غائم أو مشمس لا أذكر، قرعت العجوز جين الباب علي، فقلت أعوذ بالله عندما شاهدتها لأنني ظننت أنها نست المفتاح داخل البيت مرة أخرى ونست توتي وفروتي بلا طعام. لكنها قالت لي بلهفة غير مسبوقة تسألني هل رأيت القط الفلفلي توتي، فأجبت بلا ... وأين لي أن أرى توتي أو غير توتي. أستدارت عدة مرات حول نفسها ثم قالت بحزن وقلق : خرج توتي بارحة المساء كي يقضي حاجة ولم يعد. (وكدت أن أقول: ومن قال لك بأني أعمل حارس قطط أو منجم عن الغائب). لكني أظهرت لها بأني متعاطف مع قضيتها وقلت: لاتقلقي ياجين فإن القط لايهرب من العشاء أو بما معناه. ثم عادرت وهي تائهة الذهن تركض في الشارع وتبحث خلف الأشجار تصيح بعصبية : توتي .. توتي أين أنت؟ قلت في نفسي لاحول ولا قوة إلا بالله.
بعد فترة وجيزة رأيت سيارة شرطة الحيوانات تقف أمام بيتها تتحدث معها وتأخذ تفاصيل الغائب توتي علهم يجدونه لها. بعد أن مضى بضعة أيام، لم يجدوا توتي. تخمنت أن سيارة دعسته أو أحد الجيران خطفه واحتفظوا به. كنت أرى جين تجلس على شرفة المنزل وقد قعدت بجانبها القطة البيضاء حزينة عابسة. قالت لي مرة أن القطة قل أكلها تعبيراً عن فراق توتي وساءت صحتها.
بينما كنت اغلق باب بيتي مغادراً، رأيت العجوز تجلس على الشرفة منكّسة الرأس، وعندما رأتني، نادتني وقالت لي بحزن وهي تبكي:
- لقد ماتت فروتي حزناً على توتي. وأخذتها إلى مقبرة الحيوانات وهي الآن ترقد بسلام هناك وأنا أزور قبرها كل أسبوع.
قلت لها متعاطفاً
- سلمي أمرك لله، فهذه سنة الحياة، كلنا على هذا الطريق... (وكدت أن أقول الله يرحمها).
ثم غادرت إلى عملي وأنا أستغرب هذه الحزن الشديد من العجوز على قطة. وتذكرت مايسمى بنظرية التعلق في علم النفس the attachment theory)). فإذا تعلق شخص بشيء أو شخص أو حيوان، يتحد معه وتصبح حياته مرهونة به.
لم يمض أسبوعين حتى عرفت أن العجوز في المشفى في حالة خطرة. ولم تخرج من المشفى أبدا، بل ماتت هناك حزناً على القطة فروتي وعلى ضياع القط توتي.
بعد مدة رأيت أبنتها وأبنها ينظفون البيت بغية بيعه، وهما لم يروها منذ دهر.
فقلت في نفسي سبحان الله. ناس تموت وآخرين يتمتعون بالثروة، هذا إذا اعتبرنا البيت المتواضع ثروة. وعرفت أيضاً أن الانسان قد يستبدل حبه لأولاده بقط أو كلب لأن المحبة مزروعة في نفوس البشر مثلما الكراهية.
تشرين أول-1 - 2023